مع أن عدداً كبيراً من الأمراض التي تصيب الإنسان تُسببها الفيروسات، لكن ليست كل أنواع الفيروسات الموجودة في الطبيعة حولنا ضارة، فقد تم اكتشاف أنواع منها تصيب الخلية البكتيرية مثلاً، وتسمى هذه الأنواع من الفيروسات بـ «الفيروسات المُلتهِمة للبكتيريا» أو العاثيات (البكتيريوفاج)، ويمكن لهذه الفيروسات أن تتسبب في التهام وتدمير البكتيريا التي تصيبها في وقت قليل.
أين تعيش؟
تعيش هذه الفيروسات (البكتيريوفاج) في أمعاء الإنسان ولا تضره، بل تلتصق بالطبقة المخاطية للأمعاء وتغطيها، فإذا اقتربت منها خلية بكتيرية، علقت على سطحها لتخترق هذا السطح، وتدخل لتتكاثر. بعد ذلك تنفجر خلية البكتيريا ويخرج منها عدد كبير من فيروسات البكتيريوفاج، وبذلك يؤدي هذا الفيروس خدمة للإنسان، وفي نفس الوقت يقدم لها الإنسان الوسط الملائم لمعيشتها.
كيف يمكن للبشر الاستفادة من هذه الفيروسات في الطب والتقنيات الحيوية؟
وجدت دراسة أجريت عام 2018 في جامعة كاليفورنيا، ونُشرت في دورية الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الدقيقة، أن هذه الفيروسات غالباً تهاجم البكتيريا الضارة في الجسم، وتعيش في أمعائنا بجوار خلايا البكتيريا النافعة، وتساعدها في التخلص من هجمات البكتيريا الضارة التي قد يتعرض لها الجسم حتماً في مرحلة حياته، وبذلك تحافظ على توازن الأحياء الدقيقة النافعة في أمعائنا وتساعدنا في العيش بصحة.
تفيد هذه الفيروسات في أبحاث علم الهندسة الوراثية والطب الجزيئي، حيث تستخدم في المختبر لنقل مورثات مفيدة مرغوبة إلى داخل خلية حية معينة، وهذا مستقبل واعد في مجال الطب الوراثي والحيوي، فقد نستطيع عبرها نقل مورثة أو جينات تفقدها بعض الخلايا في بعض الأمراض، وبذلك تكون هذه الفيروسات مثل أداة نستخدمها كحامل إلى داخل خلايا المريض.
بديل للمضادات الحيوية
بحسب دراسة حديثة في أميركا، ونشرت في دورية الاستعراض السنوي لعلم الأحياء الدقيقة، يمكن أن تعد هذه الفيروسات بديلاً فعالاً وناجحاً (من بعض) أنواع المضادات الحيوية، التي تظهر البكتيريا مقاومة تجاهها في أيامنا هذه، حيث تعتبر حالياً المقاومة البكتيرية للأدوية أكبر تحدٍ يمكن أن يواجه البشرية في السنوات القليلة المقبلة. فأدوية المضادات الحيوية التي تستخدم لعلاج الالتهابات البسيطة أو المعقدة في الجسم لم تعد ذات نفعٍ بشكلٍ كبير؛ لأن البكتيريا تطور نفسها بسرعة لمقاومتها، وللأسف بعض البلدان تصرف تلك الأدوية دون حاجة ماسة لها، ما يُعجّل من بطلانها في المستقبل.
ختاماً، يظهر علم الأحياء الدقيقة التطبيقية، ومجال الفيروسات آكلة الجراثيم بادرة أمل ونجاح لحل هذه المشكلة الكبيرة في الصحة ومستقبل البشرية على كوكب الأرض.