يعمل روي هولينج مسؤولاً عن الفطريات في حديقة نيويورك الزراعية. وبوصفه مختصاً بعلم الفطريات، الذي يعنى بدراسة كل أنواع الفطور والعفن، يوزع هولينج وقته ما بين المختبر والحقل. وفي جولة في هذا المتحف النباتي في منطقة برونكس، والذي يحتوي على ما يقارب 8 ملايين عينة نباتية، تحدث هولينج لبوبساي عن الإمكانية الكبيرة للتعفن في المملكة النباتية قائلاً: "حيث يوجد الكربون، يوجد فطر جاهز للانقضاض عليه". بطبيعة الحال، ليست جميع الفطور ودودة تجاهنا، كما يبدو بوضوح في الكثير من المجالات بدءاً من الطب وصولاً للزراعة. ويكفي مثلاً أن ننظر إلى الثعلبة أو داء السعفة، وهو مرض جلدي يتسبب بالحكاك ويمكن أن ينتج عن 40 نوعاً من الفطور، وغيره من عشرات الأمراض التي تصيب البشر. وإذا لم يكن هذا كافياً لك، يكفي أن نذكرك بالموز، وتحديداً موز جروس ميشيل، والذي كان النوع الأساسي في أسواق الولايات المتحدة حتى الخمسينيات، عندما أصيب بداء باناما الذي تتسبب به الفطريات، ما دفع بالمزارعين إلى استبداله بموز كافنديش الذي نأكله اليوم، وهو أيضاً معرض للإصابة بهذا الداء.
ولكن في القرن الماضي، بدأنا ننظر إلى هذه الكائنات المتنوعة والرائعة كأصدقاء، لا أعداء. فلطالما ساعدتنا الفطور على تخمير البيرة، وإكساب خبز العجينة المتخمرة نكهته المميزة. ولكن في 1928، اكتشف ألكسندر فليمنج –الذي كان يعمل في مستشفى ساينت ماري- البنسلين، وهو مضاد حيوي أدى إلى تغيير العالم على الرغم من أنه مصنوع من عفن عادي. وحالياً، تدين المضادات الحيوية المتوافرة في السوق- والتي يبلغ عددها 1,600 تقريباً- بوجودها إلى تلك الكائنات الصغيرة. وكما يوضح منتج الميديا الأساسي في بوبساي، توم ماكنامارا، في أحدث فيديوهاته "قد ينقذ نبات الفطر العالم"، فقد توصلنا إلى العديد من الوسائل لاستخدام الفطور كبدائل للحوم، والجلود، والمواد الرغوية أيضاً. كما بدأنا باختبارها لمعالجة المصابين باضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية، إضافة إلى مكافحة النمل الأبيض، وظاهرة هجرة العاملات في خلايا النحل.
ولكن هذا لا يعني أن الفطريات تخلت عن ميولها التوسعية. فما زالت تمتلك قدرتها على تفكيك واستهلاك كل ما يقع في طريقها، غير أننا أصبحنا، نحن معشر البشر، أكثر براعة في تسخير هذه القدرات لصالحنا.
تعتمد نوفوزيم، وهي شركة دانماركية للتقانة الحيوية، على الأنزيمات من البكتيريا والفطر، وذلك لتصنيع منظف للملابس أقل ضرراً بالبيئة. وبدلاً من استخدام مواد كيميائية اصطناعية، بدأت شركات منظفات مثل تايد وسيفنث جينيريشن باللجوء إلى مكونات طبيعية، حيثما وجدت.
تقول ميكاكو ساسا، أخصائية فطور في نوفوزيم: "ببساطة، أحمل سلتي المخصصة للفطور، وأذهب إلى الغابات". وإذا عثرت على فطر لم تجمعه الشركة من قبل، تحضر معها عينة إلى المختبر. وتتابع شرحها: "إنها ليست مسألة عدد، بل مسألة تنوّع، وهو ما أرغب بزيادته، لأننا نبيع عدداً كبيراً جداً من الأنزيمات المخصصة للكثير من المنتجات في العديد من الصناعات".
تمكنت نوفوزيم من تحقيق أرباح بقيمة 2.2 مليار دولار في 2016، وقد اكتشفت أن بعض الأنزيمات الفطرية قد تخفض من مقدار الطاقة المطلوبة لكل وجبة غسيل، حيث يتطلب تفعليها مقداراً أقل من الطاقة المطلوبة للمواد الكيميائية المصنعة مخبرياً، ما يؤدي إلى تخفيف إجمالي الانبعاثات الكربونية التي يتسبب بها تنظيف الملابس. ويوجد اكتشاف آخر لا يقل إثارة، وهي أن هذه الأنزيمات الفطرية رائعة في التخلص من البقع. تقوم الأنزيمات المنحلة في الماء بتفكيك الروابط الكيميائية عند انحلالها، كما في الفطر الذي التهم الخيام العسكرية في جزر سولومون، والذي قام بنفس العملية على السيللوز. غير أنه يوجد فطور أخرى متخصصة بتفكيك أنواع أخرى من الروابط، بما في ذلك الروابط بين ملابسك، وكل من العرق والدم والأقذار.
يدرس الباحثون أيضاً قدرة الأنزيمات الفطرية على تكرير النفايات وإصلاح الضرر الذي أصاب الكوكب. ففي 2011، نشر بعض العلماء بحثاً أثار الكثير من النقاش، ويتمحور حول النواتج المعزولة الناتجة عن الفطر النادر Pestalotiopsis microspora، والذي يتمتع بنهم كبير للبولي يوريثاين، وهو صنف قوي من البلاستيك يستخدم في دواليب لعبة القطار الأفعواني في مدينة الملاهي، والأعمال الفنية الحديثة، وغير ذلك. وتقترح دراسات كثيرة أن الفطر، والذي يمتص السموم بشكل طبيعي، بما في ذلك المعادن الثقيلة، يمكن استخدامه أيضاً لتنظيف التربة الملوثة.
في المحصلة، يجب أن نحقق توازناً دقيقاً مع أخوية الكائنات الفطرية. فهي قادرة بالتأكيد على مساعدتنا على تخفيض أثرنا الكربوني وشفاء أدمغتنا المرهقة، غير أن التاريخ يبين شيئاً آخر بوضوح: أنها يمكن أن تكون مرعبة أيضاً.