اكتشاف بكتيريا عملاقة بحجم حبة الفول تذهل العلماء

3 دقائق
اكتشاف بكتيريا عملاقة أذهلت العلماء: بحجم حبة الفول
حقوق الصورة: شترستوك.

تُعرف البكتيريا على أنها وحيدات خلية لا ترى بالعين المجردة، وتحتاج لمجهر لرؤيتها، وقد يصفها البعض بأكياس البروتين. ولكن، هذا التعريف لا ينطبق على البكتيريا العملاقة الجديدة المُكتشفة بغابات المانجروف، فهي مرئية بالعين المجردة، ويصل طولها إلى عدة سنتيمترات!

قبل عشر سنوات، وخلال رحلةٍ بحثية لغابات المانجروف في منطقة البحر الكاريبي، اكتشف (أوليفر غروس)، عالم الأحياء البحرية في جامعة جزر الأنتيل الفرنسية (بوانت-آ-بيتر)، كائناً حيّاً خيطيّاً على أوراق شجر المانجروف المتحللة في مستنقع الكاريبي. حينها لم يُدرك العالم أن ما يتعامل معه هو بكتيريا وحيدة الخلية، إلا أنه اليوم، وبعد فحص (جان ماري فولاند)، أحد طلاب الدراسات العليا الذين يشرف عليهم غروس، للكائن تبين أن ما بين أيديهما ليس دودةً صغيرةً كما وصفها البعض، بل هي بكتيريا عملاقة ذات جينوم بكتيري متطور؛ وفقاً لما نشره فريق دولي من الباحثين، شمل علماء من مختبر لورانس بيركلي الوطني في الولايات المتحدة الأميركية والمركز الوطني للبحوث العلمية (CNRS) في فرنسا، في ورقة بحثية، في دورية ساينس العلمية.

البكتيريا الجديدة عملاقة وبحجم حبة الفول

غيّر النوع البكتيري الجديد المكتشف من مقاييس تصنيف البكتيريا، ففي حين كانت تتراوح أبعاد البكتيريا العملاقة ما بين عشرات وحتى مئات الميكرونات؛ كما في بكتيريا "ثيومارجريتا ناميبينسيس" (Thiomargarita namibiensis) التي يصل حجمها حتى 750 ميكرومتراً، إلا أن النوع الجديد من بكتيريا ثيومارجريتا التي وصفها (غروس) تنمو حتى عدة سنتيمترات، أي أنها أكبر بـنحو 5 آلاف مرة من معظم أنواع البكتيريا الأخرى، وتصل إلى حجم الذبابة المنزلية، وحتى حبة فول صغيرة. علاوة على ذلك، يصل طول الخيوط التي لوحظت على البكتيريا العملاقة إلى 20 مم، متجاوزة القياسات المعروفة في بدائيات النوى الموصوفة مسبقاً. وهي عبارة عن آلاف الخلايا الفردية التي لا يتجاوز طول الواحدة منها 299 ميكروناً مشكلةً البراعم.

لم يكن حجم هذه البكتيريا العملاقة ما أثار دهشة العلماء فقط، بل أيضاً تكوينها البنيوي.

اقرأ أيضاً: رصد أقرب كوكب خارج المجموعة الشمسية يمكن أن يدعم ظروف الحياة

الاختلافات البنيوية في البكتيريا العملاقة الجديدة: الحلقة المفقودة في التطور

تكمن الميزة الأساسية للبكتيريا العملاقة الجديدة في الجينوم البكتيري غير النمطي. فبينما تطفو المادة الوراثية لجميع الأنواع البكتيرية المعروفة ضمن الخلية الميكروبية كما هو معروف في بدائيات النوى، إلا أنها تُحزَم ضمن نواة في الخلايا حقيقة النوى كما في الخمائر والفطور وصولاً إلى النباتات والحيوانات والبشر. ومع ذلك، تقف البكتيريا العملاقة ما بين حقيقيات النوى وبدائيات النوى، لأن الجينوم البكتيري الضخم لها لا يتحرّك بحريّةٍ داخل الخلية الميكروبية، كما هو الحال في البكتيريا، بل يتغلّف بكيسٍ غشائيٍّ، ما يسمح لها بالنمو إلى حجمٍ كبيرٍ نسبيّاً.

إذاً، وبعد ما سبق، لا يختلف فرعي الحياة عن بعضهما كلّياً، "يمكن أن تكون البكتيريا العملاقة الحلقة المفقودة في تطور الخلايا المعقدة"، كما يقول (كازوهيرو تاكيموتو)، عالم الأحياء الحاسوبية في معهد كيوشو للتكنولوجيا. 

 بالإضافة لذلك، يتكون الجينوم للبكتيريا العملاقة من 11 مليون قاعدة تصطف لتشكل 11 ألف جين، أي أكثر بثلاثة أضعاف مما تحتويه البكتيريا العادية. فمن خلال وسم الحمض النووي بالفلوروسنت، اكتشف الباحثون امتلاء الريبوزومات داخل الكيس الغشائي بالحمض النووي، وهي عضياتٍ خلويةٍ تساعد على تخليق البروتينات من خلال ترجمة الرنا المرسال إلى تسلسلٍ محددٍ من الأحماض الأمينية وفقاً للشيفرة الوراثية، ما يشير إلى تطور تشكيل البروتينات وكفاءته في البكتيريا العملاقة. ولكن كيف استطاعت المحافظة على استمرارها؟

اقرأ أيضاً: لماذا لا تعد الحياة البسيطة جميلة وحسب، بل ضرورية؟

كيف استطاعت البكتيريا العملاقة تبادل الجزئيات الحيوية عبر الخلية البكتيرية لمسافات طويلة نسبيّاً؟

طرح الحجم الكبير للبكتيريا العملاقة تساؤلات عديدة حول قدرتها على البقاء، فمن المعروف عن الميكروبات الصغيرة افتقارها لآليات النقل الداخلي، واعتمادها على خاصية الانتشار الجزيئي العشوائي لتحرك البروتينات والجزيئات داخل الخلية، وهو ما يمكن حدوثه ضمن مسافة تُقدر بحدود 1 ميكرومتراً، لذلك لا بدّ أن تظل البكتيريا صغيرةً بما يكفي للحفاظ على السيتوبلازم بالقرب من الغلاف الخارجي للخلية؛ لسهولة وصولها إلى الوسط الخارجي، وامتصاص العناصر الغذائية وتنقلها ضمن الخلية بحرية، والتخلص من المواد السامة.

إذاً كيف استطاعت البكتيريا العملاقة تبادل ونقل الجزيئات؟ هذا ما فسّره فريق الباحثين بوجود كيس كبيرٍ مملوء بالماء بنسبة 73%، بالإضافة إلى الكيس الغشائي المغلّف للجينوم البكتيري في البكتيريا العملاقة، ما يدفع بعضيات الخلية ومحتوياتها إلى مقربةٍ من الغشاء الخلوي للخلية، فيسمح لها بتبادل الجزئيات الحيوية دون الحاجة لقطع مسافات كبيرة نسبيّاً ضمن الخلية البكتيرية.

اقرأ أيضاً: آثار وجود الحياة على الزهرة قد تبدو مشكوك فيها

نظراً لتشابه البكتيريا العملاقة الجديدة مع الجنس الميكروبي "ثيومارجريتا" (Thiomargarita) الذي يتغذى على الكبريت، ومن حيث الكيس المملوء بالماء داخلها، ونتيجة للتشابه الجيني بينهما، خلص فريق العلماء إلى أنها تنتمي للجنس ثيومارجريتا، وأطلقوا عليها تسمية البكتيريا العملاقة "تي ماجنيفيكا" (T. magnifica).

يقول الباحثون: "يضاف النوع تي ماجنيفيكا إلى قائمة البكتيريا التي طورت مستوى أعلى من التعقيد. إنها البكتيريا الأولى والوحيدة المعروفة حتى الآن التي تفصل بشكلٍ لا لبس فيه مادتها الجينية في عُضيّاتٍ مرتبطةٍ بغشاءٍ على طريقة حقيقيات النوى، وبالتالي تتحدى مفهومنا حول الخلية البكتيرية".

أصل الحياة وتطورها، هو أحد أهم الأسئلة التي يعمل العلماء لإيجاد الأجوبة لها. ويشكل اكتشاف هذه البكتيريا العملاقة، بالجينوم البكتيري المعقد، والعضيات المتطورة، تحديّاً كبيراً للاستنتاجات والمعرفة السابقة، ويوضح مدى بعدنا عن معرفة جميع الكائنات الحية على الأرض.

المحتوى محمي