«كيف يجب أن نعيش حياتنا؟» هو سؤال يطرحه الناس خلال الأزمات، عندما يختلف شكل الحياة وتبدو غير طبيعية. ولكن هذا السؤال ليس له جواب واضح دائماً، وليس الأمر وكأننا قادرين على إيجاد الجواب «الصحيح» بشكلٍ طبيعي في العالم حولنا.
يمكن أن يشكل هذا النوع من الأسئلة قلقاً يستوجب إيجاد إجابة تبعث على الراحة النفسية بقدر ما تجيب على السؤال نفسه. وليس من الواضح إذا كانت الفلسفة التقليدية قادرة على معالجة هذا السؤال بشكلٍ مناسب أم لا. فكما يقترح الفيلسوف الأسترالي «ريموند جايتا»، فإن هذا السؤال ينبع من أعماقنا ومن إنسانيتنا جميعاً. لذلك، يهمنا جميعاً أن نجد إجابة له. غالباً ما يفوّت الأكاديميون الفكرة في هذا السياق، إذ يتجاهلون عمق السؤال، ويتصرفون وكأن المشاكل المتعلقة بمعنى الحياة هي كالألغاز المنطقية التي يجب تجاهلها، أو صرف النظر عنها وكأنها مشاكل غير حقيقية، أو حلها بطريقة واحدة دائماً. على الرغم من أن فلاسفة مثل «جيلبرت رايل» ،ومؤخراً «ميكل بيرلي» نادوا عدّة مرات بتعديل مقاربة الأكاديميين لهذا النوع من الأسئلة بهدف تعميق أو توسيع فهمنا لها، لكن حتى لو قامت هذه المقاربة بتحسين فهمنا لتعقيد وتنوّع هذه الأسئلة، فهي تفشل في معالجة عمقها الناتج عن أصلها الإنساني.
إن امتلاك هذا النوع من الأسئلة بعداً إنسانياً أو عمقاً، فهو لا ينتج فقط من السياق الذي تُطرح فيه، ولكن أيضاً عن مصدرها، وهو المتكلم. هذه الأسئلة هي أسئلة حقيقية لأشخاص حقيقيين. ولا يجب صرف النظر عنها أو معاملتها كمواضيع مناسبة لحلقات البحث فقط. سأضحك إذا سمعت حاسوباً يسأل: كيف يجب أن نعيش حياتنا؟ بعد هزيمته في لعبة شطرنج، ولكنني سأبكي إذا سمعت زوجة تسأل زوجها بعد وفاة ابنهما نفس السؤال. هذه الأسئلة لها شكل مختلف: لسؤال الزوجة عمقاً نوعياً، أو إنسانية غير موجودة في سؤال الحاسوب. يجب علينا أن نعترف بهذا إذا كنا نرغب في إيجاد إجابة له.
لا يستطيع الحاسوب أن يسأل أسئلة مثل سؤال الزوجة بشكلٍ هادف، وبالمقابل، من المهين أن نطلق على شخص لقب «شيء». يستطيع البشر فقط طرح هذه الأسئلة ضمن هذه السياقات. إذا سمعنا ما قالته الزوجة؛ سنشعر باحتوائه على عمق يبين لنا شيئاً متعلقاً بنا قد يكون مخفياً. إن سؤال الحاسوب ليس سطحياً أيضاً، إذ أنه من غير المنطقي أن نصنّفه كعميق أو سطحي، فالحاسوب هو كببغاء يكرر الكلمات التي بُرمج عليها دون تعقيد السياق البشري الذي يعطيها معناها الاعتيادي. هذا لا يعني أن الحواسيب لن تكون يوماً ما «ذكيّة» أو «واعية»، أو أن اللغة حكرٌ على البشر، بل الموضوع أشبه بما يكون بملاحظة الفيلسوف «لودفيغ فيتغنشتاين»: «إذا كان الأسد قادر على الكلام، فلم نفهم كلامه».
هذا يعني أن الشكل الذي تأخذه لغة ما يعكس السياق الاجتماعي المعقد لحياة المتكلّم. وكلما زادت التشابهات بين شكل حياتي وشكل حياة المتكلم، زاد معها احتمال أن أفهم ما يقوله بشكلٍ أعمق. إن «حياة» الحاسوب -كما نفترض- هي إما أحادية البعد بسبب افتقارها للعمق، أو لو امتلكت العمق، فلن يكون قابلاً للإيصال باستخدام اللغات البشرية. وذلك يعود، ببساطة، لاختلافنا الكبير عن الحواسيب. إن الإنسانية التي تمنح لغاتنا العمق لا يمكن الوصول إليها عن طريق رقائق السيليكون والأسلاك النحاسية، والعكس بالعكس.
إن عمق الظروف البشرية هو جزء مما نعنيه عندما نتحدث عن إنسانيتنا، أو أرواحنا. وإذا رغب أي شخص في التعمق أو في استكشاف هذا المنحى من الظروف البشرية؛ يجب عليه فعل ذلك باستخدام شكل للغة قادر على فهم هذا العمق، وإعادة إنتاجه. نسمي هذه اللغات «اللغات الروحية». لكن هذا ليس تعبيراً حرفياً. إذ لا يعني أن الأرواح أو الآلهة موجودة، أو أننا يجب أن نؤمن بوجودها حرفياً لنتمكن من استخدام هذه اللغات.
غالباً ما تصاغ الأسئلة المتعلقة بمعنى الحياة، وأسئلة أخرى مشابهة، بطريقة سيئة من قبل الذين ينظرون لهذه الأسئلة وكأنها واضحة، ولها إجابات موضوعية صحيحة.
خذ بعين الاعتبار على سبيل المثال ما يقصده الملحدون بـ «الروح» عندما ينفون الطرح القائل بوجود الأرواح، مقارنة بما أقصده أنا عندما أصف العبودية بأنها «مدمرة للروح». إذا جادل الملحدون أن العبودية لا يمكن أن تكون مدمرة للروح لأن الأرواح غير موجودة؛ فسأقول أن هناك معنى مفقود لديهم بسبب حرفيّتهم المبالغ بها. إذا فسرنا العبارة «العبودية مدمّرة للروح» بشكلٍ معرفيّ صرف، فعندها لن تمثّل المعنى الذي أرغب في إيصاله بشكلٍ سيء فحسب، بل ستمنعني من أن أقولها حتى.
أريد أن أعبر عن شيء يمثّل عمق التجربة التي أمر بها: هو أمر لا يتعلق بالقيام بادعاء حول وجود الأرواح من عدمه، بالحقيقة، هو لا علاقة له بوجود أو عدم وجود الأرواح. هذا النوع من المعنى للغة الروحية يوجد في سياقات مختلفة عن تلك التي يبحث فيها المعرفيّون، بغض النظر عن قناعاتهم، ويمكننا الوصول إليه عن طريق قدرتنا على تزويد لغتنا بالعمق من خلال العملية غير المعرفية المتمثلة في توصيف وتحفيز إنسانيتنا الكامنة داخلنا والتعبير عنها.
عندما نحاول الإجابة عن السؤال: كيف يجب أن نعيش حياتنا؟ يجب علينا أولاً التمعن في طريقة صياغته. هل هو سؤال معرفيّ له جواب موضوعي، أم هو سؤال لا معرفي روحي يتعلق بإنسان معين أو حالة بشرية محددة؟ هذا السؤال -والذي نسأله كثيراً خلال الأزمات أو الحب والسعادة- يعبر عن شعورنا بالإنسانية، ويعطي معنى له أيضاً.