عقبات تطور علم الجينوم في العالم العربي وفقاً للدكتورة ملاك الثقفي

4 دقيقة
عقبات تطور علم الجينوم في العالم العربي وفقاً للدكتورة ملاك الثقفي
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تعديل: مهدي أفشكو.

ملخص:

المشكلة: تساعد مشاريع الجينوم على مستوى البلدان في تحسين الحالة الصحية للمجتمع بأكمله، إذ يمكن من خلال هذا المشروع معرفة الاستعداد الوراثي لدى السكان للإصابة بالأمراض الوراثية والسرطان والأمراض المزمنة واختيار الدواء المناسب لكل حالة وفقاً للنمط الجيني. لكن هذه المشاريع ضعيفة في العالم العربي.

السبب: اعتبار الكثير من البلدان العربية أن مشاريع الجينوم رفاهية وتحديد أولويات صحية أخرى، والكلفة المرتفعة لهذه المشاريع وحاجتها لكوادر بشرية وبنية تحتية مناسبة، وعدم وجود توعية كافية بأهمية هذا المجال لعامة الناس.

الحل: توعية الناس بأهمية مشاريع الجينوم وتطبيقاتها في علاج السرطان وعلاج وتشخيص الأمراض بكافة أشكالها والوقاية منها، ومحاولة تمكين الشباب والباحثين بهذا المجال أكاديمياً، ورصد ميزانيات لتأسيس مراكز جينوم عربية قادرة على تحقيق الحد الأدنى من الطب الشخصي الذي يعالج كل شخص بحسب حالته الخاصة.

عملت الدكتورة ملاك الثقفي في مشروع الجينوم السعودي، وتُعدّ من أبرز العلماء على مستوى العالم في مجال علم الجينات المرتبطة بالسرطان الدماغي، حيث تم اختيارها إحدى أقوى 100 شخصية في طب علم الأمراض من مجلة عالم الأمراض (The Pathologist) البريطانية للأعوام 2018 و2019 و2021. تُجيبنا الدكتورة ملاك في مقابلة حصرية مع مجرة عن عوائق تطبيق علم الجينوم في العالم العربي وتوجّه عدة نصائح للباحثات والباحثين العرب في سن الشباب في مجال علم الجينوم انطلاقاً من خبرتها.

اقرأ أيضاً: هل يمكن علاج السرطان بالطب البديل والعلاج العشبي دون الحاجة إلى العلاج المعتمد؟ الدكتورة ملاك الثقفي توضّح

ما هي عوائق استخدام تطبيقات علم الجينوم المختلفة التشخيصية والعلاجية في العالم العربي؟

من خلال عملي فترة طويلة في العالم العربي، هناك الكثير من التحديات التي تعوق تطبيق علم الجينوم في المجال السريري، لكن هناك عدة مبادرات لاستخدام هذا العلم ومنها مشاريع الجينوم الوطنية في عدة دول لعمل خارطة جينية للشعوب العربية، لكن كان التركيز الأكبر في معظم الدول العربية على الأمراض الوراثية النادرة، ولم يكن هناك تركيز كبير على الأمراض المرتبطة بالجينات مثل السرطان أو غيره.

وحتى بعد البدء بهذه الدراسات وتوفير البنى التحتية لها، كانت هناك صعوبة في استمرارية التمويل، بالإضافة إلى عدم وجود قواعد بيانات محكمة يمكن الرجوع إليها أو بنوك حيوية مشتركة للاستفادة من بيانات التحاليل الجينومية، إذ كانت أغلب الحالات الموثّقة مملوكة من قِبل باحث معين أو فريق معين لا يشاركها مع الجميع. طبعاً هذا داخل الدولة الواحدة، وبين الدول العربية توجد صعوبة في التعاون، ولا تمتلك الدول العربية كلها الإمكانات نفسها لتحليل الجينات، هذا كان يزيد من صعوبة رسم خارطة جينية عربية.

أمّا فيما يخصُّ الجانب السريري، لاحظت تردد بعض الممارسين في القيام بالتحليل الجيني إذ كانوا ينظرون إليه على أنه رفاهية وليس تحليلاً أساسياً، علماً أن معظم الدراسات الحديثة تشير إلى أهمية تحديد نوع الورم حسب خارطته الجينية، لأنه يوجد كثير من العلاجات الموجَّهة أو العلاجات البيولوجية أو العلاجات الهرمونية المعروفة منذ سنوات طويلة تُعطى تبعاً لنوع الورم والنمط الجيني الموجود به. ناهيك عن الكلفة المرتفعة لهذه التحاليل، وتنجم هذه الكلفة عن كوننا مستوردين لمواد التحليل، ما يجعل التكلفة أعلى من الدول التي تُصنِّع مواد التحاليل بنفسها. بالمقابل يوجد عدد كبير من الشباب والشابات في المجال الطبي مهتمين بهذه التحاليل الجينية ويدركون أهميتها.

ولاحظت أيضاً، أن هناك فرقاً بين الأبحاث والتطبيق السريري العلاجي، وكان مجال اهتمامي الأساسي ولا يزال: كيفية إغلاق هذا الفاصل الموجود بين الجانب السريري والجانب البحثي، وأتوقع أن كثيراً من الباحثين لا يعملون في المجال السريري، والعكس صحيح، لكن في حال وجود أشخاص يعملون في كلا الحقلين سيساعد هذا على إغلاق هذا الفرق الموجود.

برأيك، ما هي أهم 3 تطورات عالمية وعربية في مجال علم الجينوم؟ وهل يمكن للناس من شرائح المجتمع كافة الاستفادة منها؟

من الصعب اختيار أهم 3 فقط، لكن بالنسبة لي، يُعدّ مشروع الجينوم البشري الذي انتهى بالمراحل الأولى على الأقل في سنة 2001 و2003، والعام الماضي تم الانتهاء من المرحلة الثانية التي تدعي "بان جينوم" أي كامل الجينوم من التيلومير إلى التيلومير. أعتبر هذا المشروع أهم إنجاز في مجال الجينوم والطب.

بعده أجد أن تقنية كريسبر (المقص الجيني) تُعدّ من أهم التطورات بمجال علم الجينوم، وأعتقد أن دورها سيزداد بشكلٍ كبير خلال الـ 15 سنة القادمة في مجال علاج الأمراض.

اقرأ أيضاً: العلماء يكتشفون نظاماً جديداً لتعديل الجينات ينافس تقنية كريسبر

وأجد ثالثاً أن تطوير الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مجال الطب عموماً سيُحدِث طفرة كبيرة، ليس فقط في مجال الجينوم وتحليل البيانات الجينية، بل أيضاً في ابتكار أنواع جديدة من الأدوية أو تصميم نوع جديد من الأدوية أو مساهمة الباحثين في مجال البروتينات لرسم خارطة بروتين معينة أو غيرها، ويمكنه أن يعطيك ملخصاً عن حالتك الصحية من خلال المستشعرات الطبية الموجودة حولك في المنزل، ما قد يسهم في توفير ملخص عن حالتك الصحية بشكلٍ دقيق وعلى مدار الساعة وعمل نماذج توأمة رقمية لكل شخص.

ما هي الرسالة التي توجّهينها للباحثات والباحثين بعمر الشباب في مجال الجينات والطب الشخصي؟

أجد أن الطب الشخصي يشكّل عصب الحياة في الطب، وسمعنا مصطلح الطب الشخصي بشكلٍ كثير مؤخراً، ويدرس هذا العلم حالة المريض بنواحٍ حياته كافة، وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم الجينوم وفهم الآليات الجينية، والآن مع وجود تطبيقات الذكاء الاصطناعي سيزداد دور الطب الشخصي بشكلٍ أكثر، لأن الذكاء الاصطناعي سيساعد بشكلٍ كبير على فهم ورسم خارطة علاج وتشخيص ووقاية لكل شخص وفقاً لحاجته الشخصية.

لذا لكي تعمل في مجال الطب الشخصي لا بُدّ من فهم عمل الجينات مع الاطلاع على تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ إذ نحتاج إلى معرفة بعض المعلومات عن هذا المجال الحديث سواء كنا نعمل في المجال الصحي أو المجال الطبي، لأن المستقبل سيكون معتمداً اعتماداً كاملاً على الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: هل وجود تاريخ عائلي للإصابة بالسرطان يعني حتماً الإصابة به؟ الإجابة من الدكتورة ملاك الثقفي

بالفعل، الكثير من الجامعات أصبح يُدرِّس هذه المعلومات بشكلٍ مبسط، وذلك في كليات العلوم وكليات الطب وكليات الصيدلة وغيرها من الكليات، هذا مهم للباحثين والباحثات، فهناك العديد من الفرص في العالم العربي؛ إذ لدى عدة دول عربية مشاريع وطنية لإنشاء مشروع للجينوم، ومنها السعودية وقطر والإمارات والبحرين ومصر وتونس، وأتوقع للمغرب أيضاً وغيرها، ولكل بلد عربي اتجاه في هذا المشروع، فبعض الدول تركّز على الأمراض النادرة وغيرها على الأمراض المزمنة والقليل يتوجّه لدمجه مع نموذج الرعاية الصحية وتفاعلات الأدوية، ومنها ما يركّز على التاريخ، فمشروع الجينوم الوطني في مصر يركّز مثلاً بشكلٍ كبير على التاريخ المصري القديم، وهناك الكثير من الفرص للعمل في هذا المجال خارج الوطن العربي أيضاً، إذ أصبح هناك كثير من الموارد والفرص للعمل على هذه المشاريع بعد إنهاء مشروع الجينوم.