بالتزامن مع التغيّرات المناخية الناتجة عن الزيادة في غازات الاحتباس الحراري، وفي مقدمتها ثاني أوكسيد الكربون، شغل بال العلماء السؤال التالي لفترة طويلة: كيف يتغير معدل التمثيل الضوئي في النباتات عندما يتوفر المزيد من ثاني أوكسيد الكربون في الهواء المحيط؟ بعبارة أخرى ما تأثير عملية التركيب الضوئي في المناخ باعتبار النباتات خزانات طبيعية لغازات الدفيئة؟
ما هو التركيب الضوئي؟
التمثيل الضوئي هو أهم عملية للحياة على الأرض، فانطلاقاً منها تبني النباتات والطحالب وبعض أنواع البكتيريا التي تلتقط الطاقة من ضوء الشمس كتلتها الحيوية، والتي بدورها تعمل كغذاء للكائنات الحية الأعلى للحصول على طاقتها للنمو والتكاثر والوظائف الأخرى.
يبدأ تسلسل مراحل عملية التركيب الضوئي من امتصاص صبغة الكلوروفيل الموجودة في عضيات خلوية تُعرف بالبلاستيدات الخضراء للضوء، ثم تحولها إلى طاقة كيميائية، وامتصاص ثاني أوكسيد الكربون والماء عبر الثغور من الهواء وجذور التربة.
يبدأ تسلسل مراحل عملية التركيب الضوئي من امتصاص صبغة الكلوروفيل الموجودة في عضيات خلوية تُعرف بالبلاستيدات الخضراء للضوء، ثم تحولها إلى طاقة كيميائية، وامتصاص ثاني أوكسيد الكربون والماء عبر الثغور من الهواء وجذور التربة.
تتفاعل كل 6 جزيئات من ثاني أوكسيد الكربون مع 6 من جزيئات الماء، فتتحول بوجود الطاقة التي يمتصها الكلوروفيل إلى جزيء سكر غلوكوز، وستة جزيئات أوكسجين، وفقاً للتفاعل التالي:
6CO2 + 6H2O → C6H12O6 + 6O2
يستخدم النبات الغلوكوز لتحويله إلى كربوهيدرات معقدة ودهون وبروتينات، وبالتالي إنتاج أوراق النباتات وجذورها وجذوعها، أي الكتلة الحيوية. تعد كمية المادة العضوية التي يتم إنتاجها معياراً لتحديد إنتاجية النظام البيئي. ثم يطلق النبات الأوكسجين مرة أخرى في الهواء، ويخزّن الطاقة داخل جزيئات الغلوكوز.
العوامل المؤثرة على كفاءة التمثيل الضوئي
تتأثر كفاءة عملية التمثيل الضوئي بعدة عوامل، بما في ذلك:
- الظروف المناخية: مثل كمية ضوء الشمس ودرجة الحرارة والهطولات المطرية. على سبيل المثال، تتمتع مناطق خطوط العرض المنخفضة كالغابات المطيرة الاستوائية بإنتاجية وكتلة حيوية أعلى من النظم البيئية القريبة من القطبين لأنها تتلقى درجات حرارة وإشعاع شمس وأمطاراً أكثر من النُظم البيئية في منطقة القطبين، أي أنها تمتص كميات أكبر من CO2.
- المغذيات: كالفوسفور والنيتروجين، فكلما توافرت بكثرة زادت الإنتاجية.
- العوامل البيئية غير الحيوية: مثل جودة التربة وحرائق الغابات وحموضة المياه ومستويات الأوكسجين.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد التعديل الكيميائي للنباتات على تعافيها من الأضرار؟
التسميد الكربوني يزيد من التمثيل الضوئي وإنتاجية النبات
وسطياً، يمكن للنباتات أن تستوعب نحو 100 مليار طن من الكربون سنوياً، إذ تزداد شدة عملية التمثيل الضوئي وكفاءتها بالتزامن مع ارتفاع مستويات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، هذا ما يُعرف بالتسميد بالكربون.
وفقاً لدراسة أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة، ونُشرت في دورية "نيتشر" (Nature)، ازداد التمثيل الضوئي العالمي للنبات بنسبة 12% من عام 1982 إلى عام 2020، استجابةً لتزايد ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي والتي ارتفعت بنسبة 17%، من 360 جزءاً في المليون إلى 420 جزءاً في المليون. بالنتيجة، زاد نمو النباتات فوق سطح الأرض بنسبة 21%، وللنباتات تحت سطح الأرض بنسبة 28%.
لذا توقع الباحثون تحسن الغلة الإنتاجية لبعض المحاصيل مثل القمح والأرز وفول الصويا مع زيادة غاز ثاني أوكسيد الكربون في المحيط المرافق للتغيّر المناخي. ومع ذلك، هناك بعض المحاصيل التي لا تتأثر بزيادة غاز ثاني أوكسيد الكربون كالذرة وقصب السكر.
الحفاظ على الماء
مع ارتفاع تركيز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، يقل استخدام النباتات للمياه أثناء عملية التركيب الضوئي. حيث تحتوي أوراق النبات على فتحات تُعرف بالثغور تسمح لها بامتصاص ثاني أوكسيد الكربون وطرح بخار الماء، ومع ارتفاع نسب ثاني أوكسيد الكربون تعمل الثغور على امتصاص غاز الكربون وتتراجع عن إطلاق بخار الماء في الغلاف الجوي بنسبة تتراوح ما بين 5-20%، وبالتالي الحفاظ على المزيد من الماء في الأرض والتربة. ولكن هل هذا يكفي؟
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر تلوث الهواء على إنتاج النباتات وأمننا الغذائي؟
قيود التمثيل الغذائي: هل يمكن للنباتات أن توقف التغيّرات المناخية؟
إذاً، تسبب الزيادة في التمثيل الضوئي حبس المزيد من ثاني أوكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي، وزيادة إنتاجية النبات، ولكن هل هذا يكفي إلى حد إيقاف التغييرات المناخية؟ يجيب تريفور كينان (Trevor Keenan)، المؤلف الرئيسي للدراسة: "هذه زيادة كبيرة جداً في عملية التمثيل الضوئي، لكنها ليست قريبة من إزالة كمية ثاني أوكسيد الكربون التي نضعها في الغلاف الجوي. فهذا لا يوقف تغيّر المناخ بأي وسيلة، لكنه يساعدنا على إبطائه". من العوامل الأخرى التي تتأثر بارتفاع نسبة الكربون في النباتات:
تنفس النباتات
تتزامن الزيادة في شدة التمثيل الضوئي مع زيادة شدة عملية التنفس وهو ما يُترجم على شكل زيادة في إطلاق الكربون إلى الغلاف الجوي إلى نحو 14 بيتاغرام أي 14 مليار طن، وهو ما يعادل تقريباً انبعاثات حرق الوقود الأحفوري حول العالم في عالم 2020 وحده.
توافر النيتروجين للنباتات
وجد الباحثون من مركز جامعة ميريلاند للعلوم البيئية في دراسة نُشرت في دورية "نيتشر" (Nature)، أن التغيّرات المناخية العالمية، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة وزيادة مستويات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، تسبب انخفاضاً في توفر المغذيات الرئيسية للنباتات الأرضية، وخاصة النيتروجين، ما يؤثر على قدرة الغطاء النباتي على امتصاص ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي ويقلل من كمية العناصر الغذائية المتاحة للكائنات التي تأكلها.
يتم تثبيت النيتروجين الجوي في التربة بواسطة أنواع محددة من البكتيريا وبعض العمليات كالبرق، وفي درجة حرارة مثلى وهي 25 درجة مئوية ليصبح متاحاً للنبات. ولكن مع استمرار الاحترار العالمي ترتفع درجات الحرارة فوق الدرجة المثلى للتثبيت فينخفض معدل تثبيت النيتروجين في التربة، ما يؤدي إلى إنتاجية أقل للنبات.
اقرأ أيضاً: ما هي مراحل دورة الكربون في الطبيعة؟
تأثير درجات الحرارة
يتأثر أداء بعض الإنزيمات المستخدمة في عملية التركيب الضوئي بارتفاع درجات الحرارة العالمية، بحيث تُصبح أقل كفاءة. على سبيل المثال، يعمل إنزيم روبيسكو (RuBisCO) في النبات على تحويل ثاني أوكسيد الكربون إلى كربوهيدرات في عملية التمثيل الضوئي، وبالتالي مع ارتفاع درجات الحرارة بتأثير التغيّرات المناخية يثبت الإنزيم الأوكسجين بدلاً من ثاني أوكسيد الكربون، ما يقلل من كفاءة عملية التمثيل الضوئي.
مع زيادة طول مواسم النمو تستخدم النباتات المزيد من المياه، وبالتالي ستنتج تربة أكثر جفافاً، ويتعرض النبات للإجهاد ولا يمتص الكثير من ثاني أوكسيد الكربون، ما قد يحد من كفاءة عملية التمثيل الضوئي.
إذاً، تشير معظم الدراسات إلى أن النباتات ستكون أكثر إجهاداً وأقل إنتاجاً بالتزامن مع استمرار الاحترار العالمي. ومع ذلك، يبقى تبادل التأثير بين فسيولوجيا النبات وسلوكه، وتوافر الموارد واستخدامها، مجهولاً وبحاجة لمزيد من الدراسات.