قد تكون جودة المياه العالمية في محنة

4 دقائق
صورة بالقمر الصناعي لإزهار الطحالب السامة في بحيرة إري عام 2011. تبدو صورة رائعة، ولكن الطحالب الخضراء من نوع مايكروسايتيس أيروجينوسا والظاهرة في الصورة هي طحالب سامة للثدييات.

تقول أنا ميتشالاك: "عندما نفكر في الطريقة التي يؤثر فيها التغير المناخي بالمياه، فنحن نميل للتفكير بالجفاف أو الفيضانات أو الأمطار الغزيرة. ولكن العلاقة بين التغير المناخي وجودة المياه يمكن أن تكون بقوة العلاقة بين التغير المناخي وكمية المياه".

وقد نشرت ميتشالاك -التي تدير مختبراً في قسم علم البيئة العالمية التابع لمعهد كارنيجي للعلوم في جامعة ستانفورد- دراسة في أواخر يوليو 2017 في مجلة العلوم، تشير إلى أنه وبسبب أن التغير المناخي سيؤدي إلى المزيد من الأمطار في بعض المناطق، فإن جودة المياه حول العالم سوف تتراجع.

وحتى نفهم كيف يمكن للأمطار أن تفسد جودة المياه، دعونا نتذكر خليج المكسيك: وهي منطقة مائية ميتة تطورت خلال شهور الصيف من كل سنة لمدة 32 سنة. وفي عام 2016، امتدت هذه المنطقة الميتة لتصل مساحتها إلى حوالي 15500كيلومتر مربع (ما يعادل تقريباً مساحة ولاية كونيكتيكت). وتتوقع الإدارة الوطنية للمحيط والغلاف الجوي هذا العام أن تصل مساحتها إلى 22500 كيلومتر مربع (أي ما يعادل مساحة ولاية نيوجرزي). إن مصدر كوارث خليج المكسيك هو حزام الذرة في غرب وسط الولايات المتحدة، حيث يتسرب النيتروجين الموجود في الأسمدة من المزارع إلى الجداول والغدران، مسبباً ما يعرف بإغناء الماء. وهو يحدث باختصار عندما يكون هناك الكثير جداً من العناصر الغذائية في الماء.

تأخذ هذه العناصر الغذائية طريقها من حزام الذرة إلى نهر الميسيسيبي ومنه إلى خليج المكسيك. ويغذي اجتماع النيتروجين مع حرارة الصيف الدافئ الطحالب في المنطقة. وهي تزهر بشدة ثم تموت كلها مرة واحدة. وعندما تموت تتغذى البكتيريا على بقاياها، ساحبة الأوكسجين من الماء أثناء ذلك. ومع أن الأسماك لا تتنفس الهواء، ولكنها تحتاج إلى الأوكسجين لتحافظ على بقائها. ولذلك تغادر الأنواع الأكثر سرعةً المنطقة للبحث على مياه أفضل مشبعة بالأوكسجين. أما المخلوقات البطئية، كمحار ساحل الخليج الشهير، فإنها تموت ببساطة. وتغذي بقاياها المتحللة المنطقة الميتة وتساهم في نموها، مما يطيل من أمد خسارة الحياة في المنطقة. وهذه العملية تتباطأ فقط عندما تساعد درجات الخريف الباردة في إغلاق حلقة التغذية المرعبة هذه.

وقد اكتشفت ميتشالاك مع إيف سينها المؤلفة الرئيسية للدراسة، وطالبة البحوث في نفس المخبر الذي تعمل فيه، أن الأمطار الزائدة التي يسببها التغير المناخي ستجعل هذه العملية برمتها أسوأ. لماذا؟ لأن المزيد من الأمطار يعني أن المزيد من المغذيات -وهي المادة الأولية لكل هذه العملية- ستصب في المجاري المائية. وفي الولايات المتحدة، سيكون هذا النمط قوياً بشكل خاص في منطقة حزام الذرة والشمال الشرقي. وعلى الصعيد العالمي، من المرجح أن يؤدي ذلك إلى تفاقم مشكلة الإغناء بالماء في الهند والصين وجنوب شرق آسيا.

تقول سينها: "الأمر يعتمد اعتماداً كبيراً على المياه السطحية وكذلك المياه الساحلية، وهي مناطق شديدة الكثافة السكانية. وستتأثر زيادة الوجود البشري بالنوعية الرديئة للمياه في تلك المناطق أكثر من أي منطقة أخرى من العالم".

ولمعرفة ذلك، قامت سينها وميتشالاك وزملاؤهما بأخذ نموذج تم تصميمه في دراسة سابقة. ويعتمد هذا النموذج على قياسات حمولة النتروجين المعتمدة من الماسح الجيولوجي الأميركي (حيث يميل النيتروجين إلى دخول النظم البيئية خلال فترة زمنية محددة)، وربط هذه المعلومات بمعدلات هطول الأمطار. فإذا أمطرت بمقدار ميلليمتر واحد، فكم سيكون مقدار النتروجين الناتج عن ذلك؟ وقد قاموا في الدراسة الجديدة، بالربط  بين بيانات نموذج المناخ وهطول الأمطار في المستقبل، لمعرفة كيف يمكن أن تتغير الأمور في السنوات القادمة.

ولأنهم كانوا يريدون فقط أن يعرفوا كيف ستؤثر التغيرات في هطول الأمطار على هذا النموذج، فقد قاموا بتثبيت العوامل المؤثرة الأخرى. فلم یفترضوا، علی سبیل المثال، أن المزارعین قد یبدؤون بالمزيد من عمليات الري (بسبب الھطول غیر النظامي)، أو قد یبدؤون في استخدام المزید من الأسمدة.

في الماضي، إذا كنت تريد أن تقوم بعمل مماثل، كان الأمر يتطلب العمل على حاسوب عملاق (أو قدراً كبيراً من الوقت تقضيه في أعمال الحوسبة على مكتبك). وذلك لأنك قد تضطر إلى اعتماد النموذج المناخي وتغذيته على نموذج معقد آخر، وهو ما من شأنه أن يقوم بأشياء مثل التنبؤ بكمية المياه التي ستغرق الأرض بدلاً من التي ستنتهي في مجاري المياه. هذه الأنواع من التفاصيل مثيرة للاهتمام، ولكن تشغيل نموذج حسابي بهذه الطريقة يشبه تحضير الخبز باستخدام وصفة تسرد المكونات الكيميائية بدلاً من الدقيق والخميرة. وهو أمر قابل للتنفيذ ولكن يتطلب الكثير من الجهد. أما النموذج الجديد فهو أكثر مرونة، ويركز على العلاقة بين معدل هطول الأمطار وحمولة النيتروجين، بدلاً من التعثر بالقيم المتغيرة التي تصل هذه البيانات فيما بينها، وهو ما يسهل جمع بيانات التنبؤات المناخية في المستقبل.

وقد اكتشف الباحثون أن الأمطار الزائدة وحدها تساهم بنسبة 20 في المائة من الزيادة في حمولة النيتروجين في الولايات المتحدة كلها. وبسبب مشكلة مثل إغناء الماء، تحاول وكالة حماية البيئة الأميركية تخفيض المغذيات بنسبة 20 في المائة. ولذلك فمع نهاية هذا القرن، وبسبب الأمطار الزائدة وحدها، ستزداد حمولة النيتروجين في المجاري المائية بنفس النسبة المئوية التي تحاول وكالة حماية البيئة تخفيضها.

إزهار العوالق النباتية على ساحل الأطلسي في أغسطس 2015.
حقوق الصورة: المرصد الأرضي التابع لوكالة ناسا- جوشوا ستيفنس

على الصعيد المحلي، تحدث حمولة النتروجين في قسم كبير منها في منطقة الميسيسيبي العليا، وحوض نهر أتشافالايا، وفي الشمال الشرقي، والبحيرات الكبرى في الولايات المتحدة. وهو أمر غير مفاجئ تماماً، في حين أن المنطقة الميتة في خليج المكسيك ربما تكون أكبر منطقة ميتة في البلاد، وهي ليست الوحيدة من نوعها. حيث يحتوي خليج تشيزابيك على منطقة ميتة، وكذلك بحيرة إري وبحيرة ميشيغان.

وحتى لو لم تكن تعيش في أي من هذه المناطق، فإن غذاءك ما يزال في خطر. حيث تساهم المنطقة الميتة في الخليج على رفع تكلفة الجمبري، على سبيل المثال. ويسارع الباحثون إلى الإشارة إلى أن دراستهم تركز على أين ستدخل المواد المغذية - وهو أمر مفيد لإدارة أفضل للأراضي - وليس بالضرورة إلى أين ستنتهي هذه المواد. حيث يمكن أن ينتهي التلوث بالمغذيات في المياه الجوفية، وهو ما يجعل الماء غير آمن للشرب.

تقول ميتشالاك: "يمكن اعتبار الأمر تحدياً للمجتمع، أكثر من كونه نتيجة حتمية. وبالتفكير في هذا التحدي، فإن علينا أن نبقي عيوننا مفتوحة لندرك أن الأمر لا يتعلق بإدارة الأراضي المحلية وحسب، ولكنه يتعلق بالتغير المناخي أيضاً".

وسيشمل الحل في نهاية المطاف مزيجاً من اتخاذ خطوات للحد من تغير المناخ، إلى جانب الحد من مستوى تدفق المغذيات. لأنه وبحسب سينها: "إذا لم يكن لديك زراعة، فلن يكون لديك الكثير من إغناء الماء".

وهذا لا يعني العودة إلى أيام الصيد وجمع الثمار. ولكن اعتماد ممارسات زراعية جديدة أفضل لن يكون فكرة سيئة. ومهما كان الخيار الذي سنقوم به، فإن علينا أن نفعل ذلك بسرعة، فربما لا يكون أمامنا  سوى ثلاث سنوات فقط للتصرف حيال التغير المناخي.

المحتوى محمي