لماذا كان حزيران شهراً أسود بالنسبة للديناصورات؟

3 دقائق
انقراض الديناصورات
حقوق الصورة: ديبوزيت فوتوز.

انقرضت الديناصورات بسبب اصطدام كويكب بالأرض منذ نحو 66 مليون سنة، فيما أصبح يُعرف باسم «حدث انقراض العصر الطباشيري-الباليوجيني». أثار التساؤل عن توقيت هذا الحدث من العام الجدل منذ فترة طويلة بين المتحمسين لعلم الحفريات. 

تستند دراسة حديثة نُشرت في دورية «نيتشر» إلى أدلة سابقة تشير إلى أن الديناصورات ربما تكون قد انقرضت في شهر يونيو/حزيران. حقيقة أن الباحثين تمكنوا من تحديد توقيت حدث وقع منذ ملايين السنين هو إنجاز علمي رائع، وسنتحدّث عن ذلك لاحقاً. 

تأتي الأدلة الحديثة من موقع يسمى «تانيس»، ويقع في تكوين «هيل كريك» الجيولوجي في ولاية داكوتا الشمالية في الولايات المتحدة الأميركية. تانيس هو واحد من عدة مواقع جيولوجية حول العالم حيث لاحظ العلماء حدود العصر الطباشيري-الباليوجيني في تعاقب الصخور الرسوبية. 

استخرج العلماء من هذا الموقع أحافير رائعة للديناصورات والثدييات والأسماك والنباتات وغيرها. العديد من هذه الأحافير محفوظ بشكل جيد للغاية، وبعضها يظهر بقايا الأنسجة الرخوة، مثل الجلد، بالإضافة إلى العظام، والتي يمكن أن تقدم رؤىً علمية قيّمة. 

كيف تمكن موقع «تانيس» من أن يصبح توثيقاً للحدث؟

تم اكتشاف موقع تانيس لأول مرة في عام 2008، وأصبح مركزاً أساسياً للعمل الميداني لعالم الحفريات «روبرت دي بالما» منذ ذلك الحين. في ورقة بحثية نشرت عام 2019، قال دي بالما وزملاؤه إن تانيس يعكس لحظة اصطدام الكويكب الشهير بسبب 3 عوامل. 

الأول هو وجود أحافير ديناصورات في الرواسب التي تعود للعصر الطباشيري حتى حدود العصر الطباشيري-الباليوجيني، أي عند وقت الاصطدام تماماً.

الثاني عبارة عن طبقة من الكُريّات الذائبة: كرات زجاجية صغيرة تبرد أثناء انفصالها عن الصخور المنصهرة. عندما ضرب الكويكب الأرض في المنطقة التي تُعرف الآن بشبه جزيرة يوكاتان في المكسيك، نشر الحطام والكريات الذائبة لآلاف الكيلومترات. 

الثالث هو دليل على وجود موجات زلزالية في القنوات العميقة. يقع تانيس في منطقة داخلية اليوم، ولكن في نهاية العصر الطباشيري، كان يقع على ساحل الممر البحري الداخلي الغربي الذي قسم أميركا الشمالية في ذلك الوقت، وكان مستوى سطح البحر أعلى بنحو 200 متراً عما هو عليه اليوم. كان الموقع مصباً للأنهار، ما يعني أن المياه العذبة والمالحة كانتا تختلطان فيه.  

يمكننا أن نتخيل أن الأسماك ابتلعت الكريات الذائبة التي سقطت من السماء عندما كانت تسبح في مياه النهر الهائجة.

نتجت الموجات الزلزالية عن حدث اصطدام بعيد في المكسيك، والذي تسبب في موجات زلزالية هزت الأرض وتسببت في تدفق المياه داخل وخارج قنوات النهر بمعدل سريع يُقدر أنه بدأ بعد ساعة واحدة من الاصطدام.

بالإضافة إلى الكريات الذائبة داخل الصخور الحاملة للأحافير، وجد الباحثون الكثير من الكريات في الهياكل العظمية لبعض الأسماك التي فحصوها. يمكننا أن نتخيل أن الأسماك ابتلعت الكريات الذائبة التي سقطت من السماء عندما كانت تسبح في مياه النهر الهائجة. 

اقرأ أيضاً: كيف يبدو طعم الديناصورات؟

فحص الأسماك بدقة أكبر

في ديسمبر/كانون الأول 2021، نشر دي بالما وزملاؤه ورقة مهمة حول توقيت حدث انقراض العصر الطباشيري-الباليوجيني. في هذه الدراسة، قام الباحثون بتحليل بعض عظام الأسماك المحفوظة جيداً جداً، والنظر في الطريقة التي انعكست فيها دورة الفصول، من الصيف إلى الشتاء، في بنية العظام وتركيبها الكيميائي. 

من خلال مقارنة سمك «الحفش» الحالي بأحفوريات سمك الحفش التي وجدت في تانيس، وجد الباحثون أنه في العمود الفقري الزعنفي، تظهر الطبقات المنتظمة أن الأسماك ماتت عندما كان عمرها 7 سنوات. تؤكد حلقات النمو أن الأسماك عاشت في المياه العذبة في أشهر الصيف، وفي المياه المالحة خلال الشتاء. في هذه العينة وعينات أخرى تم تحليلها في نفس الدراسة، تُطابق حلقة النمو الأخيرة الانتقال من الربيع إلى الصيف.  

مجتمعة، تشير هذه الأدلة إلى أن النيزك ضرب الأرض في شهر مايو/أيار أو يونيو/حزيران، وهو الحد بين فصلي الربيع والصيف في نصف الكرة الشمالي.

الأهم من ذلك، تؤكد هذه النتائج الأدلة السابقة المستندة إلى النباتات الأحفورية، والتي تشير إلى أن حدث الانقراض وقع في أوائل يونيو/حزيران.

اقرأ أيضاً: عبر الحمض النووي: هل يمكن أن نعيد الديناصورات إلى الحياة؟

اكتشف عالم النباتات القديمة «جاك وولف» موقعاً في ولاية وايومنغ أظهر تأثير النيزك على بحيرة من المياه العذبة. عند نقطة الاصطدام، تجمدت البحيرة، ما أدى إلى حفظ النباتات الأحفورية التي تُظهر تفاصيل رائعة. 

من خلال مقارنة النباتات الأحفورية بزنابق الماء الحديثة المماثلة مثل «زنابق البحيرة» و«النّيلم الجوزي»، أظهر وولف أن آخر زنابق الماء التي سادت في العصر الطباشيري، والتي كانت موجودة في البحيرة قد توقفت في نموها عند نقطة في عملية إنتاج أوراق الصيف والزهور والفاكهة، ما يشير إلى أن التجمد وقع في أوائل شهر يونيو/حزيران.

غالباً ما يقول علماء الحفريات إنهم سيحتاجون إلى آلة زمن لفهم تفاصيل الحياة القديمة، مثل الشهر الذي انقرضت فيه الديناصورات. لكن هنا نرى استنتاجات استثنائية يمكن أن تنبثق من التحليل الدقيق والمقارنة العقلانية مع كائنات العصر الحديث. 

المحتوى محمي