مخك يتعامل مع المعلومات تماماً مثل الطعام والمال

3 دقائق

لطالما اعتقد بعض الناس أن جميع أدمغة الثدييات، بما فيها أدمغة البشر، مصممة بالطريقة نفسها، وأن عدد الخلايا العصبية يتناسب طردياً مع حجم الدماغ، هذا يعني أنه إذا كان لدينا مخّين بوزن 400 جرام، إذاً لابد أن يمتلكان العدد نفسه من الخلايا العصبية. ونظراً لأن الخلايا العصبية هي المسؤولة عن معالجة المعلومات الفعالة، فيجب أن يمتلك أيّ مخين المستوى نفسه من الذكاء والقدرات المعرفية، لكن هل هذا صحيح؟

بالنظر إلى مخ نوعين من الثدييات؛ مخ الشمبانزي مقارنةً بمخ البقر، فإننا سنجد أن مخ الشمبانزي يتمتع بقدراتٍ أعلى من البقر، حيث يستطيع الشمبانزي القيام بأمورٍ معقدة وذكية. إذاً سيناريو التناسب الطردي لحجم الدماغ وعدد الخلايا العصبية غير حقيقي. ولا يمكن تطبيقه بين نوعين مختلفين من الكائنات.

وبالنظر إلى النوع نفسه، نحن البشر على سبيل المثال، فإن القدرات المعرفية تتفاوت أيضاً على الرغم من أننا نمتلك عدد الخلايا العصبية نفسها تقريباً. لذا حاول العلماء لفترةٍ طويلة الربط بين استهلاكنا للمعلومات والخلايا العصبية، فما الذي يجعل فضول البعض أكثر من الآخرين؟ هل هناك هرمون أو آلية معينة داخل المخ مسؤولة عن دوافعنا ناحية استهلاك المعلومات؟

كشفت دراسة حديثة أجراها علماء بجامعة كاليفورنيا، أنه مثلما ينتج المخ الدوبامين (هرمون السعادة كما يُطلق عليه)، عند تناول طعامٍ جيد أو الحصول على المال، يحدث الشيء نفسه تماماً مع المعلومات، لكن بطريقةٍ أكثر تعقيداً. وحتى نخوض بالتفصيل في الدراسة، يجب علينا أولاً توضيح كيف تؤثر فينا المعلومات؟ وما هو الفارق بين المعلومات الجيدة والمعلومات المرغوبة؟

المعلومة كما يجب أن تكون أو لا تكون

من الأفضل لنا الحصول على معلوماتٍ مفيدةٍ، وذات أهمية لزيادة قدراتنا المعرفية، لكن بالنظر لنتائج الدراسة، هذا لا يحدث أغلب الوقت. فقد يختار بعض الناس الحصول على معلوماتٍ عديمة الفائدة بسبب دوافع نفسية، مثل الفضول، أو الترقب. ينطبق هنا مبدأ «نظرية القيمة الذاتية للمعلومة»، والتي تنص على أنه لا يتم تحديد قيمة المعلومة بناءً على فائدتها العامة، بل أيضاً فائدة التوقع التي توفره للفرد. 

هذا التعريف هو جزء من نظرية القيمة الذاتية التي يدرسها الاقتصاديون، والتي تنص على أن  قيمة منتج ما لا يتم تحديدها عن طريق أي ملكية متأصلة للمنتج، ولا عن طريق كمية العمل المطلوب لإنتاج هذا المنتج، لكن عن طريق أهمية السلعة بالنسبة للفرد فيما يخص تحقيقها لأهدافها المنشودة.
لذا حاولت الدراسة الإجابة عن سؤالين. أولاً: هل يمكننا التوفيق بين الآراء الاقتصادية والنفسية للفضول، أو بمعنى آخر: لماذا يبحث الناس عن المعلومات؟ ثانياً: كيف يبدو الفضول داخل المخ؟

الفضول يدفعك نحو المعلومات

تُظهر نتائج الدراسة كيف يتعامل المخ مع الفضول، وكيف يتأصل الفضول داخل المخ، والدوافع التي تقودنا للمعلومة، في حين أن الاقتصاديين يميلون إلى النظر إلى الفضول كوسيلةٍ لتحقيق غاية. هنا يكون للمعلومة قيمةً لأنها تمنحنا ميزةً أكبر في اتخاذ القرارات.

استخدم العلماء التصوير المغناطيسي الوظيفي، وتم إجراء مسح لأدمغة بعض الأشخاص خلال لعبهم اليانصيب. وجد العلماء أن المخ يتم تحفيزه أو استثارته عند وجود مخاطر عالية للفوز أو الخسارة، وتنشط مناطق في الدماغ تعرف بـ«قشرة الفص الجبهي البطني»، وهي المنطقة نفسها التي يتم تحفيزها لإنتاج الدوبامين عند الحصول على المال أو الطعام، لكن فقط في حالة إذا كانت المعلومات مفيدة، وغيّرت قرار الشخص.

وبالنظر لما حدث، فإن المخ تم تحفيزه من أجل الحصول على المعلومة، لأن ترقب الشخص لها زاد من تضخيم أهميتها، وتوقع الحصول على مكافأة أكثر متعةً، في حالة حصوله على المعلومة.

دوبامين المال ودوبامين المعلومات 

كرر الباحثون الأمر عدة مرات مع اختلاف المعلومات وأهميتها تجاه الأشخاص، وتمكنوا من التأكد أن الدماغ يستخدم الكود العصبي نفسه للحصول على معلوماتٍ كما يفعل من أجل المال. 

وباستخدام تقنيات التعلم الآلي، تم الحصول على نموذجٍ قادر على المقارنة بين استجابة الدماغ ومكافأة الشخص بالدوبامين لمبلغٍ معين من المال، مع القدر نفسه من الدوبامين الذي يحدث عن الحصول على معلومةٍ ما لها أهمية في الوقت الحالي.

بعبارةٍ أخرى أن الدماغ يتفاعل مع الفضول حول المعلومات تماماً بالطريقة نفسها لتفاعله للحصول على مكافآت ملموسة، مثل المال.

هل هذا يفسر الإدمان الرقمي؟

تتحقق من هاتفك دوماً، ولا تعلم ما هو قادم، لكنك متشوق لفتح أي إشعارٍ يصلك، هل هناك سبب لهذا؟

على سبيل المثال؛ قرأت عنوان مقالة تتحدث عن 5  معلومات طبية ليست سوى أساطير، هنا يقوم الفضول أو رغبة الحصول على المعلومات بإشراك نظام المكافآت لتحفيز الدماغ لدفع القارئ كي يفتح المقالة وتتم مكافأته إما بالحصول على المعلومات، أو مجرد إرضاء فضوله نحو هذا الموضوع. وبالمثل قد يكون تعاملك مع إشعارات هاتفك بنفس هذه الكيفية.

الطريقة التي تستجيب وتتفاعل بها أدمغتنا وتوقعها الحصول على مكافأة ممتعة، هي سبب مهم يجعل الناس عرضة للوقوع في مقالات الـعناوين الخادعة،  وهي مقالات تتعمد خداع القارئ من خلال عنوان كاذب للمقالة أو صورة ملفتة فقط كي يقوم الضحية -القارئ- بزيارة الرابط.
ربما بعد قراءة تلك المقالة سوف تفهم كيف يخدعك مخك ويقتادك بغرض الحصول على مكافأة، والقليل من هرمون السعادة.  

المحتوى محمي