ملخص: تحتوي أمعاء البشر على الميكروبيوم، وهو مجموعات البكتيريا والأحياء الصغيرة التي تعيش فيها، كما أن الميكروبيوم يحتوي على فيروسات داخله وحوله، ولها آثار كبيرة في حياة البشر، وهذه الفيروسات هي الفاجيوم، أو العاثيات. تنوع الفاجيوم هائل، وتحتوي قاعدة بيانات الفاجيوم المعوية على أكثر من 140 ألف نوع منها، ويعثر العلماء على العاثيات من خلال فحص السلاسل الجينية المأخوذة من عينات البراز البشرية، ويختلف تركيب الفاجيوم من شخص إلى آخر، وهي تهاجم أكبر المجموعات البكتيرية في أمعاء الإنسان، وهي البكتيريا العصوانية، وتمنحها القدرة على تجنّب الخلايا المناعية أو غزو منطقة مختلفة من الجهاز الهضمي، وترتبط التغيرات في الفاجيوم واختلالات توازنه بمتلازمة الأمعاء الالتهابية ومرض القولون المتهيج (القولون العصبي) وسرطان القولون والمستقيم، ويحاول الناس إعادة موازنة ميكروبيوم الأمعاء من خلال اتباع نظام غذائي، أو الخضوع لعمليات زرع البراز في الحالات الطبية القصوى. فهم العاثيات قد يساعد العلماء على التوصل إلى نهج علاجي أدق. على سبيل المثال، يبحث العلماء عن العاثيات التي يمكن استخدامها علاجياً لإصابة البكتيريا المسببة للقرحة.
على الأرجح أنك تعرف الميكروبيوم، وهو مجموعات البكتيريا والأحياء الصغيرة الأخرى التي تعيش في أمعاء البشر. اكتشف العلماء أن الميكروبيوم يحتوي على فيروسات داخله وحوله لها آثار كبيرة في البكتيريا والبشر على حد سواء.
هذه الفيروسات هي الفاجيوم.
اقرأ أيضاً: ما هو فيروس غرب النيل الذي أصاب أنتوني فاوتشي؟ وكيف يمكنك وقاية نفسك منه؟
ما هي العاثيات؟
يحتوي الجهاز الهضمي البشري على المليارات وربما حتى التريليونات من هذه الفيروسات التي تحمل اسم "العاثيات" (أو "آكلات البكتيريا" باليونانية). يقول عالم البكتيريا في كلية أنشوتز للطب في جامعة كولورادو، بريك ديوركوب، إن دراسة الفاجيوم ازدادت رواجاً على نحو ملحوظ مؤخراً، لكن الباحثين يواجهون صعوبة في فهم التنوع الهائل الذي يتمتع به. يعتقد الباحثون أنه إذا تمكن الأطباء من تسخير العاثيات المناسبة أو استهدافها، فإنهم قد يتمكنوا من تحسين صحة الإنسان.
يقول طبيب الأمراض المعدية والباحث في كلية ستانفورد للطب، بول بوليكي: "سنكتشف عاثيات مفيدة وأخرى مضرة". لكن في الوقت الراهن، لا يعلم العلماء عدد العاثيات التي تعيش في أمعاء البشر، علماً أن نسبتها قد تبلغ عاثية واحدة لكل خلية بكتيرية، أو أقل من ذلك. هناك أيضاً بكتيريا تحتوي على جينات العاثيات ولكنها لا تولّد الفيروسات على نحو نشط؛ إذ إنها تعيش حياتها وتحتوي على الحمض النووي للعاثيات في جينوماتها.
المادة المظلمة للفاجيوم
هناك الكثير من أنواع العاثيات التي لم يكتشفها العلماء بعد، وهم يطلقون عليها اسم "المادة المظلمة" للفاجيوم (تيمّناً بالمادة المظلمة في الفيزياء). يهدف العدد الأكبر من الأبحاث الحالية حول العاثيات إلى تحديد أنواع هذه الفيروسات والبكتيريا المضيفة لها. تحتوي قاعدة بيانات العاثيات المعوية على أكثر من 140 ألف نوع من العاثيات، ولكن العدد الفعلي لهذه الفيروسات أكبر دون شك. يقول عالم الأحياء الدقيقة في جامعة كوليدج كورك في أيرلندا، كولن هِل: "تنوع الفاجيوم هائل".
يعثر العلماء على العاثيات من خلال فحص السلاسل الجينية المأخوذة من عينات البراز البشرية. بهذه الطريقة، تمكّن الباحثون من اكتشاف مجموعة العاثيات الأكثر شيوعاً، وهي مجموعة عاثيات سي آر أيه إس إس (crAssphage)، وقد أطلق العلماء هذا الاسم على المجموعة نسبة إلى تقنية "التجميع المتقاطع" (Cross Assembly) التي استخدموها لعزل جينات الفيروسات من خليط جيني. وصف هِل وزملاؤه في دراسة حديثة شكل هذه الفيروسات الذي يشبه المصباح الكهربائي؛ إذ يتمتع كل فيروس منها بجسم يتألف من 20 وجه وسويق لحقن الحمض النووي في البكتيريا المضيفة.
ما هو تركيب الفاجيوم؟
لا يعلم العلماء إن كانت عاثيات سي آر أيه إس إس تؤثر في صحة الإنسان، ولكن هِل يعتقد أن ذلك غير مستبعد لأنها تصيب واحدة من أكثر مجموعات البكتيريا المعوية شيوعاً، وهي البكتيريا العصوانية. تشمل المجموعات الرائجة الأخرى التي تصيب البكتيريا العصوانية أيضاً عاثيات غوبا (Gubaphage، عاثيات البكتيريا العصوانية المعوية) وعاثيات لوف (LoVEphage، العاثيات التي تحتوي على الكثير من العناصر الجينية الفيروسية).
يختلف تركيب الفاجيوم بدرجة كبيرة من شخص لآخر، ووفقاً لما توصلت إليه دراسة أجراها هِل وزملاؤه ونشرتها مجلة المراجعة السنوية لعلم الأحياء الدقيقة في عام 2023 (Annual Review of Microbiology)، يتغير هذا التركيب أيضاً تبعاً للعمر والجنس والنظام الغذائي ونمط الحياة.
على الرغم من أن العاثيات تصيب البكتيريا وتقتلها في بعض الأحيان، فإن العلاقة بين هذه الأحياء أعقد من ذلك. يقول هِل: "اعتدنا أن نعتقد أن البكتيريا والعاثيات تقاتل بعضها، لكننا نعلم الآن أنها تؤدي وظائف مشتركة".
يمكن أن تفيد العاثيات البكتيريا من خلال تشكيل جينات جديدة. عندما يتجمع جسيم العاثية داخل البكتيريا المصابة، فإنه قد يُدخل أحياناً الجينات البكتيرية في غلافه البروتيني إلى جانب مادته الجينية. تفرز الخلية تلك الجينات في مضيف جديد لاحقاً، وقد تكون تلك الجينات المنقولة بالخطأ مفيدة، حسب تعبير ديوركوب؛ إذ إنها قد تمنح المضيف القدرة على مقاومة المضادات الحيوية أو هضم مادة جديدة.
اقرأ أيضاً: 6 علامات تدل على خلل توازن البكتيريا النافعة بالأمعاء وكيفية معالجته
ما هي فوائد العاثيات؟
يقول هِل إن العاثيات تحافظ على صحة جماعات البكتيريا من خلال استهدافها باستمرار. تحتوي البكتيريا العصوانية على ما يصل إلى 12 نوعاً من الأغلفة السكرية في سطحها الخارجي. تمنح الأغلفة المختلفة سمات مختلفة لهذه البكتيريا، مثل القدرة على تجنّب الخلايا المناعية أو غزو منطقة مختلفة من الجهاز الهضمي، لكن يقول هِل إنه بوجود عاثيات سي آر أيه إس إس، تضطر البكتيريا العصوانية لتغيير أغلفتها باستمرار للتهرب من العاثيات التي تتعرف على غلاف أو آخر. يعني ذلك أنه في أي وقت من الأوقات، تحتوي الأمعاء على البكتيريا العصوانية ذات الأنواع المختلفة من الأغلفة، ما يمنح الجماعة ككل القدرة على غزو مجموعة متنوعة من المناطق أو التعامل مع تحديات جديدة.
تحد العاثيات أيضاً من أعداد جماعات البكتيريا. الأمعاء هي نظام بيئي، مثل الغابة، والعاثيات هي حيوانات مفترسة للبكتيريا، مثلما الذئاب هي حيوانات مفترسة للغزلان. تحتاج الأمعاء إلى العاثيات كما تحتاج الغابة إلى الذئاب. يمكن أن يؤدي تغيّر هذه العلاقات بين المفترس والفريسة إلى الأمراض. لاحظ الباحثون ارتباطاً بين التغيرات في الفاجيوم ومتلازمة الأمعاء الالتهابية ومرض القولون المتهيج (القولون العصبي) وسرطان القولون والمستقيم، أي أنه على سبيل المثال، النظام البيئي الفيروسي لشخص مصاب بمتلازمة الأمعاء الالتهابية يكون منخفض التنوع غالباً.
يحاول الناس إعادة موازنة ميكروبيوم الأمعاء من خلال اتباع نظام غذائي، أو الخضوع لعمليات زرع البراز في الحالات الطبية القصوى. يقول هِل إن فهم العاثيات قد يساعد العلماء على التوصل إلى نهج علاجي أدق. على سبيل المثال، يبحث العلماء عن العاثيات التي يمكن استخدامها علاجياً لإصابة البكتيريا المسببة للقرحة.
كن ممتناً لوجود التريليونات من العاثيات التي تدير النظام البيئي في أمعائك؛ إذ يشير هِل إلى أنه دونها، قد يهيمن بعض أنواع البكتيريا بسرعة، ما قد يفقدك القدرة على هضم بعض الأطعمة ويجعلك عرضة للغازات والانتفاخ.