قد تصاب أجسامنا أحياناً بالارتباك، وهو شعور قد يكون مألوفاً لديك، خصوصاً إذا اشتركت في مسابقة لأكل الفليفلة الحارة: حيث تحس معدتك المسكينة أنك ابتلعت حريقاً بأكمله، وبالتالي تقرر أن تقوم بواجبها في إنقاذك، وتجد نفسك وأنت تتقيأ وتتعرق وتصاب بغشاوة في الرؤية. أو قد يحدث معك كما حدث مع ذلك الرجل مجهول الاسم بعمر 34 عاماً الذي تحدث عنه آخر إصدار من مجلة BMJ Case Reports، والذي أصيب بصداع مفاجئ وسريع (ما يسمى بالصداع الراعد) والغثيان الشديد.
ربما تكون هذه الدراسة الأولى من نوعها حول العلاقة ما بين الصداع الراعد وتناول الفليفلة. وفي وصف مختصر للوضع، فقد تناول هذا الرجل فليفلة كارولينا ريبر، وهي الأكثر حرارة في العام بقيمة حوالي 2.2 مليون سكوفيل (وهي واحدة لقياس قوة المذاق الحار للفليفلة، وللمقارنة، فإن أنواع الفليفلة العادية لا تتجاوز بضعة آلاف سكوفيل)، ومن ثم أصيب بألم شديد في عنقه، وفي القسم الخلفي من رأسه، وخلف العينين، كما أنه أصيب بغثيان شديد. قد يكون هذا متوقعاً بالنسبة لشخص اشترك في مسابقة لأكل الفليفلة الحارة، غير أن الأمر غير المتوقع هو الألم المفاجئ الذي تعرض له الرجل عدة مرات في الأيام اللاحقة. فقد أصيب بعدة نوبات مما يطلق عليه الأطباء الصداع الراعد، وهو صداع يأتي بسرعة ويتسبب بآلام شديدة تصل إلى الذروة خلال دقيقة تقريباً، وتجعل الشخص المصاب بها يتمنى الموت، وأحياناً تشير إلى أنه يموت فعلاً.
كانت نوبات الصداع شديدة لدرجة أن الرجل ذهب إلى المستشفى بشكل إسعافي، وهو أمر متوقع بطبيعة الحال، حيث أن هذا الألم من النوع الذي يشير إلى احتمال وجود مشكلة في الدماغ. ويلحظ الأطباء الذين كتبوا المقالة في مجلة BMJ Case Reports أنهم اضطروا أولاً إلى استبعاد وجود انتفاخ دموي (أم الدم) قبل الوصول إلى تشخيص الإصابة بالفليفلة الحارة.
تبين بعد التدقيق أن الألم على الأرجح ناتج عن انقباض شديد في الأوعية الدموية في الدماغ، وهي حالة تسمى بتناذر الانقباض العكوس للأوعية الدموية الدماغية. يصاب معظم الناس بهذا التناذر بسبب أنواع معينة من الأدوية، غير أنه أحياناً ينتج أيضاً عن تعاطي المخدرات، والتي يتسبب كثير منها بتغيرات في الأوعية الدموية، كما قد يظهر أثناء الحمل. غير أن هذه المرة الأولى التي أصيب أحد فيها بهذا التأثير نتيجة الاشتراك في مسابقة لأكل الفليفلة الحارة.
هذا لا يعني أن تناول الفليفلة الحارة لا يتسبب بأعراض شديدة. ويعمل المركب الذي يكسب الفليفلة مذاقها الحار، والمسمى كابسايسين، عن طريق... الإقناع. حيث يرتبط بالمستقبلات المسماة TRPV1 في بعض العصبونات الحسية، وهي نفس العصبونات المسؤولة عن الإحساس بالحرارة الفيزيائية، والتي تشعرك بالألم إذا ارتكبت فعلاً غبياً ما، مثل وضع يدك داخل النار. وعلى ما يبدو فإن الجسم لا يفرق بين حماقة وضع اليد داخل النار وحماقة التهام فليفلة جهنمية الحرارة، ويظهر نفس الإحساس تماماً في كلتا الحالتين. ولهذا يؤدي تناول الطعام الحار إلى التعرق، حيث يعتقد الجسم أن الجو حار فعلاً، ويبدأ بمحاولة التبريد.
يمكن أن يتسبب الكابسايسين بالتقيؤ أو الإسهال، وذلك حسب المسافة التي تقطعها الفليفلة داخل الجهاز الهضمي. تحتوي الأحشاء الدقيقة على مستشعرات يمكن أن تحس بوجود الكابسايسين، وتعتقد بالتالي –وهي على حق تماماً- أن هذه القنبلة من الطعام الحار تشكل خطراً على الشخص، وبالتالي ستحاول تحريكها بأسرع ما يمكن. ويؤدي هذا في بعض الأحيان إلى تشنجات مؤلمة وزيادة في إنتاج المواد المخاطية (ما يؤدي إلى الإسهال). ومن المؤسف أن الشرج يحتوي أيضاً على مستقبلات للكابسايسين، ما يعني أن حرارة الفليفلة سترافقك حتى النهاية المريرة.
اشتكى الكثيرون من العديد من الأعراض السيئة التي تلي تناول الفليفلة الحارة، ولا يبدو أن مجرد التبجح بتناول فليفلة شديدة الحرارة يستحق عناء الإصابة بها. فقد تناول أحد الكتاب في مجلة بون آبيتيت 3 حبات من فليفلة كارولينا ريبر في 21.85 ثانية، وأمضى بعد ذلك 14 ساعة يعاني من آلام انتقام جهازه الهضمي. كما تناول مراسل صحفي من جريدة بريطانية قطعة من الهمبرجر مع صلصة أكثر حرارة من رذاذ الفلفل (المستخدم في الدفاع عن النفس)، وعلى الفور فقد الإحساس بيديه، وأصيب بألم شديد في المعدة، وأخذ يتنفس بسرعة شديدة، ومن ثم أسعف إلى المستشفى.
كلوا فليفلة كارولينا ريبر، ولكن على مسؤوليتكم.
يبدوا أن الرجل التعس الذي تحدثت عنه المقالة آنفة الذكر كان محظوظاً في نهاية المطاف. فقد تسبب الكابسايسين، بطريقة ما، بإصابة أوعيته الدموية بانقباضات متكررة، ما أدى إلى إصابته بالصداع عدة مرات على مدى بضعة أيام، غير أن هذا العارض تلاشى لاحقاً. ويلحظ المؤلفون وجود حالة أخرى لدى ذكر بعمر 25 سنة أصيب بتشنج وعائي في القلب (ما أدى إلى نوبة قلبية) بعد تناول حبوب فليفلة كايين، ويبدو بالتالي أن الكابسايسين له آثار لاحقة فعلاً. إن التغيرات التي أصيب بها المريض الأول في أوعيته الدموية كانت تسبب له الألم، ولكن ما أن خرجت الفليفلة من جسمه بشكل كامل حتى عاد إلى طبيعته.
على الرغم من أن الرجل نجا بحياته، فإننا ننصحك بألا تدخل في تحدٍّ لتناول فليفلة كارولينا ريبر، إلا إن كنت تجد متعة غريبة في تعذيب نفسك. وفي هذه الحالة، أبق قربك على الأقل دورقاً من الحليب أو علبة من اللبن الرائب. حيث أن منتجات الألبان والأجبان تحتوي على مادة الكاسيين، والتي ترتبط مع مستقبلات TRPV1 أيضاً، وتستطيع بالتالي أن تخفف من تأثير الكابسايسين، إضافة إلى أنها تساعد على غسل أثر الفليفلة. لا تحاول غسل فمك ويديك بالماء، لأن الكابسايسين لا ينحل فيه، بل يجب أن تستعين بالمواد الدسمة، مثل تلك الموجودة في الحليب، للتخفيف من الألم. تناول بعضاً من صلصة الكريم الحامضة مع الفليفلة، وستصبح بحال أفضل بكثير.
يمكنك على الأقل أن تكون متأكداً من شيء واحد، وهو أنك لن تموت جراء تناول الطعام الحار، خصوصاً إذا تناولته فعلاً وكان حاراً لدرجة تجعلك تتمنى الموت.