اكتشاف أقدم الأدلة على هضم وجبة في أمعاء حيوان عمره نحو 575 مليون عام

أحفورة لحيوان الكيمبريلا. الدكتورة إليا بوبروفسكي/مركز الأبحاث الألماني لعلوم الأرض في مدينة بوستدام
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قبل ملايين السنين من بدء احتفالات البشر بالأعياد، تغذّت الحيويّات الإدياكارية على البكتيريا والطحالب التي تعيش في قاع المحيط.

تعتبر الحيويّات الإدياكارية أقدم الكائنات الحية التي عاشت على كوكب الأرض. وهي عائلة من الحيوانات تعود لـ575 مليون سنة مضت. عاشت هذه الحيوانات قبل الانفجار الكامبري، وهو ازدياد كبير في عدد الحيوانات حدث قبل نحو 541 مليون إلى 530 مليون سنة، وغيّر مسار تطور جميع الكائنات الحية على الأرض. الحيويات الإدياكارية هي حيوانات منقرضة، وتم إيجاد عينات متحجرّة تعود لها تتخذ أشكال الأقراص أو السعفات النباتية. بالإضافة إلى ذلك، تصل أقطار بعض العينات النادرة إلى 20 سنتيمتراً. استنتج العلماء بناءً على دراسة هذه الأحافير أن الحيويات الإدياكارية كانت شبيهة بالكائنات الحية الرخوة مثل قناديل البحر.

أحافيرمن الحيوانات الإدياكارية

وجد الباحثون الأستراليون أحفورتين تعودان لنوعين من هذه الحيوانات، وهما كيمبريلاو ديكينسونيا، في عام 2018 في أجراف شديدة الانحدار في منطقة نائية وقريبة من البحر الأبيض في روسيا. والآن، يحاول العلماء اكتشاف الكائنات التي كانت تتغذّى عليها هذه الحيويات الإدياكارية.

اقرأ أيضاً: اكتشاف مرسب أحفوري جديد بالصين يعود إلى حقبة الانفجار الكامبري

كشفت دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 في مجلة كارينت بايولوجي (Current Biology) عن المزيد من المعلومات حول هذه الكائنات القديمة والغريبة للغاية، مثل آلية تناولها للطعام وهضمه. قام الفريق بتحليل الأحافير القديمة للكيمبريلا والتي تحتوي على مركب كيميائي طبيعي يوجد في النباتات ويحمل اسم فايتوستيرول. من المحتمل أن جزيئات هذا المركب كانت موجودة في الوجبات الأخيرة لهذه الحيوانات. بيّن التحليل الذي أجراه الباحثون على هذه الجزيئات أن حيوانات الكيمبريلا الشبيهة بالرخويات امتلكت أفواهاً وأمعاء، وأن بقاياها احتوت حتى على طعام مهضوم بنفس الطريقة التي يُهضم فيها الطعام في أجسام الحيوانات المعاصرة.

قالت المؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة، إليا بوبروفسكي (Ilya Bobrovskiy)، والتي تعمل حالياً في مركز الأبحاث الألماني لعلوم الأرض في مدينة بوتسدام (GFZ-Potsdam)، في بيان صحفي: “تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن الحيويات الإدياكارية التي عاشت على الأرض قبل الانفجار الكامبري شملت الحيوانات الغريبة مثل الديكينسونيا والحيوانات الأكثر تطوراً مثل الكيمبريلا والتي امتلكت بعض السمات الفيزيولوجية المشابهة لسمات للإنسان والحيوانات المعاصرة الأخرى”.

أصل جميع الحيوانات الموجودة اليوم

على الأرجح أن حيوانات الكيمبريلا كانت واحدة من أكثر الكائنات الإدياكارية تقدّماً. مع ذلك، ينتمي نوعا الكيمبريلا والديكينسونيا إلى عائلة الحيويات الإدياكارية ويمتلكان بنية وتناظراً لا يشبهان أي كائن يعيش على الأرض اليوم. أضافت بوبروفسكي: “تعتبر أحافير الحيويات الإدياكارية التي درسناها أقدم الأحافير الكبيرة بما يكفي لتُرى بالعين المجردة. وهذه الكائنات هي أصل جميع الحيوانات التي توجد اليوم، بما في ذلك الإنسان، وهي أقدم الأسلاف التي تمكّنا من اكتشافها للبشر”.

اقرأ أيضاً: هل جعلت الانقراضات الجماعية الحياة على الأرض أكثر تنوعاً؟

وفقاً للدراسة الجديدة، كانت الطحالب التي تناولتها هذه الكائنات غنية بالطاقة والمغذيات، وقد تمثّل العامل الأكثر أهمية في نمو الكيمبريلا. تعود جميع الأحافير الأقدم من أحافير الحيويات الإدياكارية لكائنات مجهرية ووحيدة الخلية.

أهمية مركب الفايتوستيرول

تمكّن المؤلفون من استخلاص جزيئات مركب الفايتوستيرول الموجودة في أنسجة الأحافير باستخدام التحليل الكيميائي. يعتبر الكوليسترول مهماً للغاية لأن وجوده هو أحد السمات التي تميز الحيوانات عن النباتات، ولأن العلماء استخدموه ليكتشفوا أن الحيويات الإدياكارية هي من بين أقدم الأسلاف المعروفة لجميع الحيوانات المعاصرة.

يعلم العلماء من قبل أن حيوانات الكيمبريلا تركت آثاراً على عملية التغذّي من خلال نزع الطحالب عن قاع البحر. ما يمثّل دليلاً قد يشير إلى أنها امتلكت أمعاءً. تمكّن مؤلفو الدراسة عند تحليل جزيئات مركب الفايتوستيرول من اكتشاف أن حيوانات الكيمبريلا كانت قادرة على التعرّف على الكائنات التي تناولتها وهضمها. بالإضافة إلى ذلك، كانت هذه الحيوانات متقدّمة للغاية لدرجة أنها كانت قادرة على تمييز أنواع الستيرولات المفيدة، كما أن أمعاءها كانت قادرة على انتقاء الستيرولات المفيدة نوعاً عن غيرها.

قال المؤلف المشارك للدراسة، جوكن بروكس (Jochen Brocks)، والذي يعمل في كلية أبحاث علوم الأرض في الجامعة الوطنية الأسترالية: “كانت لحظة إجراء هذا الاكتشاف لحظة إلهام كبيرة بالنسبة لنا. يمكننا الآن أن نستخدم المواد الكيميائية المحفوظة في الأحافير لنكتشف محتويات أمعاء الحيوانات حتى بعد زمن طويل من تحلّل الأمعاء”.

اقرأ أيضاً: التنين أسطورة أم حقيقة؟ خبراء الزواحف وعلم الأحافير يدلون برأيهم

مع ذلك، يبدو أن حيوانات الديكينسونيا، والتي يعتبرها بروكس أكثر غرابة من الكيمبريلا، لم تمتلك الأمعاء. ما يبيّن مدى تقدّم الكيمبريلا من الناحية التطورية.

لذلك، عندما تجتمع مع أحبائك في الأعياد، احرص على شكر حيوانات الكيمبريلا وجميع الحيوانات الإدياكارية الأخرى. وذلك لأنك لم تكن لتتمكن من تناول الديك الرومي المحشي ووجبات هذا العيد لو لم تتطوّر.