ربما ترغب بامتلاك فراش سبق وأن شاهدت إعلانه على موقع فيسبوك، أو ربما لا تحتاج إلى فراش، وإنما إلى أحذية من الصوف، أو إلى ملابس داخلية مريحة ومبتكرة، أو إلى أي إعلان (أو عشرين إعلاناً ربما) تم استهدافك بها خلال العام الماضي، فالمنتج في حد ذاته ليس مناسباً لك حتى، وإنما هي استراتيجية التسويق التي توقع بك.
تقول الاستشارية والطبيبة النفسية المتخصصة بسلوك المستهلك كيت يارو: "يحصل الناس على هذا الإشباع النفسي من الشعور بالرضا بشأن اتخاذ القرارات الخاصة بهم. فمن الجيد جداً أن تشعر بأنك تعرف كل شيء عن الفراش، بينما لا يزال الجميع يتجولون في المتاجر ويجربون الاستلقاء عليه".
ويُذكر بأن يارو هي أستاذة فخرية في جامعة جولدن جيت وتقوم بتعليم سلوك المستهلك منذ سنوات، ولكنها تقدم أيضاً استشارات للشركات التي تريد معرفة كيفية بيع منتجاتها. وبالنسبة لها، فإن إحدى نقاط الضعف الكبيرة التي يعاني منها المستهلكون اليوم هي التوق للانتماء.
هناك شعور بالانتماء تحصل عليه عند الشراء من شركة صغيرة ومبتكرة لا تحصل عليه عند التسوق في المتاجر المحلية، إذ أن شراء فراش من علامة تجارية ليس مجرد شراء سرير، بل هو أن تنتمي إلى هذا النوع من الأشخاص الذين يشترون هذا النوع من الأسرّة. إذ أنك الشخص الذي يعرف ما تخطط له تلك الشركات المتخصصة بالفرش، ولن تتعرض للخداع. لقد اشتريت منتجاً عالي الجودة ومصنوعاً بعناية، الأمر الذي يثبت مدى دهائك. ويقولون لك بأنك اشتريته بسعر وفرت فيه أجور عدد لا نهاية له من الوسطاء. وليس ذلك فحسب، ولكنك تشعر بحالة جيدة عند شرائك من شركة تشعر أنك تعرفها. إن حقيقة عدم مشاهدتك لإعلانات هذه الفرش على شاشة التلفزيون وأنت تكبر تجعلك تشعر وكأنها شيء قد اكتشفته أنت. فالأمر يبدو صغيراً وحميماً بطريقة لا تشعرك بها المتاجر العامة.
ولكن هذا لا يعني بأن حدسك صحيح، إذ تقول يارو: "أعتقد بأن هناك الكثير من الخداع. وأعتقد بأن المستهلكين يريدون أن يشعروا بأنهم يفهمون الشركة حقاً". وتلعب كل هذه الشركات التي تبدو حميمة وصغيرة نسبياً على وتر وهم الألفة من خلال استهداف تلك الرغبة. لهذا السبب كان هناك تحرك نحو الأطعمة التي تحتوي على "خمسة مكونات". وقد حصل كل من بون أبيتيت - قسم الطبخ في نيويورك تايمز - وجيمي أوليفر ومارثا ستيوارت على مجموعات للوصفات ذات المكونات الخمسة. حتى طعام الحيوانات الأليفة يتم تسويقه على أنه "محدود المكونات". إذ يشعرك العدد الأقل من المكونات بأنها أسهل في الحصول عليها، وهذا يعطيك الوهم بأنك ستكون أكثر صحة وبحال أفضل. ولكن هل يفهم المستهلكون حقاً هذه الشركات؟ تقول يارو خلاف ذلك.
إن ظهور هذه الإعلانات على موقع فيسبوك يضيف بالتأكيد مظهراً خادعاً خاصاً من الألفة. إذ تظهر المنتجات فجأة وسط صفحة الأخبار الخاصة بك، مع إظهار أسماء العائلة والأصدقاء الذين أثبتوا بالفعل ولاءهم لهذه العلامة التجارية بوضع "إعجاب". وبالطبع، فإن البيانات التي يبيعها الفيسبوك لهؤلاء المعلنين تعني بأن الأشياء المعروضة للبيع غالباً ما تبدو وكأنها تماماً نفس المنتج الذي دائماً ما تبحث عنه. فإذا كنت قد اشتكيت من العثور على جينز يناسب مقاسك، فهنا تظهر تلك العلامة التجارية الأنيقة الجديدة المتخصصة بالمقاسات الكبيرة والتي تبيع منتجات مناسبة تماماً لنسبة الورك إلى الخصر، وهلم جراً.
ولكن هذا يمثل أيضاً اتجاهاً عاماً في التسويق والذي ظهر فجأة أثناء الركود الاقتصادي. وتشرح يارو بأن مستويات ثقة المستهلك قد هبطت تماماً في السنوات الأخيرة، وكانت الكلمة الفعلية التي استخدمها بمعنى "سحيقة"، ولأن أحداً لم يعد يثق بأي شيء بعد الآن، فنحن نبحث دائماً عن تلميحات لفظية تخبرنا بأن المنتج حقيقي وثمين. وأكبر لفظين هما: "جديد" و "تكنولوجيا". إذا كان ذلك يبدو واضحاً جداً، ففكر في أي إعلان على موقع فيسبوك وجدته الأكثر إثارة خلال الشهرين الماضيين، بل حتى خلال الأسبوع الماضي. فقد رأيت بالتأكيد عدداً منها على الأقل في كل مرة قمت فيها بتسجيل الدخول.
أثار ذلك الإعلان إعجابك بالتأكيد في جانبين رئيسيين من المنتج:
1- أنه جديد تماماً، إذ أنه أحدث ثورة على معايير الصناعة التي كانت قبله.
2- أنه تمت دراسته بشكل شامل وتم تصميمه بأفضل التكنولوجيات المتاحة.
وتقول يارو: "رأيت أحد الإعلانات على صفحتي بموقع فيسبوك في أحد الأيام والذي يقول: لقد درسنا كيف كان الناس يفعلون هذا الشيء لمدة خمس سنوات، ثم فكرت بأن شركة بروكتور وجامبل تدرس ذلك منذ 55 عاماً كما تعلمون." بالتأكيد، أصيبت بعض الشركات القديمة بالكسل وتوقفت عن التفكير بشكل إبداعي، وأحياناً ما تجبر الشركات الأحدث سابقاتها على التنحي كما تقول يارو، لكن على الأرجح فإن هذه الشركات القديمة لديها الكثير من الخبرة.
هذه الكلمات الطنانة تعطيك الوهم بأنك تشتري شيئا أفضل بالفعل، ولكن ذلك مجرد وهم. الخبر السار هو أن هذا الوهم قوي، وربما يجعلك أكثر سعادة فعلاً مع عمليات الشراء على المدى الطويل، حتى لو كنت تدفع أكثر مما يجب.
حتى يارو نفسها ليست في مأمن من ذلك. حيث أنها كانت تسير في حي ميشن في سان فرانسيسكو مؤخراً، ووقفت أمام واجهة شركة بيتابراند المتخصصة في التعهيد الجماعي لتصاميم الملابس الخاصة بها لإعطاء المستهلكين بعض المزايا التي يتوقون إليها، مثل بطانية تتحول إلى معطف، أو ثوب مع جيوب رشيقة التصميم. وتُظهر واجهة المتجر أشخاصاً يصنعون المنتجات بشكل واضح وبسيط، وبالإضافة إلى اختيارهم المحدود للمنتجات، فإن ذلك يجعل الأمر برمته يبدو بسيطاً جداً.
استسلمت يارو لذلك، وقالت بأنها اشترت سكورت مع سحاب خفي في الخلف لوضع الهاتف وسروال رياضي تحته لجعل ركوب الدراجة للعمل أسهل. وقد اشترت ذلك على الرغم من أنها تعرف تماماً نقاط الضعف النفسية التي تلعب بيتابراند على وترها، وتقول بتردد: "إنها مجرد قطعة ملابس، لكنني شعرت بأنني حصلت على أفضل قطعة موجودة في السوق".