ما سر الفاعلية العالية للحرارة المرتفعة لدى المرضى في مقاومة الحالات الالتهابية؟

ما سر الفاعلية العالية للحرارة المرتفعة لدى المرضى في مقاومة الحالات الالتهابية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Aleksandra Suzi

عندما تُصاب بالحمى، من المرجح أن يخبرك طبيبك بأنها علامة تبين أن جهازك المناعي يدافع عن جسمك ضد عدوى ما. تنجم الحمى عادة عن إرسال الخلايا المناعية الموجودة في المواقع المصابة، إشارات كيميائية إلى الدماغ تحفّزه على رفع درجة حرارة الجسم. لذلك؛ ستشعر بالقشعريرة عند بداية الحمى وستشعر بالحر عند نهايتها.

مع ذلك، لا تتوقّع جواباً مرضياً تماماً عندما تسأل طبيبك عن الآلية الدقيقة التي تحمي الحمى الجسم وفقاً لها.

على الرغم من أن الباحثين يُجمِعون على أن الحمى مفيدة في مكافحة العدوى، فإن آلية عملها غير محسومة بعد. نحن طبيبان يختص أحدنا بعلم الأمراض البيطري بينما يختص الآخر بطب الطوارئ، ومهتمّان بتطبيق مبادئ نظرية التطور على المشكلات الطبية. تطوّر الحمى هو معضلة قديمة لأن تأثيراتها تبدو مضرة للغاية؛ إذ إنها قد تتسبب بفرط الحرارة بالإضافة إلى أنها مزعجة. وأيضاً، يستهلك توليد الحرارة في الحمى كمية كبيرة من الطاقة الاستقلابية.

اقترحنا في بحثنا ومراجعتنا أنه نظراً إلى أن أغلبية الحيوانات تعاني الحمى؛ يجب أن تكون هذه الاستجابة المكلفة بالنسبة إلى الجسم مفيدة وإلّا لكان من المستحيل أن تتطور أو تستمر عبر الزمن بصفتها سمة تمتلكها الأنواع المختلفة. سلّطنا الضوء على عدة نقاط مهمة لم تؤخذ في الاعتبار إلا نادراً، وتساعد على توضيح الآلية التي تُعين وفقها حرارة الحمى الجسم على مقاومة العدوى.

اقرأ أيضاً: من درجة الحرارة إلى النزيف: ما الظروف القصوى التي يحتملها الإنسان قبل أن يموت؟

كيف تقاوم الحمى العدوى؟

مسببات الأمراض هي التي تتسبب بحالات العدوى. يمكن أن تكون مسببات الأمراض ميكروبات؛ مثل أنواع معينة من البكتيريا أو الفطريات أو الأوليات. إذا دخلت الميكروبات أو الفيروسات إلى خلايا الجسم واستخدمتها للتكاثر، يمكن أيضاً اعتبارها من مسببات الأمراض، ناهيك بأن الجهاز المناعي يتعامل معها على هذا الأساس.

تنص الفرضية الرئيسة التي تفسر الآلية التي تسهم الحمى وفقاً لها في السيطرة على العدوى، على أن درجات الحرارة الأعلى تطبّق إجهاداً ناجماً عن الحرارة على مسببات الأمراض؛ ما يؤدي إلى قتلها أو تثبيط نموها على الأقل. ولكن لماذا تؤدي درجات حرارة الجسم المرتفعة في الحمى إلى حد ما (التي ترتفع بنحو 4-1 درجات مئوية) العاجزة حتى عن أن تتسبب بموت خلايا الجسم السليمة، إلى الإضرار بمجموعة متنوعة من مسببات الأمراض؟

لاحظ علماء المناعة أن الارتفاع الطفيف في درجات الحرارة يحفّز الخلايا المناعية على أداء وظائفها بفعالية أكبر؛ ويؤدي ذلك إلى الاستنتاج الذي ينص على أن الحمى ضرورية لتعزيز القدرة الوظيفية الدفاعية للخلايا المناعية. مع ذلك، تبدو الحاجة إلى الاستهلاك الكبير للطاقة المتطلّب لتوليد الحمى بهدف تعزيز نشاط الخلايا المناعية، غريبة من منظور تطوري، ولا سيّما أنه ثمة بالفعل عدة إشارات جزيئية يمكنها تنشيط هذه الخلايا بسرعة أكبر.

بالإضافة إلى الحرارة، يعزز كل من الانخفاض الطفيف في مستويات الأوكسجين والارتفاع الطفيف في مستويات الحموضة وظيفة الخلايا المناعية. ونظراً إلى أن هذه الظروف المسببة للإجهاد متوفرة أيضاً في المواقع المصابة بالعدوى، يبدو منطقياً أن الخلايا المناعية تطورت بطريقة تجعل قدرتها الوظيفية القصوى متوافقة مع الظروف المجهدة التي قد تمر فيها. في الواقع، اقترح الباحثون، ومنهم أحدنا، أن إحدى وظائف الخلايا المناعية تتمثّل في توليد الظروف المحليّة المجهدة عمداً لإلحاق الضرر على نحو تفضيلي بمسببات الأمراض التي تنمو؛ وذلك لأن أي جسم في حالة النمو يكون عرضة إلى الإجهاد بطبيعته.

الحمى هي استجابة فيزيولوجية استمرت لمئات الملايين من السنين في مختلف الأنواع.

تسخين مسببات الأمراض محلياً

الالتهاب هو استجابة دفاعية محلية للعدوى، ويشمل عادة الأعراض مثل الحرارة والألم والاحمرار والتورم في المناطق التي يكون فيها نشاط الجهاز المناعي أكبر. وعلى الرغم من أن بعض العلماء يعلم أن المواقع المصابة بالعدوى تولّد الحرارة، يعتقد الكثيرون أن الشعور بالدفء الناجم عن الالتهاب ينتج فقط من توسّع الأوعية الدموية التي تحمل الدم الدافئ من أنسجة وسط الجسم.

مع ذلك، لاحظ الباحثون أن الأنسجة الملتهبة، حتى أنسجة وسط الجسم، تكون أسخن بنحو درجة إلى درجتين مئويتين من الأنسجة الطبيعية المجاورة؛ ما يعني أن دفء الجسم ليس مجرد نتيجة ثانوية لازدياد تدفق الدم. تأتي أغلبية الحرارة الإضافية هذه من الخلايا المناعية نفسها، فعندما تولِّد هذه الخلايا مركّبات الأوكسجين التفاعلية لقتل مسببات الأمراض في عملية تحمل اسم الانفجار التنفسيّ، فهي تولَّد كمية كبيرة من الحرارة أيضاً. مع ذلك، لم تُقَس درجات الحرارة هذه بعد.

وعلى الرغم من أن الخلايا يمكن أن تتحمل مجالاً واسعاً من درجات الحرارة، تعاني الخلايا جميعها انخفاضاً حاداً في القدرة على النمو والبقاء على قيد الحياة في درجات الحرارة الأعلى. ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجة أو درجتين فوق 45 درجة مئوية قاتل في الأغلبية الساحقة من المرات بالنسبة إلى خلايا الثدييات، وقد ينطبق ذلك أيضاً على مسببات الأمراض التي تصيب هذه الخلايا. لذلك؛ فإن الحمى ترفع درجات الحرارة المحلية المرتفعة بالفعل.

اكتشف العلماء أدلة تبيّن أن مسببات الأمراض تتعرض إلى درجات حرارة أعلى بكثير من درجة حرارة الجسم التي نقيسها عادة باستخدام مقياس الحرارة في أقسام الطوارئ. وتفاجأ العلماء بعد إجراء دراسة نُشرت عام 2018 بأن درجات الحرارة المحلية يمكن أن تصل إلى 50 درجة مئوية في المتقدّرات (الجزء الذي يستخلص الطاقة من الطعام). تُستخدم الحرارة التي تولدها المتقدرات على نحو مفيد في تدفئة الجسم وتوليد الحمى. وبالمثل؛ نقترح أن الحرارة المحلية الناجمة عن عملية الانفجار التنفسي على أسطح الخلايا المناعية تساعد على قتل مسببات الأمراض.

اقرأ أيضاً: دليلك المبسط لمعرفة البكتيريا وأثرها على الإنسان

الحرارة وعوامل الضغط الأخرى

تستهدف الخلايا المناعية مسببات الأمراض بمجموعة متنوعة من عوامل الضغط التي تتمثّل وظيفتها في قتل مسببات الأمراض أو تثبيط نشاطها. وتتضمن هذه العوامل مركبات الأوكسجين التفاعلية والببتيدات السامة والإنزيمات الهضمية والحموضة المرتفعة والحرمان من المغذّيات. ويتسبب ارتفاع درجات الحرارة بتسريع أغلبية التفاعلات الكيميائية. لذلك؛ ليس غريباً أن تعزز الحرارة هذه الآليات الدفاعية.

أظهر الباحثون أن الحرارة تؤدي دوراً تآزرياً مع الحموضة وانخفاض مستويات الأوكسجين في قتل مسببات الأمراض. والجدير بالذكر أن كلاً من رفع درجات الحرارة إلى درجات الحرارة الحُميَّة والحد من إمداد الحديد لم يكن ناجحاً عند تطبيقه بمفرده في تثبيط البكتيريا المعدية الباستوريلة القتّالة؛ لكن تطبيق الطريقتين معاً نجح في ذلك. الإجهاد الحراري ليس العامل الوحيد الفعال في السيطرة على العدوى.

ووجهة النظر السائدة التي تنص على أن حرارة الحمى تقتل مسببات الأمراض وتعزز الاستجابات المناعية صحيحة؛ ولكنها غير كاملة. تنبع قدرة الحمى على السيطرة على العدوى من أنها ترفع درجات الحرارة المولَّدة محلياً بمقدار ضئيل ولكن حاسم، وذلك بهدف إلحاق الضرر بمسببات الأمراض النامية المعرَّضة إلى الخطر، وتترافق مع آليات دفاعية أخرى، ولا تؤدي وظيفتها وحدها.

اقرأ أيضاً: حيلة أخرى: قد تغيّر البكتيريا شكلها لتقاوم المضادات الحيوية

الحمى هي سمة قديمة تمتّعت بها أشكال الحياة على كوكبنا منذ نحو 600 مليون سنة، وهي تستحق التقدير. في الواقع، أنت مدين للحرارة المقاومة لحالات العدوى بأنك حيّ الآن وتقرأ هذا المقال! تذكّر ذلك عندما تصاب بعدوى ما في المستقبل.

المحتوى محمي