الدبابير الروسية للتخلص من الخنافس الشرهة القاتلة لأشجار المُران الأميركية

4 دقائق
الدبابير الروسية
حقوق الصورة: جيان دوان.

في أوائل التسعينيات، بدأت أشجار المُران في ولاية ميشيغان بالموت. بحلول عام 2009، اختفت 99% من هذه الأشجار تماماً، تاركة الغابات مليئة بجذوع الأشجار العارية. السبب هو نوع من الخنافس تم اكتشافه في عام 2002، وهي خنافس قزحية اللون ليست أكبر بكثير من حبة أرز. تسمى هذه «الخنافس الناخرة للمُران»، وموطنها الأصلي هو شمال شرق آسيا، وهي تضع البيوض في اللحاء الداخلي لأشجار المران. مع نمو اليرقات، فهي تتغذى على اللحاء، وتطوّق الشجرة ببطء وتقتلها.

أدت إجراءات الحجر الصحي إلى إبطاء انتشار هذه الحشرة. ولكن حتى الآن، لوحظ وجود هذه الخنافس في معظم الولايات في أميركا. في أواخر العام الماضي، أوقفت الحكومة الفيدرالية الحجر الصحي تماماً، معترفة بأن الخنافس ستنتصر. بدا الأمر كما لو أن جميع الأنواع الـ 9 من أشجار المران في أميركا الشمالية سينتهي بها المطاف مثل أشجار الكستناء الأميركية، إذ تسبب نوع من الفطور الدخيلة في الانقراض الوظيفي لتلك الأشجار في أوائل القرن العشرين، والتي كانت من قبل مصدراً مهماً للغذاء والحطب والنقود لسكان جبال الأبالاش.

الدبابير الروسية لإنقاذ أشجار المران الأميركية

لكن يبدو أن هناك آلية جديدة فعالة لإنقاذ أشجار المران.

ابتداءً من عام 2007، بدأت الولايات المتحدة في استخدام الدبابير الطفيلية لقتل الخنافس الشرهة. الآن، توضح دراسة استمرت 5 سنوات أجراها فريق تابع لوزارة الزراعة الأميركية أن أحد أنواع الدبابير الروسية السيبيرية المُكتَشفة مؤخراً، يمكن أن يقلل من أعداد الخنافس بنسبة 75% في غابات المران الناضجة، مما يمهد الطريق لانتعاش هذه الغابات على المدى الطويل.

يقول «جيان دوان»، المؤلف الرئيسي للدراسة وعالم البيئة في وزارة الزراعة الأميركية، والذي قاد العديد من الأبحاث حول التعامل مع الخنافس الناخرة للمران لعقود: «أخيراً هناك أمل لإنقاذ هذه الغابات».

اقرأ أيضاً: هل حان الوقت لإعادة المومياوات المصرية إلى توابيتها؟

دورة الحياة

تمكّنت أشجار المران والخنافس الناخرة من التعايش في الصين وسيبيريا وكوريا. تمتلك أشجار المران في شرق آسيا بعض الدفاعات الفطرية ضد الخنافس، إذ يمكنها قتل الأخشاب حول اليرقات، وتجويع الحشرات لقتلها.

لكن الخنافس الناخرة أكثر ندرة في تلك الغابات لأن الدبابير تصطادها بلا هوادة. يقول دوان إنه حتى أشجار المران الأميركية المستوردة إلى تلك المناطق تعيش وتنمو لأحجام كبيرة في شوارع بكين. يقول دوان: «هذا يعطينا مؤشراً على أنه إذا استطعنا الحفاظ على عدد مثالي من الخنافس الناخرة للمران، فيمكننا إنقاذ أشجار المران».

الدبابير الروسية
خنفساء ناخرة للمران بالغة. حقوق الصورة: جيان دوان.

تعتمد الدبابير الطفيلية بالكامل تقريباً على الخنافس الناخرة للمران كغذاء. اكتُشفت العديد من أنواع هذه الدبابير عندما بحث دوان وغيره من الباحثين عن مفترسات الخنافس الناخرة الطبيعية. يضع أحد أنواع الدبابير الطفيلية بيوضه على بيوض الخنافس الناخرة، بينما يضع نوعان آخران نسلهما داخل يرقات الخنافس. ثم تأكل الدبابير الصغيرة الخنافس من الداخل.

تبين أن أحد تلك الأنواع من الدبابير الآكلة لليرقات، واسمه «تيتراستيكوس بلانيبينيسي» (Tetrastichus planipennisi)، فعال في غابات ميشيغان. هناك، بدأت أشجار المران الصغيرة في النمو في الأماكن التي كانت توجد أسلافها الناضجة فيها سابقاً، حيث تفترس دبابير تيتراستيكوس بلانيبينيسي الخنافس الناخرة التي تهاجم الشتلات.

ولكن في الولايات الشمالية الشرقية، حيث لا تزال الخنافس الناخرة منتشرة، لم تتمكن هذه الدبابير من إبطاء انتشار الخنافس. من المرجّح أن سبب ذلك هو وجود أشجار أكثر نضجاً في الشرق، وأن أنبوب وضع البيض الصغير الخاص بهذه الدبابير، والذي يبلغ طوله 2 مليمتر، ليس طويلاً بما يكفي لاختراق لحاء الأشجار.

هنا يدخل نوع من الدبابير اسمه «سباثيوس غاليني» المعادلة، وهو نوع اكتشفه فريق من الباحثين الروس في عام 2007، وتمت الموافقة على نشره في الولايات المتحدة في عام 2015. يعتبر هذا النوع عملاقاً بالنسبة للدبابير، وهو يضع بيوضه بواسطة أنبوب يشبه رأس المثقب طوله 4-6 ميليمترات يمكن أن يخترق أثخن لُحيّ الأشجار.

وفقاً لدوان، تحتل الدبابير مكمنين بيئيين مختلفين في آسيا، إذ تسيطر دبابير سباثيوس غاليني على الغابات الشمالية البدائية، وتسيطر دبابير تيتراكوس بلانيبينيسي على الغابات صغيرة السن في الصين. نظراً لأن برنامج المكافحة الحيوية في الولايات المتحدة يسعى إلى إعادة إنشاء نظم بيئية تكون فيها الخنافس الناخرة للمران تحت السيطرة، فمن المنطقي أن تكون هناك حاجة لوجود دبابير متكيفة بشكل مختلف.

نحن بحاجة إلى دبابير أكبر

بمجرد الموافقة على نشر دبابير سباثيوس غاليني في عام 2015، أطلق فريق دوان عدة آلاف منها في الغابات المخصصة للأبحاث في نيويورك وماساتشوستس وكونيتيكت. لكن في الواقع، فإن اكتشاف مدى تأثير الدبابير على مجموعات الخنافس ليس سهلاً، إذ انتشرت الدبابير بسرعة كبيرة، مما جعل العثور على غابة خالية منها لاستخدامها للمقارنة أمراً مستحيلاً.

لحل هذه المشكلة، نزع الفريق لحاء الأشجار في المنطقة، واستنتجوا سبب موت الخنافس التي عثروا عليها داخل الأشجار. يقول دوان: «يمكننا استنتاج ما حدث لليرقات من خلال تطبيق آليات الطب الشرعي». حُفرت بعض الثقوب بواسطة طيور نقار الخشب، بينما كان البعض الآخر مليئاً بشرانق الدبابير، وهي علامة على أن الحشرات المفترسة قد أدت وظيفتها.

الدبابير الروسية
يرقة إحدى الخنافس الناخرة للمران ملتهمة بواسطة يرقة دبور سباثيوس غاليني شَكّلت شرانقاً. حقوق الصورة: جياد دوان.

بحلول عام 2020، أكلت دبابير سباثيوس غاليني كمية هائلة من يرقات الخنافس لدرجة أن الخنافس أصبحت تنتشر بربع السرعة التي كانت تنتشر فيها من قبل. كان لا يزال هناك عدد كاف من الخنافس لإفساد أشجار جديدة، لكن دوان يعتقد أنه بحلول العام المقبل، سينخفض معدل انتشار الخنافس أكثر.

مع ذلك، بدأت تظهر علامات المرض على بعض أشجار المران الكبيرة في الغابات المخصصة للأبحاث. يقول دوان: «هذا يمثل تحدياً لبرنامج المكافحة الحيوي»، ويضيف: «حتى لو تمكّنا من القضاء على الآفة، فإن الشجرة قد ماتت، وذلك لأننا بدأنا البرنامج بعد سنوات قليلة من استعمار الخنافس لها. غالباً ما تكون الموجة الغازية الأولى شديدة للغاية».

لن تزيد أعداد الدبابير بشكل سريع بما يكفي لإنقاذ كل الأشجار في المناطق التي تعاني من انتشار واسع للخنافس. يقول «مارك أبراهامسون»، من برنامج حماية النباتات التابع لوزارة الزراعة في ولاية مينيسوتا، والذي أطلق نصف مليون دبور في الغابات منذ عام 2010، إن إدارات المدن والبلدات ستظل بحاجة إلى معالجة الأشجار الفردية أو إزالتها عندما تمرض. إن استخدام الدبابير هو «أسلوب إدارة مناسب في الغابات، ولكن ليس في المناطق الحضرية»، حيث تكون الأشجار متفرّقة نسبياً حسب تعبيره.

الهدف من برنامج المكافحة الحيوية هو إنشاء تكيّفات بيئية طويلة الأمد تسمح لأشجار المران بالعيش جنباً إلى جنب مع الخنافس، كما هو الحال في مواطن الخنافس الأصلية. يقول دوان: «ما نهدف إليه حقاً هو الحفاظ على تعداد منخفض للخنافس، وذلك حتى تتعافى أشجار المران التي لم تُقتل بعد».

المحتوى محمي