تخيل أنك خرجت برفقة بعض أصدقائك للعشاء في أحد المطاعم، واخترت أن تطلب شريحةً من اللحم بعد أن قرأت قائمة الطعام، لكنك قررت طلب السلطة أيضاً بعد أن طلب صديقك طبق السلطة بوصفه طبقاً رئيسياً.
جميعنا قد يقع في مثل هذه المواقف؛ أي اتخاذ خياراتٍ لم تكن لتتخذها إن كنت وحدك في كثيرٍ من الأحيان، وفي شتّى الظروف؛ مثل: تناول الطعام في الخارج، أو أثناء التسوق، والتبرع للجمعيات الخيرية. إن الموضوع لا يتعلّق بكونك اكتشفت فجأة أنك تريد طبق السلطة لأنها شهية، لذلك طلبتها، إن الموضوع أبعد من ذلك.
لقد أظهرت دراسات سابقة أن الناس يميلون إلى نسخ وتقليد خيارات وسلوكيات الآخرين. لكن هناك بعض الأبحاث تشير إلى أن البعض يُظهرون العكس تماماً، ليظهروا أنهم متميزون بين أقرانهم، من خلال اتخاذ خياراتٍ مختلفة عن خياراتهم.
وبوصفنا باحثين يدرسون سلوك المستهلك؛ نبيّن حقيقة هذا التناقض، والسبب الذي يجعل الناس يميلون إلى تقليد سلوك الآخرين، والسبب الذي يدفعهم إلى اتخاذ سلوكٍ مستقلٍ في بعض الأحيان.
إشارة اجتماعية
لقد قمنا بتطوير نظريةٍ مفادها أن سبب وكيفية تقليدنا لخيارات الآخرين يعتمد إلى حدٍ كبير على سمات الشيء الذي نختاره؛ إذ تندرج سمات ما نختاره تحت ما ندعوه «سمات ترتيبية»، وهي ما تعطي للشيء تصنيفاً تفضيلياً حسب سمته -حجمه أو سعره-، بالإضافة إلى «سماتٍ اسمية» لا تعطي للشيء تصنيفاً ما بسهولة؛ كالنكهة والشكل. لقد افترضنا أن للسمات الترتيبية تأثيراً اجتماعياً أكبر؛ فهي تلفت نظر الآخرين لما قد نعتبره تصرفاً ملائماً من الناحية الاجتماعية، في سياقٍ معين. أما السمات الاسمية فيمكن اعتبارها انعكاساً للتفضيلات الشخصية، ولقد قمنا بإجراء 11 دراسة لاختبار نظريتنا.
هل تريد كرة واحدة من الآيس كريم أم أكثر؟
لقد أخبرنا 190 طالباً جامعياً في إحدى الدراسات التي شاركوا فيها، أنهم في طريقهم إلى متجر الآيس كريم مع أحد الأصدقاء لشراء الآيس كريم. قسمناهم إلى مجموعات، وأخبرنا كل مجموعة باحتمال مختلف عمّا ينوي صديقهم شراءه، ثم أخبرناهم أن صديقهم سيشتري كرتين من الآيس كريم: إحداها بطعم الفانيليا، والأخرى بطعم الشوكولا، أو كرتين من الشوكولا، أو كرتين من الفانيليا، ثم سألنا المشاركين عما يودون طلبه.
تبيّن لنا أن الغالبية اختارت الحجم نفسه الذي اختاره صديقهم، لكنهم اختاروا نكهات مختلفة.
يبدو أن المشاركين اعتقدوا أن عدد الكرات التي طلبها صديقهم إشارة إلى الخيار الملائم. فعلى سبيل المثال قد يشير طلب كرتين من الآيس كريم إلى «إذن» بأن هذا القدر مقبول، أو أنه الخيار الأكثر ذكاءً ما دام يوفر المال، حتى ولو بدا أنه مضرّ بالصحة، أو ربما كان اختيار كرةٍ واحدة يوحي لنا بفكرة «دعونا نستمتع بالقليل من الآيس كريم، وليس الكثير منه».
وبدا جلياً في المقابل أن اختيار الشوكولا أو الفانيليا كان خياراً شخصياً، ولا يشير في النتيجة إلى خيار أكثر ملائمة، أو له أفضلية على الآخر؛ أنت تحب الفانيليا، وأنا أحب الشوكولا، والكل سعداء.
وطلبنا من المشاركين تقييم أهمية تجنّب المشاحنات أثناء اختيارهم، فكان تقييم أولئك الذين اختاروا عدد الكرات نفسه الذي اختاره صديقهم لأهميته، أعلى من تقييم أولئك الذين اختاروا عدداً مختلفاً من الكرات.
ماذا كانت النتائج في سياقاتٍ مختلفة؟
لقد قمنا بإعادة التجربة في سياقاتٍ مختلفة؛ إذ استخدمنا منتجاتٍ وظروفاً مختلفة مع مجموعةٍ متنوعة من السمات الترتيبية والاسمية.
لقد قدمنا للمشاركين في تجربةٍ أخرى، على سبيل المثال، دولاراً واحداً ليشتروا به نوعاً واحداً من بين 4 أنواع من قطع حلوى الجرانولا من متجرٍ أقمناه لغرض التجربة، داخل مركز الأبحاث «Katz/CBA» في جامعة بيتسبرج، واستخدمنا العلامة التجارية بوصفها سمة من السمات الترتيبية؛ إذ يمكنهم الاختيار بين علامةٍ تجارية وطنية مشهورة أغلى ثمناً، وأخرى كانت تحمل اسم المتجر فقط أرخص ثمناً، وكانت السمات الاسمية هي: نكهة الشوكولا، وزبدة الفول السوداني.
أخبر البائع المشاركون قبل أن يقوموا بالاختيار أنه يُفضِّل ماركة تجارية اختارها بشكلٍ عشوائي بعينها دون الماركات الأخرى، دون أن يخبرهم أي شيء عن مذاقها. وقمنا بتغيير مكان قطع الحلوى في الماركة التجارية التي ذكرها البائع كل ساعة خلال التجربة التي استمرت 5 أيام.
كانت النتائج مشابهةً لنتائج تجربة الآيس كريم السابقة؛ فقد كان المشاركون يميلون إلى اختيار الماركة التي قال البائع إنه يفضلها شخصياً -بغض النظر عن سعرها-، ولم يكن للنكهة أي أثرٍ في اختيارهم.
وانتقلنا إلى دراسة موضوعٍ آخر غير الطعام في تجربةٍ أخرى. فقد درسنا النظرية في موضوع التبرعات الخيرية، وقد قدّمنا في هذه التجربة للمشاركين فيها عبر الإنترنت 50 سنتاً مقابل وقتهم الممنوح للتجربة، وتركنا لهم حرية الاختيار في أن يتبرعوا بها للجمعيات الخيرية أو أن يحتفظوا بها.
لقد كانت الخيارات المُتاحة: أن يتبرعوا بالمال الذي أعطيناهم إياه -كله أو نصفه- إلى جمعيةٍ خيرية تُعنَى بإنقاذ الفيلة، وأخرى تُعنَى بإنقاذ الدببة القطبية، وقد أخبرناهم قبل أن يتخذوا قرارهم بكيفية التصرف في المال، ولقد كان ما أخبرناهم به عشوائياً من الاحتمالات الأربعة المتوفرة.
كانت النتائج متطابقةً مع نتائج جميع التجارب الأخرى، في جميع السياقات، بما فيها تلك التي شملت ماركاتٍ وأشكالاً مختلفة من المعكرونة، وأنواعاً مختلفة بنكهاتٍ مختلفة من النبيذ.
إن الناس يعطون دائماً أهميةً أكبر للسمات الترتيبية (مبلغ المال في التجربة السابقة)، في حين أنهم يتجاهلون السمات الاسمية (المؤسسة الخيرية التي اختاروها)، التي بقيت خياراً شخصياً.
هذا النوع من الإشارات الاجتماعية المتعلقة بنسْخ خيارات الآخرين موجود في كلّ مكان، يبدأ من التفاعل المباشر مع الأصدقاء، وينتهي بالتغريدات على تويتر ومنشورات انستجرام. إن هذا يجعل تجنُّب تأثير ما يفعله الآخرون فينا صعباً للغاية، خصوصاً ما يتعلّق بعاداتنا الاستهلاكية.
حسناً، إن كنّا نعتقد فعلاً أننا بتقليد ما يفعله أصدقاؤنا مثلاً، سنجعلهم يشعرون بمزيدٍ من الراحة والمحبّة تجاهنا، فما الضير في ذلك؟