اكتشف فريق من الباحثين من معهد ماكس بلانك الألماني للعلوم، أن فقدان البويضات البشرية للكمية الملائمة من بروتين خلوي جزيئي يعمل كمحرّك مهم في عملية انقسام الخلايا، يزيد من نسب الإجهاض وقلة الخصوبة، ونشرت الدراسة في دورية ساينس العلمية.
يقدر عدد الأزواج الذين يعانون من العقم أو ضعف الخصوبة بـ 48 مليون زوج أي نحو 15% من الأزواج حول العالم. ومن المعروف أن الخلايا التي تحتوي عدداً غير صحيح من الكروموزومات سوف تسبب إجهاضاً للأم الحامل، أو سوف يظهر لدينا أمراض وراثية مختلفة وأهمها متلازمة داون (وجود نسخ ثلاث من الصبغي 21).
عملية فصل دقيق قد تكلف الإنسان حياته
لكي تتشكل البويضات وتتكاثر يجب على الكروموزومات، التي تُعد الوحدات الوراثية الأساسية، أن ينفصل بعضها عن بعض بعد أن تتضاعف في الخلية الواحدة (انقسام ميوزي)، ومن ثم تتوزع النسخ على الخلايا البنات بشكل متساوٍ. تشبه هذه العملية أخذ مجموعة من القش وإمساكها من أطرافها ومن ثم فصلها، لكن عملية الفصل يجب أن تكون متساوية بشكل تام فأي "قشة" زائدة قد تسبب خللاً كبيراً، وبالوقت ذاته أي نقصان ستكون نتائجه كارثية.
المسؤول عن عملية الفصل هذه هو "مغزل الانقسام"، حيث يمسك بخيوطه كل كروموزوم ويجمعها في الوسط بين الخليتين ومن ثم يسحبها عن طريق خيوط المغزل نحو قطب كل خلية بنت، إذ يوجد في كل من القطبين معقد بروتيني يدعى الجسيم المركزي يجذب الكروموزومات نحوه.
نستطيع أن نقول عن البيضة الملقحة بأنها "طبيعية" عندما تلقح البويضة الحاوية على 23 كروموزوماً نطفة تحتوي على 23 كروموزوماً، فيصبح في البيضة الملقحة 46 كروموزوماً من الأب والأم، لكن كما تبين لدى هؤلاء العلماء أن هذه العملية لها نزعة أو ميول نحو الخطأ أثناء الانقسام، فتنشأ عنها حالات الإجهاض أو الأمراض. ما أكّدوه في المعهد حالياً هو أنّ الانقسام لدى الإنسان يعتبر عملية متكررة تستخدم مغازل انقسامية غير مستقرة، وسبب مشكلة المغازل على حد تعبير الدكتورة شو: "أن هذه المغازل غير المستقرة توزع الكروموزومات بشكل خاطئ أثناء الانقسام".
لاحظ فريق الباحثين أن البويضات لدى الثدييات الأخرى في المملكة الحيوانية تظهر استقراراً وانتظاماً أكبر في هذه العملية، ولمعرفة السبب الجزيئي وراء هذه الظاهرة حاولوا عزل البروتينات والتنبؤ بدورها إلى أن توصلوا لبروتين محتمل أن يكون من أهم المسببات الرئيسية لنجاح انقسام الخلايا.
قام الباحثون باختبار مقارنة على 3 نماذج من الخلايا المختلفة لدراسة تأثير بروتين KIFC1 على بويضات (oocytes) الفئران والبقر والإنسان، إذ تم أخذ بويضات غير ملقحة، تبرع بها، بشكل طوعي للقيام بهذا البحث، أشخاص من ألمانيا وبريطانيا، بعد أن كانت هذه البويضات غير ناضجة للقيام بعملية الإخصاب المساعد.
عند تقليل كمية البروتين KIFC1 أو تثبيط فعاليته بتقنية خاصة بمخبر الدكتورة ميلينا شو، تدعى (Trim- away)، تسمح بتعطيل بروتين واحد مستهدف في الخلية دون سواه، ظهر لدى الخلايا المنقسمة تعدد في أقطاب الانقسام التي من المفترض أن تكون فقط قطبين في الحالة الطبيعية، فاستنتجوا أن لهذا البروتين دور في تنظيم وثباتية الانقسام.
اقرأ أيضاً: بعض أدمغة البشر تجعلهم يسمعون الألوان ويتذوقون الأصوات، وعلم الوراثة قد يفسر ذلك.
كيف يقوم البروتين KIFC1 بهذه العملية؟
يربط هذا البروتين خيوط مغزل الانقسام مثل جسر يصل بين هذه الخيوط فيزيد من ثبوتيتها ومتانتها لكي تتم العملية دون انقطاع أو سوء تشكيل لخيوط المغزل، وما يثير الاهتمام هو أن كمية بروتين KIFC1 موجودة بشكل أكبر لدى الحيوانات الثديية (الفئران والبقر والخنازير) ما يجعل انقسامها أكثر استقراراً ويزيد من خصوبتها.
اقرأ أيضاً: الجينات التي تحوّل الحيوانات البرية إلى حيوانات أليفة
كيف تم التحقق من فعالية استخدام بروتين KIFC1 تجريبياً؟
لكي يتم التأكد من أن زيادة كمية بروتين KIFC 1 تقوم تزيد القدرة على تشكيل مغزل انقسام أكثر ثباتاً لدى الإنسان، تم اختبار إضافة تراكيز أعلى من البروتين المحرّك KIFC1، وهذا قلّل من نسبة الخطأ أثناء الانقسام بشكل كبير، ما يعني أنه من الممكن استخدام هذه التقنية في علاج حالات العقم والإخصاب المساعد بشكل أفضل، لكن هذا بحاجة لمزيد من الدراسة لمعرفة التركيز المحدد الذي يجب إضافته للخلايا لكي تنقسم وتستقر بشكل مناسب.
اقرأ أيضاً: لأول مرة استخدام كريسبر لتحرير الجينات في علاج مرضٍ وراثي
تطلعات مستقبلية لهذا الاكتشاف
تنقسم العديد من الخلايا السرطانية أيضاً بشكل غير منتظم، وقد يكون السبب في ذلك هو خلل في تركيز بروتين KIFC1، لذلك تعتبر دراسته مجالاً واعداً لتكوين فهم أفضل لآلية عمل السرطان في الجسم وعلاجه، وبالإضافة إلى ذلك صرّح مدير معهد ماكس بلانك للعلوم : "إن إدخال كميات أكبر من بروتين KIFC1 إلى البويضات قد يقلل من خطر ظهور بيوض مخصبة مصابة بخلل في تكوينها. هذا الإنجاز قد يجعل من عملية علاج العقم أكثر نجاحاً".