كيف تتكيف أعيننا مع الرؤية في الظلام؟

3 دقائق
رؤية, بصر, عين, الظلام, علوم

كم من الوقت تستغرقه أعيننا للتكيف مع الظلام؟ وكيف يحدث ذلك؟ سؤالٌ ورد من الطفلة «إلين»، 8 سنوات، كامبريدج، ماساشوستس ضمن سلسلة «الأطفال الفضوليون».


لا أحد يستطيع الرؤية في الظلام الدامس، ولحسن الحظ هناك دائماً بعض الضوء في هذا الظلام؛ فضوء النجوم الخافت -مثلاً- يكفي لأن يساعد أعيننا على الرؤية. إنه لأمرٌ مذهل حقاً! كيف لا نحتاج إلا إلى كميةٍ قليلةٍ من الإضاءة كي نرى؟

تمتلك أعيننا سمتين رئيسيتين تساعدنا على الرؤية بشكلٍ أفضل في ظروف الإضاءة الخافتة؛ وهما: قدرة حدقة العين على التوسع والتضيق، بالإضافة إلى امتلاكها نوعين من الخلايا الحساسة للضوء.

توسُّع حدقة العين للسماح بمرور المزيد من الضوء

حدقة العين هي ذلك الجزء الأسود الموجود في مقدمة العين، تسمح للضوء بالمرور، وتظهر باللون الأسود؛ لأن الضوء الذي يمر عبرها يُمتَص داخل مقلة العين عبر الخلايا الحساسة للضوء، ولا يرتد شيءٌ منه؛ إذ تعمل تلك الخلايا على نقل الإشارات العصبية التي يولدها هذا الضوء إلى الدماغ، ليقوم بتفسير ما تراه.

وربما لاحظت أن حدقة العين تُغيِّر حجمها حسب كمية الإضاءة الواردة إليها؛ فإذا كنت في الخارج في يومٍ مشمس، فإن الحدقة ستضيق كثيراً؛ لكي لا تسمح للكثير من الضوء بالمرور إلى العينين.

أما إنْ دخلت إلى مكانٍ مظلمٍ، فستتوسع حدقة العين قدر ما تستطيع؛ للسماح بمرور أكبر كميةٍ من الضوء المُتاح إلى العين.

ولكن من أصغر قطرٍ يمكن أن تصل إليه فتحة حدقة العين إلى أقصى توسعٍ يمكن أن تصل إليه، تستطيع حدقة العين زيادة مساحتها بعاملٍ لا يتجاوز 16 مرة فقط، ويمكنك الرؤية جيداً في مختلف درجات الإضاءة؛ لذلك هناك شيءٌ ما آخر يحدث في العين.

التبديل بين نوعي خلايا العين الحساسة للضوء

يأتي هنا دور المستقبلات الحساسة للضوء في العين؛ إذ تُبطِّن جدار شبكية العين الداخلي، أي الجزء الخلفي من كرة العين. حيث يُطلق على نوعي المستقبلات الضوئية المخاريط والعُصِي، وسميت بذلك بسبب شكلها.

وتعمل المخاريط في ظل الإضاءة الشديدة؛ فهي قادرةٌ على الاستجابة إلى أطوالٍ موجيةٍ مختلفة من الضوء، وتمنحنا القدرة بالتالي على رؤية الألوان، كما تُعد المسؤولة عن قدرة أعيننا على رؤية التفاصيل الدقيقة، والقيام بمهامَّ أخرى؛ مثل القراءة عندما يكون الضوء ساطعاً بدرجةٍ كافية.

وفي المقابل تُعتبر العصي أكثر حساسيةً للضوء، ولكنها غير قادرة على تمييز الألوان، وهي تقوم بمراكمة استجابة الخلايا كلها بعضها مع بعض عند الحاجة؛ ما يجعل أعيننا أكثر قدرةً على تحسس الضوء، ولكن ذلك يعني أننا أقل قدرةً على تمييز التفاصيل الدقيقة في الوقت نفسه؛ لذلك لا يمكننا قراءة كتابٍ في الظلام، رغم أنك قد تميز شكله المستطيل.

وعندما تنتقل من مكانٍ مُضاءٍ جيداً -كالأماكن المشمسة مثلاً- إلى مكانٍ منخفض الإضاءة جداً، تقوم عيناك تلقائياً بالتبديل من استخدام المخاريط إلى استخدام العصي؛ لكي تصبح أكثر حساسيةً للضوء، ونتمكن من الرؤية؛ لأنه يمكننا الرؤية في الظلام في ظلِّ ظروف الإضاءة المنخفضة جداً.

كم من الوقت تحتاجه العين للتبديل بين استخدام المخاريط والعصي؟

عندما نكون في ظروف الإضاءة الجيدة تكون العصي في حالةٍ من السُّبات، ولا تعمل مطلقاً، وإنْ انتقلت فجأة إلى مكانٍ مظلمٍ، فإن حدقتك تتوسع على الفور، وستبدأ خلايا العصي الحساسة للضوء المنخفض الشدة بالعمل؛ لامتصاص أي ضوءٍ مُتاحٍ في المكان المعتم الجديد.

وتصل المخاريط إلى أقصى طاقتها في تحسس الضوء في هذه الظروف بعد 5 دقائق تقريباً، بينما تستغرق العصي 10 دقائق تقريباً للبدء في عملها في تحسس الضوء، لكنك سترى بشكلٍ أفضل كثيراً بعد 20 دقيقة تقريباً، حينها ستكون العصي وصلت لأقصى طاقتها؛ حتى ترى في الظلام قدر الإمكان.

رؤية, بصر, عين, الظلام, علوم, فضاء, سماء
السماء ليلاً — حقوق الصورة: yann bervas/Unsplash

جرِّب ذلك بنفسك، وبإمكانك الدخول إلى غرفة نومك المظلمة ليلاً، حسناً، قُمْ بتشغيل الإضاءة في الغرفة، واجمع بعض الأشياء الملونة، وتمعَّن في ألوانها جيداً، واحفظ أشكالها، وكيف تبدو تفاصيلها الدقيقة، ثم أطفئ الأنوار، وراقب كيف يتغير المشهد في الغرفة والأشياء التي قمت بجمعها مع مرور الوقت؛ ستبدو الغرفة في البداية مظلمةً جداً، ثم سترى بسرعةٍ تفاصيل الغرفة والأشياء؛ وذلك بفضل حدقات عينيك والمخاريط التي تقوم بعملها، وإنْ كانت الغرفة مظلمةً بما فيه الكفاية، فستلاحظ تحسناً مفاجئاً في الرؤية بعد 10دقائق؛ أي بعد أن تكون العصي قد بدأت في عملها، وهذا ما يسمّى «التكيف مع الظلام».

ماذا عن ظروف الظلام الكامل؟ يمكنك العثور على مثل هذا المكان؛ كخزانة ملابسك، أو الحمام، أو القبو، وفي هذه المرة لن ترى أي شيءٍ على الإطلاق، وإنْ مرت 20 دقيقة. لكنك عموماً لن ترى سواداً تاماً أيضاً، جرِّبه، ولاحظ ما يحدث.

تم نشر هذا المقال بواسطة «مارك د. فيرتشايلد» في موقع  ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي