نظراً لأن تغير المناخ بات يهدد بمحو التنوع الحيوي على كوكبنا، يبذل دعاة الحفاظ على البيئة جهوداً كبيرةً لإيقاف تأثيره. وفي هذا الصدد، يقوم دعاة الحفاظ على البيئة بتتبع الأنواع البرية كخطوةٍ أولى في إدارة الحفاظ عليها. في حين ما يزال الباحثون يفضلون استخدام طريقة «الخطوط المقطعية» (line-transects) عند دراسة تعداد الأنواع في بيئتها، وجدت دراسةٌ جديدة، نُشرت في الدورية العلمية «مناهج في علم البيئة والتطور» (Methods in Ecology and Evolution)، أن المعرفة البيئية المحلية يمكن أن تكون نهجاً أكثر موثوقية لتتبع التنوع البيولوجي في منطقة معينة.
ما هي المعرفة البيئية المحلية؟
وفقاً لفرانسياني براغا بيريرا، طالبة الدكتوراه في قسم علم البيئة والتصنيف في جامعة بارايبا الفيدرالية في البرازيل وأحد مؤلفي الدراسة، فإن المعرفة البيئية المحلية هي أي نوع من المعارف التقليدية أو الأصلية التي يتم تناقلها عبر الأجيال. بكلامٍ آخر، هي المعرفة التي نشأت نتيجة الألفة العميقة والتفاعلات الشخصية مع النظم البيئية المحلية.
قارنت الدراسة بين كفاءة طريقة المعرفة البيئية المحلية وكفاءة الطريقة التي يفضل الباحثون استخدامها عادةً -وتسمى الخطوط المقطعية- في تحديد «الوفرة»، وهي تعبر عن التمثيل النسبي للأنواع في نظام بيئي معين، وتُعتبر مؤشراً مهماً لتقييم حالة الأنواع البرية. تنطوي طريقة الخطوط المقطعية على تقسيم الموئل إلى خطوط يسير المرء على طولها حتى يصادف مجموعات الحيوانات فيقوم بإحصائها. درست براغا بيريرا وزملاؤها الباحثون مناطق في كل من وسط وغرب الأمازون، وغطوا ما يقرب من 9221 كيلومتر على طول 31 مقطع خطي.
بعد ذلك، قاموا بمقارنة النتائج التي توصلوا إليها باستخدام هذه الطريقة مع النتائج التي حصلوا عليها بعد إجراء 291 مقابلة مع أفرادٍ محليين، حيث شملت المقابلات 18 مجتمعاً مختلفاً من السكان الأصليين وغير الأصليين في البرازيل وبيرو. على عكس طريقة الخطوط المقطعية، يتطلّب اتباع نهج المعرفة البيئية المحلية بناء الثقة بين المجتمعات المحلية والباحثين. جدير بالذكر أن بعض العلماء في فريق براغا بيريرا يعملون في هذه المجتمعات منذ أكثر من 15 عاماً.
بعد البحث الاستكشافي الأولي، تبين أن نتائج كلا الطريقتين مختلفةٌ إلى حدّ كبير.
نتائج المعرفة البيئية المحلية أكثر دقة من نتائج طريقة الخطوط المقطعية
تقول براغا بيريرا: «لقد فوجئنا حقاً بوجود اختلاف كبير. النقطة المهمة هي أننا نعلم أن الحيوانات التي ندرسها موجودة هناك في الأمازون، وهي ليست مهددةً بالانقراض، وتعيش بأعدادٍ طبيعية».
عندما قارن الباحثون نتائج الطريقتين بالدراسات السابقة، وجدوا أن المسح بطريقة الخطوط المقطعية بين أن 39.8% من جميع الأنواع لم تكن مكتشفة، وأن 40.2% منها تتمتع بوفرة 0.1 فرد كل كيلو متر. على النقيض من ذلك، وُجد أن نفس الأنواع لديها وفرةٌ متوسطة أو عالية حسب البيانات المُستقاة من المقابلات التي أجريت مع السكان المحليين ضمن إطار طريقة المعرفة البيئية المحلية.
عندما كان يفيد أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم بأن نوعاً معيناً كان غائباً، أكدت مسوحات الخطوط المقطعية أيضاً هذه النتيجة بنسبة 90.3% من الحالات. بالمقارنة، كانت هناك خمس حالاتٍ فقط أبلغ فيها أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم عن غياب أحد الأنواع على الرغم من أنه وُجد أثناء عمليات المسح المقطعي.
في حين أن الأرقام نفسها مختلفة، أظهرت كلتا الطريقتين ارتباطاً إيجابياً بين الوفرة لدى معظم الأنواع وبين خصائصها، مثل كتلة الجسم والعادات الاجتماعية وسلوك النوم. تكمن الصعوبة في تنقيح هذه الأرقام للحصول على صورةٍ أكثر دقة لتعداد الأنواع.
كيف يمكن تمكين أفراد المجتمعات المحلية للمساهمة في التعرف على البيئة المحيطة؟
غالباً ما يتطلب إجراء المسوحات المقطعية من الباحثين السفر في أوقاتٍ محددة، وهناك قيودٌ تحد من عملهم تتعلق بالتكلفة والوقت ومعرفة محيطهم. على سبيل المثال، الحيوانات التي تتواجد في مجموعاتٍ أكبر تكون أكثر وضوحاً للعين البشرية، وبالمثل، فإن الحيوانات التي تنشط نهاراً تتمع بفرصةٍ أكبر لاكتشافها.
إلا أن المجتمعات المحلية توفر ميزة الوقت والتاريخ. تقول براغا بيريرا: «لأنهم يقضون معظم وقتهم في الغابة، يجمعون البذور ويزرعون محاصيلهم ويصطادون قوت يومهم. هم اليوم وعلى مدار العام على اتصال بالطبيعة».
بالرغم من أن المعرفة البيئية المحلية تعتمد على أساليب أقل تنظيماً مثل التاريخ الشفوي، إلا أن ذلك لا يعني أنه لا توجد طرقٌ مناسبة لإجراء البحث اعتماداً عليها. بالنسبة لبيريرا، تعتبر هذه المنهجية طريقة لتمكين ودعم المجتمعات المحلية التي لديها معرفة هائلة.
وتضيف بيريرا: «ولكن تمكينهم لا يقتصر فقط على طرح الأسئلة عليهم، بل يتعلق بالتأكد من أنهم مرتبطون بالبحث وأن لهم دوراً رئيسياً فيه. ينطوي ذلك على تدريب أفراد المجتمع ودفع أجورهم كي يصبحوا حتى باحثين محليين، سواء كانوا يتبعون نهج المعرفة البيئية المحلي أو يقومون بإجراء مسوحات المقاطع الخطية بأنفسهم. إنهم في النهاية معلمونا المحليون حقاً».