هل يومض شريط الذكريات قبل الوفاة؟ مسح نادر لدماغ بشري يحتضر

2 دقائق
هل يومض شريط الذكريات قبل الوفاة؟ مسح نادر لدماغ بشري يحتضر
حقوق الصورة: شترستوك.

مألوفةٌ هي مقولة "يومضُ شريط الحياةِ كالحلم أمام العينين أثناء الاحتضار"، هي إحدى الكلمات التي اعتاد أجدادنا ترديدها، والمعنى أن الشخص يستذكر كامل مراحل حياته من الطفولة وحتى الكهولة. لم نألف سماع أقاويل كهذه في العلوم الطبية، إلى أن التقط علماء من جامعة تورنتو الكندية بمحض الصدفة من خلال اختبار روتيني بيانات فريدة عن نشاط دماغ كهلٍ يحتضر، ووجدوا أن الموجات الدماغية التي رُصدت خلال 30 ثانية قبل توقف قلب الرجل وبعد ذلك لفترة وجيزة، تشابهت بشكل ملحوظ مع تلك الموجات التي تظهر أثناء نومنا عندما نَحلُم، ومع الإشارات الكهربائية التي تظهر عندما نغوص بالذاكرة والتأمل، الأمر الذي يوحي بأن الناس قد يرون حياتهم كومضات عابرة أثناء احتضارهم.

ما هي الصدفة التي دفعت الباحثين إلى هذا الاكتشاف؟

كان الفريق الطبي المختص بمعالجة المريض الكندي، المصاب بالصرع والبالغ من العمر 87 عاماً، يجري تخطيطاً دماغيّاً للكشف عن طبيعية النشاط الكهربائي في دماغ المريض، لتحديد البؤرة المولدة للشحنات العصبية الشاذة المسببة للصرع أثناء النوبة ومعالجتها، وذلك حسب دراسة بحثية نشرتها دورية "آفاق علوم شيخوخة الأعصاب" إلّا أن المريض أُصيب باحتشاء عضلة قلبية أدى إلى وفاته. ومن هنا أتى تصريح الباحثين بأنه المسح الدماغي الأول على الإطلاق لدماغ يحتضر، نظراً للوفاة غير المتوقعة للمريض. حيث صرّح (أجمال زيمار)، جراح أعصاب وباحث في جامعة تورنتو الكندية، قائلاً: "إنها حالة نادرة جداً إذ لا يمكننا التخطيط لإجراء مسح للدماغ والتنبؤ بوقت وفاة المريض، وما حصل ليس سوى صدفة".

اقرأ أيضاً: 4 أسئلة تشرح لك ما هي الشبكة العصبية؟

ماذا كشف تخطيط كهربائية الدماغ؟

أظهر تخطيط كهربائية الدماغ زيادة في النشاط الكهربائي في الأجزاء الدماغية المرتبطة بالذاكرة والحلم، وذلك لمدة 30 ثانية قبل توقف قلب المريض عن النبض وبعد ذلك لنفس المدة. 

إن الـ 900 ثانية من النشاط الدماغي الموثقة خلال فترة الاحتضار وحتّى غياب كامل الإشارات الدماغية، كانت كفيلة بمعرفة الطريقة التي تغيرت بها الذبذبات العصبية أو ما يُسمى بالأنماط المتكررة للنشاط العصبي، أثناء مراحل الاحتضار وخاصة في الـ 30 ثانية الأولى.

يتم تصنيف الذبذبات العصبية بالاعتماد على التردد والسعة، حيث سجل الباحثون ذبذبات غاما عالية التردد إضافةً إلى ذبذبات دلتا وألفا وبيتا ذات التردد المنخفض، يتراوح تردد موجات غاما وسطياً بين 30 و100 هرتز، وهو أعلى تردد بين كل الإشارات الدماغية ومصدرها الحُصين، وهو المنطقة الدماغية المسؤولة عن الذاكرة طويلة وقصيرة الأمد، والمسيطر على الأفكار الدماغية والمشاعر، حيث كان وجود موجات غاما على وجه الخصوص هو ما أذهل العلماء، وعُرفت الظاهرة باسم "استدعاء الحياة". وهذا ليس إّلا إثباتاً أقوى على أن دماغ الرجل كان يعيد عرض ذكريات حياته.

أوضح زيمار في بيان له: "يستدعي الدماغ الأحداث المهمة في حياتنا قبل موتنا مباشرة، من خلال توليد هذه الذبذبات التي تنطوي عليها عملية استرجاع الذاكرة، وهذا مشابه لباقي الحالات التي تم الإبلاغ عنها في تجارب الاقتراب من الموت".

هل يقتصر هذا الاكتشاف على دماغ الإنسان فقط؟

وعلى صعيد آخر، أظهرت الأبحاث التي أجريت على الفئران تبدل في كهربائية دماغها، من خلال ظهور ذبذبات غاما في وقت قريب من الوفاة، ولذلك، يتكهن الباحثون بأن ظاهرة استدعاء الحياة قد تكون تجربة مشتركة بين أدمغة الثدييات المتطورة ولا تقتصر على البشر فقط، على الرغم من وجود أدلة قليلة تدعم ذلك.

ختاماً، يبقى من السابق لأوانه القول بشكل قاطع إن ظاهرة استدعاء الحياة هي ظاهرة حقيقية، نظراً لوجود دراسة واحدة ذات خصوصية عصبية لمريض مصاب بالصرع، ما قد يطرح فكرة أن النشاط الدماغي أثناء الوفاة قد يختلف ويتباين بالاعتماد على وجود أي أمراض عصبية مرافقة، ولذلك لم يُنشر تقرير حالة الرجل إلا بعد مضي 6 سنوات على وفاته، لأن الباحثين كانوا يأملون في الكشف عن المزيد من الحالات.

هذه الورقة العلمية قد تكون أول دليل علمي على أن هذا "الوميض" قد يكون حقيقياً، ولكن من المستحيل وضع افتراضات أخرى حول مدى شيوع الظاهرة أو ما قد تؤول إليه هذه الدراسة مستقبلاً، نظراً لكونها محدودة النطاق في الوقت الراهن.

المحتوى محمي