خذ كائناً عضوياً، ويفضل أن يكون ذا عظام أو قشرة قاسية. أضف كمية من الرواسب الناعمة، وادفن الكائن في الرواسب بسرعة وانتظر لفترة 10,000 سنة تقريباً، وستكون قطعت شوطاً لا بأس به للحصول على مستحاثة جيدة الصلابة.
لا يمكن تنفيذ مشروع طهو كهذا إلا في المطبخ الاختباري للأرض، ولا بد من أن نقرّ بأن وقت النضج طويل للغاية. ولكن ماذا لو عثرنا على طريقة أسرع، كما لو أننا نستخدم المايكروويف بدلاً من طنجرة الطهو البطيء؟ يعتقد فريق من علماء المستحاثات أنهم اكتشفوا طريقة للالتفاف حول التقاليد وإعطاء الآخرين في هذا المجال معلومات جديدة حول كيفية تحول الأشياء إلى مستحاثات، وقد نشر الفريق بحثاً عن هذه الطريقة في مجلة Paleontology.
اعتبر علم التحجر (أو علم التاريخ الأحفوري)، والذي يعنى بدراسة عملية التحجر، جزءاً من علم المستحاثات منذ الخمسينيات، عندما قام إيفان يفريموف –وهو عالم سوفييتي فائز بجائزة ستالين التي تكافئ جائزة نوبل في الاتحاد السوفييتي- بصياغة المصطلح من أجل عمله. يقول رونالد مارتن، عالم مستحاثات في جامعة ديلاوير، والذي ألف كتاباً هاماً عن علم التحجر: "يتمحور هذا العلم بشكل أساسي حول عملية الموت والتفكك".
لا يقتصر الاهتمام بهذا المجال على علماء المستحاثات، بل يمتد أيضاً إلى علماء الآثار وخبراء التحليل الجنائي وغيرهم من المهتمين بفهم كيفية موت وحفظ الكائنات الحية. يعتمد علماء المستحاثات على هذه المعلومات في مسائل مثل معرفة أنواع الحيوانات والمواطن واضحة التمثيل في السجل الأحفوري، إضافة إلى فهم الامتدادات الزمنية، والتغير المناخي، وغيرها من التفاصيل التي لا يمكن توضيحها بدون معرفة كيفية تحول شيء حي إلى مستحاثة في المقام الأول.
عادة ما يعتمد علماء المستحاثات على الطبيعة نفسها لمعرفة كيفية تشكل المستحاثات. يقول مارتن: "بعض هذه الطرق غريبة لدرجة أنها تبدو مبتكرة". وعلى سبيل المثال، قررت مجموعة من علماء المستحاثات في 1993 إطلاق مبادرة الرصيف القاري والمنحدر القاري لعلم التحجر التجريبي. ويقوم هذا المشروع طويل الأمد على دفن مجموعة متنوعة من الكائنات البحرية تحت خليج المكسيك ومياه الباهاماس، ومن ثم زيارتها بشكل دوري لدراستها ومراقبة كيفية تحللها بمرور الزمن.
قامت مجموعة أخرى بتأليف أطلس لتحلل اللافقاريات، وذلك بوضع مجموعة من الحيوانات الميتة في المياه لفترة تصل إلى سنة، وتسجيل التغيرات التي تطرأ على كل منها. كما قرر آخرون الاعتماد على المختبر لتسريع العملية. وعلى سبيل المثال، في مختبر علم التحجر التجريبي في متحف مدريد الوطني للتاريخ الطبيعي، يمكن لعلماء المستحاثات محاكاة مختلف أنواع الظروف التي تؤثر على الحيوانات الميتة، بدءاً من المطر والتلوث وصولاً إلى التغيرات الدورية المناخية.
تقدم هذه التجارب معلومات هامة حول عملية التحجر، ولكنها تبقى محدودة. حيث يجرى الكثير منها ضمن مستوعبات مغلقة تصعب من مراقبة ما يحدث في الداخل، كما أن اغلبها يجرى بدون وجود مفترسات أو زلازل أو أي من الأشياء العديدة التي يمكن أن تؤثر على التحجر. ويجب على الباحثين اتخاذ قرار حول التركيز على المراحل المبكرة من التحجر أو مراحل النضج، حيث يحدث التغير من رواسب إلى صخور رسوبية بفعل الحرارة والضغط وعوامل أخرى.
إضافة إلى هذا، توجد مسألة الزمن. وعلى حين أن بعض الطرائق التجريبية قادرة على تسريع العملية بعض الشيء، فلا يوجد ما ينتج مستحاثة جيدة مثل فترة زمنية بطول عشرة آلاف عام أو أكثر. أما إذا كان الصبر مسألة صعبة، فيوجد خيار جديد، وهو "خَبز" المستحاثات، وذلك بضغط عمل عشرات الآلاف من السنين إلى فترة 24 ساعة.
أطلق إيفان سايتا -الباحث في متحف فيلد- وزملاؤه على طريقتهم اسم "الإنضاج بالتغليف الرسوبي"، وذلك بضغط العينات في ألواح طينية، وخبزها في فرن تحت ضغط يتجاوز 238 ضعفاً من الضغط الجوي، وهو قريب من الضغط الذي تنتجه آلة التنظيف بالماء المضغوط من النوع الاحترافي، ويساوي تقريباً ضغط الصخور في الأقسام الضحلة من قشرة الأرض، حيث توجد المستحاثات. وتبدو النتائج قريبة من المستحاثات الحقيقية في المنظر والخصائص، وقد قام الباحثون بتجريب الطريقة على الريش، والسحالي، وأوراق الشجر.
يعتقد الباحثون أنه يمكن استخدام هذه الطريقة لمقارنة أنواع المواد التي يمكن أن تتحمل عملية التحجر، وتحديد البنى الموجودة في المستحاثات الحقيقية، وفهم استجابة النسج اللينة -مثل الجلد- لعملية التحجر بشكل افضل. وباختبار معاملات مختلفة في هذه الطريقة، قد يتمكن لعلماء المستحاثات من تحديد درجة الحرارة أو الغازات التي ساهمت في تشكيل مستحاثة حقيقية.
يقول سايتا، المؤلف الأساسي للدراسة، في بيان صحفي: "إن طريقتنا التجريبية أشبه بورقة للغش في الامتحان. فإذا استخدمناها لمعرفة الجزيئات العضوية التي يمكن أن تتحمل ضغط وحرارة التحجر، سنعرف ما الذي يجب البحث عنه في المستحاثات الحقيقية".
قد تسرع المستحاثات الزائفة من دراسة كيفية تحجر الأشياء، ولكنها لن تريح علماء المستحاثات من عملية التخمين، كما أنها لن تعوض إثارة اكتشاف مستحاثة حقيقية في التراب. ولكنها على أي حال أداة أخرى ستساعدنا تدريجياً على إعادة تشكيل ما حدث داخل طنجرة الضغط الطبيعية... الأرض.