لماذا يعتبر استخدام المقياس من 0 إلى 10 غير دقيق في التعبير عن الألم؟

6 دقيقة
لماذا يعتبر استخدام المقياس من 0 إلى 10 غير دقيق في التعبير عن الألم؟
بحلول العقد الثاني من الألفية الثالثة، بدأ العديد من المؤسسات الطبية، مثل الجمعية الطبية الأميركية والأكاديمية الأميركية لأطباء الأسرة، برفض ليس فقط المقياس من 0 إلى 10، بل أيضاً الفكرة التي تنص على أن المرضى يستطيعون الإبلاغ عن الألم ذاتياً وعلى نحو هادف باستخدام الأرقام.

على مدار العامين الماضيين، سبق أغلبية لقاءاتي مع المتخصصين في المجال الطبي طلب بسيط ولكنه محيّر: "قيّمي ألمك على مقياس من 0 إلى 10".

خضعت لتدريب الأطباء وطرحت على المرضى السؤال نفسه العديد من المرات، لذلك فأنا أفكر ملياً في كيفية تحديد رقم يعبّر عن مجموع ألم الورك والوخز في الفخذين وكل من الألم المخدّر والحكة بالقرب من لوح كتفي الأيسر. أفكر للحظة ثم أختار رقماً ما، غالباً على نحو اعتباطي. أسأل نفسي: "3 أو 4؟" وأنا أعلم أن الإجابة الصحيحة تتطلب تفكيراً طويلاً وهي معقدة وغير قابلة للقياس بهذه الطريقة المحدودة.

الألم هو ظاهرة غريبة؛ إذ إنه حارق أحياناً ولاذع أحياناً أخرى، في حين يكون عضلياً عميقاً وانقباضياً في أحيان أخرى. يمكن أن يعتمد الألم الذي أشعر به على حالتي المزاجية أو مقدار الاهتمام الذي أوليه له، ويمكن أن ينحسر بالكامل تقريباً إذا كنت منغمسة في مشاهدة فيلم أو إجراء مهمة ما. يمكن أن يكون الألم أيضاً معوّقاً بما يكفي ليدفعني إلى إلغاء الإجازات، كما قد يكون شديداً لدرجة أنه يقود البعض إلى الإدمان على المواد الأفيونية. يمكن تحمّل حتى الألم الذي يتجاوز مستواه 10 درجات عندما يكون سبب تحمّله وجيهاً، مثل ألم الولادة. لكن ما هي وظيفة الألم الذي أشعر به الآن؟ هل هو من الآثار العالقة لإصابة في الرأس؟

اقرأ أيضاً: ما الأسباب المحتملة للشعور بالألم في أسفل الجهة اليمنى من البطن؟

التعبير عن الألم برقم

يعود مفهوم التعبير عن أشكال الألم هذه برقم واحد إلى سبعينيات القرن العشرين. لكن المقياس من 0 إلى 10 منتشر على نطاق واسع اليوم بسبب ما كان يسمى "ثورة الألم" في التسعينيات، عندما طُرح الاهتمام الجديد المكثّف بالتعامل مع مشكلة الألم، باستخدام المواد الأفيونية في المقام الأول، على أنه تقدّم. توصّل الأطباء اليوم إلى فهم أكثر اكتمالاً لعلاج الألم، إلى جانب العواقب الوخيمة المترتبة على وصف المواد الأفيونية لعلاجه دون تقييم دقيق لآثارها. لكن ما يتعلّمه هؤلاء الآن هو كيفية قياس الألم بدقة أكبر وعلاج أشكاله المختلفة.

منذ نحو 30 عاماً، أسهم الأطباء الذين روجوا لاستخدام المواد الأفيونية في إحياء مجال جديد كان يُعد تخصصاً ضيقاً على نطاق واسع، وهو إدارة الألم. بدأ هؤلاء الترويج للفكرة المتمثلة في ضرورة قياس مستوى الألم في كل موعد طبي باعتباره "المؤشر الحيوي الخامس". حتى إن جمعية الألم الأميركية (American Pain Society) حصلت على حقوق النشر لهذه العبارة. لكن على عكس المؤشرات الحيوية الأخرى، وهي ضغط الدم ودرجة الحرارة ومعدل ضربات القلب ومعدل التنفس، لم يكن للألم مقياس موضوعي. كيف يمكننا قياس ظاهرة غير قابلة للقياس؟ شجّعت الجمعية الأطباء والممرضات على استخدام نظام التصنيف الذي يعتمد على المقياس من 0 إلى 10. قرابة ذلك الوقت، منحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية الموافقة على استخدام دواء أوكسيكونتين (OxyContin)، وهو مسكّن ألم أفيوني بطيء الإطلاق من إنتاج شركة بوردو فارما (Purdue Pharma). شجعت شركة الأدوية نفسها الأطباء على توثيق حالات الألم وعلاجه على نحو روتيني، وسوّقت المواد الأفيونية على نطاق واسع على أنها حل واضح لمشكلة الألم.

كيف يمكننا قياس ظاهرة غير قابلة للقياس؟

لنكن منصفين، يمكن أن نعد نظام التقييم من 0 إلى 10 على أنه تقدم في عصر كان الأطباء فيه يتجاهلون الألم ولا يعالجونه في الكثير من الأحيان. لم تكن مضخات المورفين متاحة لمرضى السرطان الذين عاينتهم في الثمانينيات، حتى أولئك الذين يعانون آلاماً مبرحة بسبب السرطان في عظامهم؛ إذ اعتبر الأطباء الألم جزءاً لا مفر منه من المرض. كانت عملية وصف حتى عدد قليل من حبوب الأفيون صعبة في غرفة الطوارئ التي تدرّبت فيها في أوائل التسعينيات؛ إذ إنها استوجبت مطالبة رئيسة الممرضات بإخراج استمارة وصفات طبية خاصة وإنشاء نسخة للوكالة الحكومية التي تتبّعت أنماط الوصفات الطبية. شعر الخبراء في الجهات الرقابية بالقلق من أن يؤدي منح المخدرات إلى الإدمان، وكانوا محقين في هذا الشعور. بالنتيجة، لم يتمكن بعض المرضى الذين يحتاجون إلى مسكنات الألم من الحصول على هذه الأدوية.

بعد أن أجرى كل من أطباء الألم والشركات المصنعة للمواد الأفيونية حملات هدفت إلى توسيع نطاق استخدام هذه المواد، زاعمين أن الأنواع الأحدث لا تتسبب بالإدمان أو بدرجة من الإدمان أقل بكثير من الإصدارات السابقة، أصبح وصف الأدوية أسهل بكثير وروِّج لها للتعامل مع مختلف أنواع الألم، من ذلك الناجم عن التهاب مفاصل الركبة إلى الناجم عن مشكلات الظهر. بصفتي طبيبة شابة انضمّت إلى "ثورة الألم"، على الأرجح أنني طلبت من المرضى آلاف المرات تقييم آلامهم على المقياس من 0 إلى 10 وكتبت العديد من الوصفات كل أسبوع لعلاج الألم؛ إذ أصبحت مراقبة "المؤشر الحيوي الخامس" إجراءً روتينياً في النظام الطبي. بمرور الوقت، أصبح تحديد مستوى الألم وفقاً للمقياس من 0 إلى 10 في السجلات الطبية الإلكترونية شرطاً يجب تحقيقه لإكمال هذه السجلات. فرضت اللجنة المشتركة لاعتماد مؤسسات الرعاية الصحية تقييم الألم على نحو منتظم على أنه شرط أساسي يجب أن تحققه المراكز الطبية التي تتلقى أموال الرعاية الصحية الفيدرالية. أضافت المجموعات الطبية علاج الألم إلى قائمة حقوق المرضى، وأصبح الرضا عن علاج الألم أحد العناصر في استطلاعات رأي المرضى بعد مواعيد الأطباء. (يؤدي التقييم المنخفض إلى استرداد كمية أقل من المبالغ بالنسبة لبعض شركات التأمين).

اقرأ أيضاً: هل تعاني حساسية مرتفعة للألم؟ قد يعود ذلك إلى المتغيرات الجينية للإنسان البدائي

أهمية تقييم الألم في معالجته وإدارته

لكن هذا النهج في إدارة الألم تضمن عيوباً واضحة. يبين المزيد من الدراسات أن قياس آلام المرضى لا يؤدي إلى تعزيز التحكم في الألم. لم يبدِ الأطباء اهتماماً كبيراً بالتعامل مع الإجابات المسجلة، أو لم يعرفوا كيف يمكن الرد عليها. كما أن رضا المرضى عن معالجة أطبائهم للألم لا يعني بالضرورة أنهم حصلوا على العلاج المناسب. في الوقت نفسه، كانت الأدوية تغذّي وباء المواد الأفيونية الآخذ في الانتشار. بينت الأبحاث أن ما يقدر بنحو 3-19% من الأشخاص الذين تلقوا وصفة طبية لأدوية الألم من الأطباء عانوا الإدمان.

مع ذلك، لم يكن لدى الأطباء الذين سعوا لعلاج الألم الكثير من الخيارات الأخرى. قالت لي مديرة مكتب سياسة الألم وتخطيطه التابع للمعاهد الوطنية للصحة، ليندا بورتر: ​​"كنا نشك بشدة في أن هذه الأدوية هي الطريقة الوحيدة لإدارة الألم، لكننا لم نكن نعرف الكثير عن تعقيد الألم وبدائل هذه الأدوية". تسبب الحماس تجاه استخدام مخدرات الألم بتجاهل دراسة العديد من أنواع الألم وعلاجها على مدى سنوات. استغرق الأمر حتى عام 2018، الذي توفي فيه نحو 50 ألف أميركي بسبب الجرعات الزائدة، ليبدأ الكونغرس بتمويل برنامج الشبكة السريرية للتحقيق المبكّر في الألم، المصمم لاستكشاف أنواع الألم والتوصل إلى حلول أكثر كفاءة للتعامل معها. يربط هذا البرنامج المتخصصين الذين يعملون في 12 مركزاً سريرياً أكاديمياً متخصصاً ويهدف إلى إحياء الأبحاث الجديدة في هذا المجال والتوصل إلى حلول مخصصة لأنواع مختلفة من الألم.

تعقيد الشعور بالألم

قد يكون استخدام المقياس من 0 إلى 10 ملائماً في بعض الحالات، مثل عندما يستخدمه الممرضون لضبط جرعة الدواء لمريض دخل المستشفى بعد عملية جراحية أو حادث. حاول الباحثون والمتخصصون في الألم تطوير أدوات تصنيف أكفأ، وفي الواقع، حاول هؤلاء تطوير العشرات من هذه الأدوات لكن وفقاً لما توصلت له لجنة أوروبية من الخبراء، لم يكن أي منها كافياً ليعكس مدى تعقيد الألم. على سبيل المثال، طورت إدارة صحة المحاربين القدامى أداة تتضمن أسئلة تكميلية وعلامات مرئية، وهي تصنيف من 5 درجات يرتبط بالعبوس ومستوى الألم الذي "يعطّل بعض النشاطات". استغرق تقييم الاستطلاع المتضمن في هذه الأداة وقتاً أطول وولّد نتائج لم تكن أدق من النظام المعتمد على المقياس من 0 إلى 10. بحلول العقد الثاني من الألفية الثالثة، بدأ العديد من المؤسسات الطبية، مثل الجمعية الطبية الأميركية والأكاديمية الأميركية لأطباء الأسرة، برفض ليس فقط المقياس من 0 إلى 10، بل أيضاً الفكرة التي تنص على أن المرضى يستطيعون الإبلاغ عن الألم ذاتياً وعلى نحو هادف باستخدام الأرقام.

أصبح بعض الأدوية، مثل الغابابنتين والبريغابالين المستخدَمين لعلاج الاعتلال العصبي واللاصقات والكريمات التي تحتوي على الليدوكائين المستخدمة لعلاج الآلام العضلية الهيكلية، متاحاً في الفترة التي كانت فيها المواد الأفيونية هي الأكثر انتشاراً للتعامل مع الألم. قالت لي المديرة المؤقتة للشبكة السريرية للتحقيق المبكّر في الألم، ريبيكا هومر: "بدأ الخبراء يفهمون التعقيد المذهل للألم أكثر، وأنه عليهم تحديد الأدوية المناسبة للمرضى". يحاول الباحثون الآن العثور على المؤشرات الحيوية المرتبطة بأنواع مختلفة من الألم حتى يتمكن القائمون على دراسات الأدوية من استخدام مقاييس أكثر موضوعية لتقييم تأثير هذه الأدوية. يمكن أن يساعد التوصّل إلى فهم أعمق للمسارات العصبية والناقلات العصبية التي تتسبب بأنواع مختلفة من الألم الباحثين أيضاً على تصميم أدوية لتعطيل هذه المسارات وخفض نشاطها.

من غير المرجح أن تكون العلاجات التي تُطوّر نتيجة لهذه الأبحاث ناجحة بدرجة المواد الأفيونية نفسها؛ إذ إنها ستفيد عدداً أقل من الأشخاص بطبيعتها. يجعل ذلك هذه الأدوية أقل جاذبية بالنسبة لشركات الأدوية. لذلك، يساعد الخبراء في الشبكة السريرية للتحقيق المبكّر في الألم شركات الأدوية الصغيرة والأكاديميين وحتى الأطباء على تصميم تجارب مبكرة وتنفيذها، تهدف إلى اختبار كل من سلامة الجزيئات الواعدة في تخفيف الألم وفعاليتها. ستُسلّم هذه المعلومات إلى الشركات المصنعة للأدوية لإجراء تجارب المرحلة المتأخرة، وهذا كله بهدف إنتاج أدوية جديدة تعتمدها إدارة الغذاء والدواء بسرعة أكبر.

اقرأ أيضاً: اكتشاف دارة دماغية جديدة قد يؤدي إلى تطوير علاجات جديدة للإدمان

بدأت تجارب الشبكة السريرية للتحقيق المبكر في الألم مؤخراً. لن يكون اكتشاف علاجات أكفأ سهلاً، لأن الجهاز العصبي للإنسان هو عالم غير مستكشف إلى حد كبير من الجزيئات والخلايا والوصلات الإلكترونية التي تتفاعل بطرق لا حصر لها. مُنحت جائزة نوبل في الفيزيولوجيا أو الطب لعام 2021 للعلماء الذين اكتشفوا الآليات المسؤولة عن الشعور بالإحساسين الأساسين: البرودة والحر. على سبيل المقارنة، الألم يشبه الأفعوان الخرافي الهيدرة، الذي له عدة رؤوس. يبدو تحديد رقم معين للتعبير عن الألم مفيداً، ولكنه لا يساعد الذين يعانون الآلام على التخلّص منها.

المحتوى محمي