في يوم 21 مارس / آذار 2022، نشر باحثون من جامعة برمنغهام في بريطانيا بحثاً جينياً جديداً، في دورية "كارنت بيولوجي" (Current Biology)؛ حددوا فيه الجين المسؤول عن التحكم في الإلقاح الذاتي في نبات الرشاد، واستطاعوا إلغاء صفة التوافق الذاتي فيها، بالإضافة إلى تأخير وقت الإزهار.
التلقيح في النباتات والحاجة لاستمرارية النسل
تهدف جميع الكائنات، بما فيها النباتات، إلى تكوين نسل الجديد وتحسينه، من خلال عملية تكاثر جنسي تدعى بالتلقيح. يتضمن التلقيح نقل حبوب اللقاح في الأزهار من المآبر (أعضاء التكاثر الذكرية) إلى المياسم (أعضاء التكاثر الأنثوية)، فتتشكل البذور التي تجمع المعلومات الوراثية من كلا الأبوين بعملية الإخصاب، لتكون قادرة على تشكيل نبات جديد.
في الأزهار الخنثى، تجتمع الأعضاء الذكرية والأنثوية في زهرة واحدة، وبذلك تحمل البذور المعلومات الوراثية ذاتها من الوالدين، فيكون النسل الجديد مشابهاً تماماً للوالدين، هذا ما يُدعى بالتلقيح الذاتي.
يفتقر التلقيح الذاتي للتنوع الجيني، ما يعرّض النباتات ذاتية التلقيح لخطر الانقراض لعدم قدرتها على مواجهة مختلف التغييرات والإجهاد الذي قد تتعرض له. في المقابل، يساعد التلقيح المتبادل بين أزهار مختلفة على ضمان بقاء النسل وحمايته وتحسين صفاته.
حفاظاً على النوع، طورت النباتات عدة آليات تمنع حدوث التلقيح الذاتي، ومنها مواصفات بنيوية مثل:
- التفاوت في مواعيد نضج حبوب اللقاح والمبيض، بحيث تنضج حبوب اللقاح وتتناثر بعيداً قبل أن تصبح المياسم جاهزة لاستقبالها فتتلقح من حبوب لقاح زهرة أخرى.
- التفاوت في الطول والتباعد بين المآبر والمياسم.
- الآليات الوراثية.
التعديل الوراثي في نبات الرشاد من خلال نبات الخشخاش
يهدف مزارعو النباتات عموماً إلى الحصول على جيل أول جديد أقوى وأكثر مرونة وإنتاجية من الآباء من خلال التهجين، ويهدف العلماء على المدى الطويل إلى التحكم في آليات منع التلقيح الذاتي في المحاصيل لزيادة إنتاجيتها ومقاومتها.
اختار البروفيسور "نوني فرانكلين تونغ"، في كلية العلوم الحيوية في جامعة برمنغهام، العمل مع فريقه على نبات "رشاد الثيل" (Thale cress)، وهو نبات ينتمي للعائلة الصليبية أو الكرنبية التي تضم الملفوف واللفت. وذلك لعدة أسباب، منها:
- لكونه نباتاً ذاتي التلقيح "متوافق ذاتياً".
- قصر وقت الجيل، فهو يحتاج إلى شهر واحد لإنتاج البذور، في حين يستغرق القمح ستة أشهرٍ.
- الذخيرة الوراثية الكبيرة.
لتحويل الرشاد إلى نبات غير متوافق ذاتياً، نقل إليه فريق الباحثين اثنين من الجينات من نبات الخشخاش (Papaver rhoeas)، والتي تمنح الخشخاش القدرة على تمييز حبوب اللقاح الخاصة به، ومنع التلقيح بها، بالإضافة إلى السماح بالتلقيح المتبادل.
اقرأ أيضاً: لماذا تمتلك الأزهار روائحَ؟
التحكم في التلقيح الذاتي من خلال الجين "هايلاندر"
عدل الفريق في نبات الدراسة بحيث أصبح نباتاً غير متوافق التلقيح، ثم أجروا فحصاً جينياً له لتحديد الجين الذي يلغي بإزالته صفة عدم التوافق الذاتي في النبات. أطلق العلماء على الجين اسم "هايلاندر" نسبة إلى بطل فيلم "هايلاندر" والذي يتمتع بصفة الخلود. يتحكم الجين بتشفير بروتين محدد يدعى (PGAP1)، يوجد في جميع الكائنات الحية من الخميرة إلى البشر، والآن في النباتات.
يتحكم الجين "هايلاندر" بمجموعة بروتينات تدعى (GPI-APS) وتلعب دوراً مهماً في تنظيم عملية الإلقاح الذاتي، بالإضافة إلى مجموعة عمليات حيوية أخرى.
اقرأ أيضاً: هل يمكن إنقاذ النحل عن طريق زراعة الأزهار البرية؟
دور البروتينات في عدم التوافق الذاتي
في دراسة سابقة على نبات الخشخاش غير المتوافق ذاتياً أجراها العالم "فرانكلين تونغ" مع فريقه في جامعة برمنغهام ونُشرت في دورية "ساينس"، استنتج وجود نوعين من البروتينات التي تتحكم بعدم التوافق الذاتي، وهي:
- بروتين مُصنَّع في حبوب اللقاح ويدعى بالمستقبل "PrpS".
- بروتين مُصنَّع في المياسم ويدعى "PrsS".
للتمييز بين حبوب اللقاح "الذاتية" و"غير الذاتية" يتفاعل البروتينان مع بعضهما لدى لقاء حبة الطلع مع المياسم، وفي حال كانا لنفس الزهرة ينتج عن التفاعل مواد كيميائية معينة تثبط نمو حبة اللقاح. تُسمى هذه الآلية "موت الخلية المبرمج"، حيث يُطلب من حبة اللقاح أن تموت قبل أن يبدأ أنبوب اللقاح بالنمو. وعلى نفس السياق، عندما تلتقي حبة طلع من زهرة أخرى مع الميسم يتفاعل البروتينان دون أن ينتجا مواد مثبطة لنمو أنبوب اللقاح. يشفر الجين الجديد إنتاج هذه البروتينات، وبالتالي يتحكم بالإلقاح الذاتي لدى النباتات.
يقول البروفيسور فرانكلين تونغ: "هذا إنجاز كبير، لأنه يحدد آلية جديدة ضرورية لتحقيق الرفض الذاتي لحبوب اللقاح غير المتوافقة، ويشير لأول مرة أيضاً إلى الدور الذي تلعبه بروتينات GPI-APs في هذه العملية".