متلازمة الخيمرية: هل يمكن أن ينكر اختبار الحمض النووي نسبك لأبويك؟

متلازمة الخيمرية: هل يمكن أن ينكر اختبار الحمض النووي نسبك لأبويك؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ sruilk
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تخيل أن لك أخاً توأماً لكنه يعيش بداخلك! قد يبدو هذا ضرباً من خيال، أو سيناريو مرعباً لفيلم خيال علمي، إلّا أنه في الواقع أمر ممكن الحدوث، بل ربما أنت الآن تحمله بداخلك. تُدعى هذه الحالة بمتلازمة الخيمرية، وإليك ما ينبغي معرفته عنها.

ما هي الخيمرية؟

الخيمرية أو (Chimera)، هي كلمة يونانية الأصل وتعني الوهم. وردت في الأساطير اليونانية كتسمية لأحد المخلوقات الذي ينفث النار برأس أسد وجسد ماعز وذيل ثعبان. وبسبب ذلك، لُقبت المخلوقات التي صُنعت بالمثل من أجزاء كائنات مختلفة بالخيمرية أيضاً. لكن مع ظهور التكنولوجيا العلمية الحديثة، لم تبقَ مجرد تخيلات.

من وجهة نظر علم الوراثة، الخيمرية هي حالة يحمل فيها الكائن الحي أو أحد أنسجته مجموعتين على الأقل من الأحماض النووية، التي نشأت من اثنتين أو أكثر من البيوض الملقحة المختلفة.

أسباب الخيمرية وأنواعها

تختلف أسباب الإصابة بالخيمرية باختلاف أنواعها:

الخيمرية الميكروية (الدقيقة)

تحدث الخيمرية الميكروية عندما تهاجر خلايا جذعية وسلفية من الأم إلى جنينها أو العكس، عبر المشيمة. تهاجر هذه الخلايا مع مجرى دم الأم أو الجنين إلى أعضاء مختلفة، وقد تكون قادرة على البقاء والتكاثر في الأم أو الجنين لأنها غير متمايزة. قد تبقى هذه الخلايا في جسد الأم أو الطفل لمدة عقد أو أكثر بعد الولادة.

في بعض الحالات، قد تبقى الخلايا الجنينية في جسم المرأة لسنوات، حيث وجدت دراسة نُشرت في دورية بلوس ون (PLoS ONE)، أن 63% من بين 59 امرأة تتراوح أعمارهن بين 32-101 عاماً، لديهن آثار حمض نووي ذكوري مأخوذ من خلايا جنينية في أدمغتهن، ما يشير إلى أن هذه الخلايا يمكنها أحياناً البقاء في الجسم مدى الحياة.

اقرأ أيضاً: ما الحيل الذكية التي تتبعها الخلايا لنسخ الحمض النووي؟

الخيمرية الاصطناعية

تحدث الخيمرية الاصطناعية عندما يتلقى الفرد دماً منقولاً أو زرع خلايا جذعية أو نخاع عظم من شخص آخر، فيمتص المتلقي خلايا الشخص الآخر. اليوم، انخفض عدد حالات الخيمرية الاصطناعية، لأن الدم المنقول يتعرض للإشعاع، ما يساعد على تلقي الخلايا الجديدة دون دمجها بشكلٍ دائم.

التوأم الخيمرية

تحدث عندما تحمل الأم بتوأم، ويموت أحدهما في الرحم، فيمتص الجنين الحي بعض خلايا توأمه المتوفى، ما يمنح الجنين مجموعتين مختلفتين من الخلايا.

الخيمرية الرباعية

تنتج الخلايا الخيمرية الرباعية عندما يقوم اثنان من الحيوانات المنوية بتلقيح بويضتين مختلفتين، ثم تندمج جميع هذه الخلايا في جنين بشري واحد يُعرف بالخيمر الرباعي، أي فرد ينشأ من أربعة أمشاج، أو خلايا جنسية. غالباً ما يتكون من الزيجوتات الناتجة عن التلقيح الصناعي في المختبر.

قد لا يعرف شخص ما أنه امتص توأمه، لأن توزيع الخلايا من التوأم في جميع أنحاء الجسم يمكن أن يكون عشوائياً؛ فقد تظهر مجموعة واحدة من الحمض النووي في الكبد، أو قد تظهر مجموعة أخرى في الرئة.

اقرأ أيضاً: ما الصفات التي يرثها الطفل عن أمه والتي يرثها عن أبيه؟

أعراض الخيمرية

في معظم الحالات لا يدرك المصابون بالخيمرية حالتهم لعدم وجود علامات واضحة، بالإضافة إلى أنها قد تختلف من شخصٍ لآخر. عامة، يمكن لبعض العلامات الجسدية أن تميّز المصابين مثل:

  • اختلاف لون العينين.
  • تفاوت لون الجلد، كما في وجود بقع مصابة بفرط التصبغ (اسوداد الجلد)، أو نقص التصبغ (خفة لونه).
  • تبقع الشعر بلون مغاير.
  • اضطراب النمو الجنسي، كأن يحتوي المصاب على أجزاء من الأعضاء التناسلية للذكور والإناث، أو ان تكون غير واضحة جنسياً، وهي حالة ينتج عنها العقم.
  • مجموعتان من الحمض النووي في خلايا الدم الحمراء.
  • نوعان مختلفان من فصيلة الدم، وقد يكون الفرد هنا معرضاً لخطر الإصابة باضطرابات المناعة الذاتية أو التعرض لمضاعفات أثناء عمليات نقل الدم. وفقاً لمراجعة نُشرت في “مجلة زرع نخاع العظم” (Bone Marrow Transplantation)، سيعطي نقل الدم بشكلٍ مؤقت خلايا من شخص آخر، ولكن في عملية زرع نخاع العظم ستكون خلايا الدم الجديدة دائمة.

أشهر حالات الخيمرية

على الرغم من ندرة حالات الخيمرية التي تمكن العلماء من كشفها، فإن هناك عدة حالات تعد الأشهر، ومنها:

كارين كيغان

كارين كيغان (Karen Keegan) امرأة تبلغ من العمر 52 عاماً، تعاني من فشل كلوي وتحتاج إلى زرع كلى. خضعت كيجان وعائلتها عام 2002 لاختبار جيني لتحديد مدى التوافق، ومعرفة ما إذا كان بإمكان أحد أفراد الأسرة التبرع بكلية لها. لكن الاختبارات أشارت إلى أن كيجان لا يمكن أن تكون أماً لأبنائها من الناحية الجينية.

تمكن الباحثون في دراسة نُشرت في مجلة نيو إنغلاند للطب (The New England Journal of Medicine) من حل اللغز، حيث اكتشف الأطباء أن كيجان كانت حالة خيمرية، لديها مجموعة مختلفة من الحمض النووي في خلايا الدم لديها بمقارنة الأنسجة الأخرى. ولكن في النهاية عُثر على الحمض النووي المطابق في الغدة الدرقية.

قضية ليديا فيرتشايلد

ليديا فيرتشايلد (Lydia Fairchild) هي أم لطفلين وحامل بالثالث. انفصلت عن زوجها، وسعت للحصول على رعاية حكومية عام 2002 لتأمين احتياجات أطفالها، فكان عليها إثبات أنها الأم البيولوجية لهما، وهنا كانت المفاجأة. وفقاً لاختبار الحمض النووي، لم تكن فيرتشايلد أماً لأي من طفليها، لأنها لا تحمل أي تشابه وراثي معهما على الإطلاق.

على إثر ذلك، اتُهمت فيرتشايلد بالاحتيال على الرعاية الاجتماعية لأن المدعين اعتقدوا أن نتائج الحمض النووي لا تقبل الجدل، على الرغم من شهادة طبيب التوليد الذي أشرف على ولادتها لطفليها. اقترح القاضي أن يُجرى اختبار أبوة للطفل الثالث، فلم يُظهر بدوره أي تشابه وراثي مع أمه.

لحسن حظ فيرتشايلد، ساعد البحث الخاص بحالة كيجان على كشف إصابتها بالخيمرية، حيث عُثرت على المجموعة الثانية من الحمض النووي في مسحة من عنق الرحم.

اقرأ أيضاً: أمل جديد في علاج ضعف الخصوبة عند البشر

ما الذي يمكن تحقيقه من خلال الخيمرية؟

تتعارض وجهات النظر حول الخيمرية في البشر، وهي:

  • يخلق وجود خلايا غريبة في الجسم أثناء التطور أمراض مناعة ذاتية، مثل السكري وتصلب الجلد والذئبة.
  • يمكن للخلايا الغريبة أن تساعد الجسم على الإصلاح الذاتي، نظراً لقدرة المصاب بالخيمرية على تلقي أعضاء من الأفراد الذين لديهم أي من مجموعتي الحمض النووي، لذا فإن التوجه الحالي هو لتحسين عملية زرع الأعضاء الحالية التي تنطوي على مخاطر رفض العضو.

بالفعل، تم إنتاج كائن خيمري بشكلٍ مصطنع عن طريق المزج الفيزيائي لبيضتين ملقحتين (زيجوت)، حيث نجح باحثون صينيون في إنتاج خلايا جذعية من دمج بيض الأرانب وخلايا جلد بشرية؛ إي إزالة المادة الوراثية للبويضة الحيوانية، وإدخال حمض نووي بشري مكانها، لكن الباحثين دمروا الكائن الهجين بعد بضعة أيام للسماح باستخراج الخلايا الجذعية الحية.

استحضرت هذه الأبحاث أفكاراً حول تجارب فرانكشتاين، وتعرضت لكثير من الانتقادات الأخلاقية، والتخوّف من النتائج الممكن الحصول عليها في حالة هجرة بعض الخلايا إلى الأعضاء التناسلية وتكون جنين بشري.

إذا، الخيمرية هي الحالة التي تحدَت المجتمع العلمي الذي يثق باختبار الحمض النووي، إذ لم يعد بالإمكان الاعتماد الكلي عليه كمصدر للأدلة، لأن المجرم والضحية قد يكونان من الخيمريات.