قد تتوقف حياة أحدهم على بعض الدماء التي يحتاجها جسده، لكنه لا يجد متبرعاً يملك فصيلة الدم المناسبة له. ومع تزايد أعداد المتبرعين بالدم دون مقابل، تلجأ المؤسسات الطبية إلى إطلاق نداءات عاجلة بضرورة التبرع بالدم، مثلما حدث مع مؤسسة الصليب الأحمر الأميركي العام الماضي، عندما أعلنت عن نقصٍ شديد في الدماء من فصيلة دم (O).
التبرع بالدم أمر حيوي وخطير، ويساوي حياة أحدهم دون مبالغة، لكنه في الوقت ذاته يخضع لمعايير عديدة لضمان سلامة العملية وسيرها بطريقة صحيحة. أهم هذه المعايير هو سلامة الدم نفسه من أي أمراض محمولة، وثانيها هو توافق فصيلة دم المتبرع مع فصيلة دم الشخص المتبرع له. وهنا تكمن المشكلة في حالة لم توجد فصيلة الدم المناسبة للشخص المحتاج إليها.
لماذا نمتلك فصائل دم مختلفة؟
للإجابة على هذا السؤال، قام فريق من الباحثين من جامعة كولومبيا البريطانية بالبحث عن حل لهذه المشكلة، من خلال تحويل فصائل الدم التي يتم التبرع بها -الأقل استخداماً- إلى فصيلة واحدة يمكن التبرع بها لأي شخص. نُشرت نتائج البحث في دورية «نيتشر» العلمية مؤخراً.
يعتمد الباحثون في عملهم على محاولة الوصول إلى الطريقة التي يمكنهم من خلالها فصل المستضدات عن خلايا الدم الحمراء، وهي الأجسام التي توجد أعلى سطح خلايا الدم الحمراء، والمسؤولة عن امتلاكنا فصائل دم مختلفة. عندما يكتشف الجهاز المناعي وجود أية مستضدات غريبة عن الجسم، يبدأ في إطلاق أجسام مضادة تدافع عن الجسم ضد هذه الأجسام الغريبة بالنسبة له، ومهاجمتها حتى طردها من الجسم.
يمتلك البشر فصائل دم مختلفة بسبب المستضدات، التي تكون عبارة عن مجموعات من السكر في مجموعة فصائل الدم التي تتضمن فصيلة دم O و A و B و AB. تمتلك فصيلة الدم A نوع من السكر (المستضدات) مختلف عن الذي تمتلكه فصيلة الدم B، أما فصيلة دم AB، فتحمل نوعي السكر الموجودين في فصيلتي دم A و B، في حين لا تمتلك فصيلة الدم O أي نوعٍ من السكر. ونظراً لأن فصيلة دم O لا تحمل أي سكر، فيمكن لجسم أي شخص أن يستقبلها، ما يجعلها الفصيلة الأمثل في حالة التبرع بالدم، ومرغوب فيها على نطاقٍ واسع.
فصيلة دم واحدة للجميع؟
يقول الباحث «ستيفن ويزرز» في بيان صحفي، إنه في الماضي تمكن العلماء من معرفة أن هناك إنزيمات معينة مسؤولة عن إزالة المستضدات أو السكر، الذي تحمله فصائل الدم، مثل A و B و AB لتتحول إلى فصيلة الدم O، وبحثوا فكرة تعديل فصائل الدم ليحولوها إلى نوعٍ أكثر شيوعاً، لكنهم لم يتمكنوا من العثور على الإنزيم الفعال والآمن والاقتصادي أيضاً لتحقيق ذلك.
رحلة بحث ويزرز وفريقه عن الإنزيم المناسب أخذتهم إلى داخل الأمعاء البشرية. فبطانة الجهاز الهضمي وجدار الأمعاء تحتوي مجموعات السكر نفسها، التي تحملها خلايا الدم، والتي تتغذى عليها بكتيريا الأمعاء، بواسطة بعض الإنزيمات البكتيرية لتساعد في عملية الهضم. وجد فريق البحث أن واحدة من عائلة هذه الإنزيمات فعالة أكثر بثلاثين مرة في إزالة المستضدات (السكر) من خلايا الدم الحمراء عن سواها من الإنزيمات، التي تم ترشيحهم سابقاً.
تمكن الباحثون من عزل الإنزيم المناسب، وقاموا في الوقت الحالي بإعادة اختبار النتائج التي توصلوا إليها. الخطوة القادمة ستكون اختبار الإنزيم سريرياً للتأكد من سلامة عملية تحويل فصائل الدم، لتجنب وقوع أي عواقب غير مرغوبة فيها. تتطلب هذه الخطوات بعض الوقت، لكن يعبر ويزرز وفريقه عن تفاؤلهم بخصوص ما يمكنهم الوصول له. فربما يكون نتاج مجهودهم البحثي إنقاذ العديدين من الموت.