هل سيختفي الموز؟ العلماء في سباق مع الزمن لإنقاذه

4 دقيقة
هل سيختفي الموز؟ العلماء في سباق مع الزمن لإنقاذه
إن مكافحة مسببات الأمراض الفطرية على المستوى الجزيئي هي ضرورة أساسية لحماية محاصيل الموز من الانقراض.

يتعرض الموز ذو اللون الزاهي الذي يزين أطباق الفاكهة لخطر كبير. يواجه أكثر أنواع الموز شيوعاً خطر الانقراض بسبب أحد مسببات الأمراض الفطرية. يمنع مرض "ذبول الموز الفيوزاريومي" (FWB) تدفق العناصر الغذائية إلى الثمار، ما يؤدي إلى ذبولها. قضى مسبب المرض هذا على محاصيل الموز التجارية خلال خمسينيات القرن الماضي، ما أدى إلى الانقراض العملي لنوع الموز المستدق (Gros Michel).

لكن لا يزال هناك أمل في إنقاذ هذه الفاكهة ذات اللون الزاهي. أجرى فريق دولي من العلماء دراسة جديدة كشفت عن الآليات الجزيئية لعمل الميكروب الذي يلحق الضرر بمحاصيل الموز، ما يفتح الباب أمام علاجات واستراتيجيات جديدة لمكافحة مسبب المرض. نَشرت مجلة نيتشر مايكروبيولوجي (Nature Microbiology) النتائج التفصيلية لهذه الدراسة في 16 أغسطس/آب 2024.

اقرأ أيضاً: طريقة مبتكرة لاستخدام قشور الموز في تحضير شطائر لحم نباتي

ما الذي يُلحق الضرر بمحاصيل الموز؟

يعود تدهور هذه المحاصيل إلى مسبب المرض الفطري الذي يحمل اسماً طويلاً جداً، وهو فطر "المغزلاوية الحادّة الأبواغ إف إس بي كيوبنس" (Fusarium oxysporum f.sp. cubense، أو إف أو سي اختصاراً) من السلالة الاستوائية الرابعة (تي آر 4 اختصاراً). دمر هذا الفطر العديد من محاصيل الموز في خمسينيات القرن الماضي وأدى إلى انقراض نوع بأكمله، لكنّ الموز ليس النبات الوحيد المعرض للخطر.

تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة وعالمة الأحياء الجزيئية بجامعة ماساتشوستس أمهيرست، لي جون ما، لبوبيولار ساينس: "يمكن أن يصيب فطر المغزلاوية الحادّة الأبواغ أكثر من 100 نوع مختلف من النباتات لأنه عبارة عن مجمّع أنواع".

شجرة موز تعاني مشكلة ذبول الأوراق
يقضي مرض الذبول الفيوزاريومي حالياً على موز كافنديش (Cavendish)، وهو أكثر أصناف الموز شيوعاً وطلباً في الأسواق العالمية. يصبح القضاء على هذا الفطر غير ممكن بمجرد انتشاره في حقول الموز، ما يجعل إنتاج موز كافنديش مستحيلاً تقريباً في المستقبل. حقوق الصورة: ألتوس فيليين

يعتمد جزء من قوة هذا الفطر الفتاكة على جينومه والطرق التي يمكن أن يتغير ويتطور من خلالها. تشير لي جون ما إلى أنه يمكن تقسيم جينوم فطر المغزلاوية الحادّة الأبواغ إلى جزأين، الجينوم الأساسي والجينوم الإضافي. يتولى الجينوم الأساسي تنفيذ الوظائف الرئيسية اللازمة لاستمرار عمل الجين، بينما قد يختلف الجينوم الإضافي من سلالة إلى أخرى، وهو يتولى بعض الوظائف المتخصصة مثل القدرة على إصابة نوع محدد من النباتات.

يعتبر فهم كيفية عمل مسبب المرض وجينومه على المستوى الجزيئي بالغ الأهمية لتطوير طرق لمكافحته ومنع انقراض أنواع أخرى من الموز.

اقرأ أيضاً: عقبات تطور علم الجينوم في العالم العربي وفقاً للدكتورة ملاك الثقفي

فطر وموز مختلفان

قبل أكثر من 50 عاماً، كان الموز المستدق أول الأنواع التي تأثرت بهذا الفطر الضار. استجابةً لحالات الإصابة بذبول الموز، استزرع الخبراء موز كافنديش ليكون بديلاً مقاوماً للأمراض، وهو النوع الأكثر شيوعاً من أصناف الموز المتاحة تجارياً في الوقت الحالي. نجحت هذه الطريقة فترة من الزمن، لكن بحلول التسعينيات، ظهرت موجة جديدة من المرض وانتشرت من جنوب شرق آسيا إلى أميركا الوسطى.

أمضت لي جون ما وفريقها العقد الأخير في دراسة الآلية التي يكافح وفقها جينوم سلالة "تي آر 4" الموجة الجديدة من مرض ذبول الموز في نوع كافنديش، ومن المدهش أنهم اكتشفوا أن مسبب المرض المسؤول عن الموجة الجديدة ليس هو نفسه الذي أدى إلى انقراض المحاصيل في الخمسينيات.

قالت لي جون ما في بيان صحفي مصاحب للدراسة: "تبيّن لنا الآن أن السلالة المسببة للمرض "تي آر 4" التي تقضي على محاصيل الموز من نوع كافنديش لم تتطور من السلالة التي قضت على محاصيل الموز المستدق؛ إذ يحتوي جينوم السلالة "تي آر 4" على بعض الجينات الإضافية المرتبطة بإطلاق أوكسيد النيتريك، الذي يبدو أنه العامل الرئيسي في قوة هذه السلالة وضراوتها".

الغازات الضارة

في هذه الدراسة الجديدة، عملت لي جون ما بالتعاون مع المؤلفين المشاركين من مؤسسات في الولايات المتحدة والصين وجنوب إفريقيا على إجراء تسلسل 36 سلالة مختلفة من الفطر المسبب لمرض "الذبول الفيوزاريومي" ومقارنتها من أنحاء العالم كافة، وتشمل هذه السلالات تلك التي هاجمت محاصيل الموز من نوع الموز المستدق.

أظهرت التسلسلات أن السلالة "تي آر 4" هي المسؤولة عن الموجة الحالية من المرض. تستخدم هذه السلالة أيضاً بعض الجينات الإضافية التي تؤدي وظيفتين رئيسيتين عند غزو النبات المضيف، فهي تطلق أوكسيد النيتريك الفطري، وفي الوقت ذاته تزيل سمّيته للحد من تأثيره على الفطر نفسه.

تقول لي جون ما: "مثلما هو متوقع، وجدنا تسلسلات إضافية في جينوم السلالة "تي آر 4" تسهم في قدرته الفتاكة، ويشمل ذلك إطلاق غاز أوكسيد النيتريك الضار، الذي يسهّل غزو النبات المضيف".

أشجار الموز الذابلة
الأعراض الخارجية لمرض "ذبول الموز الفيوزاريومي" (FWB) في نوع "كافنديش". حقوق الصورة: جانغ وآخرون.

لا يزال فريق البحث غير متأكد من كيفية إسهام هذا الغاز تحديداً في إصابة الموز من نوع "كافنديش" بالمرض. على الرغم من ذلك، فقد اكتشف الفريق أن قوة هذه السلالة تنخفض إلى حد كبير عند إزالة الجينَين اللذين يتحكمان في إطلاق أوكسيد النيتريك.

يقول المؤلف المشارك في الدراسة وباحث ما بعد الدكتوراة في جامعة ماساتشوستس أمهيرست، يونغ تشانغ، في بيان صحفي: "إن تحديد هذه التسلسلات الجينية الإضافية يفتح العديد من السبل الاستراتيجية لتخفيف انتشار هذه السلالة في الموز أو حتى السيطرة عليها".

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: استخدام الأسمدة بذكاء يقلل انبعاثات الكربون في الزراعة

لا تنسَ أبداً أن تشكر المزارعين

يسعى الفريق في الأبحاث المستقبلية إلى تحسين فهم كيفية إطلاق الفطر لهذا الغاز الضار دون إلحاق الضرر بنفسه. يرغب الفريق أيضاً في اختبار طرق مختلفة للحد من إطلاق أوكسيد النيتريك واستكشاف الجينات التي تتمكن من إزالة الغاز قبل أن يلحق الضرر بخلايا النبات.

من الجدير بالذكر أن مثل هذا البحث يسلّط الضوء على مخاطر الزراعة الأحادية والاعتماد على نوع واحد من النباتات في الزراعة.

تقول لي جون ما: "تؤدي زراعة نوع واحد من أي محصول، أو ما يسمى "الإنتاج الزراعي الأحادي المحصول"، إلى توفير بيئة مناسبة لتطور مسببات الأمراض، لكن يمكننا الإسهام في زيادة الطلب على أنواع مختلفة من الموز في السوق وتعزيز تنوعها عن طريق اختيار أصناف متنوعة متوفرة في المتاجر بدلاً من التركيز على شراء نوع واحد فقط. يمكننا دعم المنتجين المحليين أيضاً من خلال التسوق وشراء المنتجات من السوق المحلية".

يجب علينا إدراك أهمية تقدير الوقت والجهد الذي يبذله الأشخاص الذين ينتجون الطعام الذي نستهلكه.

تقول لي جون ما: "يجب على المستهلكين أن يدركوا أن الموز أو الفواكه والخضروات الأخرى لا تنمو طبيعياً في متاجر البقالة، بل تحتاج إلى جهود كبيرة لتصل إلى موائدنا وتُشبع حاجاتنا الغذائية، لذلك، عندما ترى أحد المزارعين وقد غطى التراب جسده بالكامل، لا تنسَ أن تشكره".

المحتوى محمي