لماذا يتسارع نبض القلب إذا كان القلق في الدماغ؟

لماذا يتسارع نبض القلب إذا كان القلق في الدماغ؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Liya Graphics
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

خفقان القلب. ألم في المعدة. شعور باضطرابات في الأمعاء. يستخدم الكثير من الناس هذه العبارات لوصف الخوف والقلق. من المحتمل أن تظهر أعراض القلق على شكل ضيق في الصدر أو اضطرابات في المعدة، وعادة لا يصاحب الخوف ألم في دماغك. في العديد من الثقافات، يعتقد الناس أن مشاعر الجبن والشجاعة ترتبط أو تنشأ في مناطق مثل القلب أو الأمعاء بدلاً من الدماغ.

لطالما نظر العلم إلى الدماغ بوصفه موطناً لمشاعر الخوف والقلق والاستجابات المرتبطة بكليهما. إذاً، لماذا تشعر بهذه الانفعالات في أجزاء أخرى من جسمك؟ وكيف يحدث ذلك؟

أنا طبيب نفسي وعالم أعصاب أدرس مشاعر الخوف والقلق وأعالجهما. في كتابي “خائف” (Afraid)، أشرح آلية عمل الخوف في الدماغ والجسم وتأثير ارتفاع مستويات القلق على الجسم. تؤكد الأبحاث أن الانفعالات تنشأ في الدماغ، إلا أن الجسم هو الذي ينفذ الأوامر.

اقرأ أيضاً: ما تحتاج إلى معرفته عن استجابة الكر والفر وكيف يتفاعل الجسم مع المخاطر

الخوف والدماغ

على الرغم من تطور دماغك لحمايتك من المخاطر الفورية مثل سقوط الصخور أو هجوم الحيوانات المفترسة السريعة، فإن مخاوف الحياة الحديثة غالباً ما تكون أكثر تجريداً وغموضاً. قبل 50,000 عام، كانت عواقب رفض الفرد من قبيلته أو مجتمعه وخيمة للغاية؛ إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى العزلة والموت، لكن في الوقت الحالي، لا يؤدي فشلك في إنجاز بعض الأمور اليومية، مثل إلقاء خطاب في المدرسة أو العمل، إلى العواقب نفسها. لكن ربما لا يستطيع الدماغ التمييز بين هذه الأمور.

يوجد عدد قليل من المناطق الرئيسية في الدماغ تشارك على نحو كبير في التعامل مع الخوف.

عندما ترى شيئاً خطيراً، سواء كان سلاحاً موجهاً نحوك أو مجموعة من الأشخاص ينظرون إليك بحزن، فإن هذه المدخلات الحسية تُنقل أولاً إلى اللوزة الدماغية (amygdala). تكتشف هذه المنطقة الصغيرة من الدماغ ذات الشكل اللوزي، والتي تقع بالقرب من أذنيك، الأهمية العاطفية للموقف وكيفية التفاعل معه. عندما ترى شيئاً ما، تُحدد هذه المنطقة الصغيرة في الدماغ إذا كان يجب عليك تناوله أو مهاجمته أو الفرار منه أو إنشاء علاقة معه.

يُعد اكتشاف التهديدات جزءاً مهماً من هذه العملية، ويجب أن يكون سريعاً. لم يكن لدى الإنسان القديم الكثير من الوقت للتفكير عندما يهاجمه الأسد؛ إذ كان عليه أن يتصرف بسرعة. لهذا السبب، تطورت اللوزة الدماغية لتتجاوز مناطق الدماغ المرتبطة بالتفكير المنطقي، وبالتالي، تستطيع التأثير مباشرة على الاستجابات الجسدية. على سبيل المثال، عند رؤية وجه غاضب على شاشة الكمبيوتر، يمكن أن تثير اللوزة الدماغية استجابة فورية وقابلة للكشف دون أن يكون المشاهد على علم بحدوث هذه الاستجابة.

عند تعرضها لتهديد وشيك، تلجأ الثدييات غالباً إلى القتال أو الفرار أو الثبات في مكانها.

يقع الحُصين (hippocampus) بالقرب من اللوزة الدماغية ويرتبط بها ارتباطاً وثيقاً. يشارك الحصين في تخزين المعلومات المتعلقة بما هو آمن وما هو خطير، لا سيما فيما يتعلق بالبيئة المحيطة؛ إذ يساعد في ربط الذكريات المرتبطة بالخوف والتهديدات بعوامل محيطية محددة. على سبيل المثال، تحفز رؤية أسد غاضب في حديقة الحيوان وفي الصحراء استجابة الخوف في اللوزة الدماغية. لكن الحُصين يتدخل ويمنع هذه الاستجابة عندما تكون في حديقة الحيوان، بسبب عدم وجود خطر حقيقي.

اقرأ أيضاً: هل يشعرنا البكاء حقاً بالارتياح؟

تشارك القشرة الجبهية الأمامية (prefrontal cortex)، الموجودة فوق العينين، بصورة أساسية في الجوانب المعرفية والاجتماعية لمعالجة الخوف. على سبيل المثال، ربما تشعر بالخوف من الثعبان، لكن عندما تقرأ لافتة توضح أن الثعبان غير سام، أو عندما يخبرك صاحب الثعبان أنه حيوان أليف وودود، تتدخل القشرة الجبهية الأمامية لتعالج هذا الخوف.

على الرغم من أن القشرة الجبهية الأمامية عادة تُعد الجزء المسؤول عن تنظيم العواطف في الدماغ، فإنها من الممكن أن تساعد في تطوير تفاعلات الفرد مع مفهوم الخوف وكيفية استجابته لهذا المفهوم استناداً إلى البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها. على سبيل المثال، ربما تشعر بأنك غير مهتم بالاجتماع مع مديرك في العمل، لكنك ستشعر بالقلق على الفور عندما يخبرك أحد زملائك عن إشاعات حول تسريح العمال. ينشأ العديد من أوجه التحيز مثل العنصرية تجاه مجموعات أخرى بسبب الخوف بناءً على التمايز القبلي.

الخوف وبقية أجزاء الجسم

عندما يقرر الدماغ أن استجابة الخوف مبررة في موقف معين، فإنه يُنشّط سلسلة من المسارات العصبية والهرمونية لإعدادك لاتخاذ إجراء فوري. يحدث بعض جوانب الاستجابة للموقف من خلال القتال أو الفرار، مثل زيادة التركيز والقدرة على اكتشاف التهديدات، في الدماغ. لكنّ معظم العمليات والتغيرات الفيزيولوجية التي تحدث خلال استجابة القتال أو الفرار تحدث في الجسم.

توجد مسارات متعددة تعمل على إعداد أجهزة الجسم المختلفة لتنفيذ نشاط بدني قوي ومكثف. ترسل القشرة الحركية (motor cortex) للدماغ إشارات سريعة إلى العضلات لإعدادها لتنفيذ حركات سريعة وقوية. تشمل هذه العضلات عضلات الصدر والمعدة، التي تساعد في حماية الأعضاء الحيوية في تلك المناطق. يمكن أن يسهم ذلك في الشعور بتقلصات عضلات صدرك ومعدتك عندما يكون الجسم في حالة توتر أو قلق.

يشارك الجهاز العصبي الودي (sympathetic nervous system) في تنظيم التوتر.

يؤدي الجهاز العصبي الودي دوراً مهماً في تنشيط العمليات الفيزيولوجية المرتبطة بالاستعداد للقتال أو الفرار. تنتشر الخلايا العصبية الودية في أنحاء الجسم جميعها وتكثر في القلب والرئتين والأمعاء. تحفز هذه الخلايا العصبية الغدة الكظرية لإفراز هرمونات مثل الأدرينالين، الذي ينتقل عبر الدم للوصول إلى تلك الأعضاء، ما يزيد من معدل استجابتها للخوف.

تعمل الإشارات الصادرة من الجهاز العصبي الودي على زيادة معدل ضربات القلب وقوة انقباضه لضمان وصول كمية كافية من الدم إلى العضلات عندما تكون بأمس الحاجة إليها. لذلك تشعر بزيادة معدل ضربات القلب وقوة انقباضه في منطقة الصدر، ولهذا السبب ربما تربط بين الشعور بالانفعالات الشديدة والتأثيرات البدنية التي تشعر بها في القلب.

في الرئتين، تعمل الإشارات الصادرة من الجهاز العصبي الودي على توسيع الشعب الهوائية وغالباً ما تزيد من معدل التنفس وعمقه. يؤدي هذا أحياناً إلى الشعور بضيق التنفس.

نظراً لأن عملية الهضم أقل أهمية خلال حالتي القتال أو الفرار، فإن تنشيط الجهاز العصبي الودي يؤدي إلى إبطاء تدفق الدم إلى المعدة لتوفير الأوكسجين والمواد الغذائية للأعضاء الحيوية الأهم مثل القلب والدماغ. يمكن تفسير هذه التغيرات في الجهاز الهضمي على أنها حالة الانزعاج وعدم الراحة المرتبطة بالخوف والقلق.

اقرأ أيضاً: من درجة الحرارة إلى النزيف: ما الظروف القصوى التي يحتملها الإنسان قبل أن يموت؟

الدماغ هو المسؤول عن الإشراف على هذه العمليات جميعها

تُنقل الإحساسات الجسدية جميعها، ومنها المشاعر الداخلية التي تنشأ من الصدر والمعدة، إلى الدماغ عن طريق المسارات العصبية التي تمتد عبر الحبل الشوكي. يعالج الدماغ، الذي يكون بحالة توتر ويقظة عالية، هذه الإشارات على المستويين الواعي واللاواعي.

الفص الجزيري (insula) هو جزء من الدماغ يؤدي دوراً مهماً في إدراك الإنسان الواعي لعواطفه والألم الذي ينتابه والإحساسات الجسدية التي يشعر بها. تشارك القشرة الجبهية الأمامية أيضاً في الوعي الذاتي، لا سيما عن طريق تسمية هذه الإحساسات الجسدية وتوصيفها وتفسيرها بناءً على السياق والتجارب السابقة والمعرفة الشخصية، ما يساعد الفرد على فهمها ومعالجتها بصورة مناسبة، على سبيل المثال، عند الشعور بآلام في المعدة، يمكن للفرد تحديد إذا كان هذا الشعور طبيعياً وسيزول بمرور الوقت، أو إذا كان يشير إلى حالة مرضية تستدعي العناية الطبية.

يمكن أن تؤدي هذه الإحساسات الجسدية أحياناً إلى تكرار القلق المتزايد لأنها تؤدي إلى شعور الدماغ بالخوف نتيجة التوتر والاضطرابات التي يشعر بها في الجسم.

على الرغم من أن مشاعر الخوف والقلق تبدأ في الدماغ، فإنك تشعر بها أيضاً في جسمك بسبب تأثير الدماغ على وظائف الجسم. تحدث الانفعالات في الجسم والدماغ على حد سواء، لكنك تدرك وجودها من خلال الدماغ. كما ذكر مغني الراب إمينيم (Eminem) في أغنيته “لوز يورسيلف” (Lose Yourself)، فإن سبب تعرق كفيه وضعف ركبتيه وثقل ذراعيه هو حالة التوتر التي كان يشعر بها في دماغه.ذا كونفرزيشن