يحمل اليورانيوم العدد الذري 92 في جدول التصنيف الدوري (الجدول الدوري)، وأصبح من أكثر المواد إثارةً للمشاكل على الكوكب منذ أن اكتشفه العالم الألماني «مارتن هاينريش كلابروث» عام 1789. اليورانيوم بطبيعته عنصر مشع نواته غير مستقرة، وقد اكتشف العلماء الألمان -أثناء سعيهم الحثيث لشطر نواة اليورانيوم عام 1938 إلى شقّين- أن نظير اليورانيوم المُسمى «يورانيوم-235» قابل للانشطار إلى عناصر أخف وزناً، وقادر على إطلاق طاقةٍ هائلة. وفي أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، اكتشف علماء الفيزياء الأميركيون في جامعة كاليفورنيا إمكانية دفع «يورانيوم-238» للتحلل نووياً إلى «بلوتونيم-239»، ومنذ ذلك الحين يُستخدم اليورانيوم في صناعة الأسلحة النووية وفي محطات الطاقة في جميع أنحاء العالم. واليوم، يستمر اليورانيوم في إشعال التوترات الدولية، حيث تقوم إيران بزيادة مخزونها منه، ورفع نسبة تخصيبه، وهو ما يخالف المعاهدة التي أبرمتها عام 2015، والمتعلقة بالحد من أنشطتها النووية. وما يزال زعيم كوريا الشمالية «كيم جون أون»، الملقب بـ«رجل الصاروخ»، يرفض تجميد أو نزع الأسلحة النووية في بلاده.
ولكن، ما سرّ اليورانيوم بالضبط؟ ولماذا يثير كل هذا القلق ويتصدر عناوين الأخبار؟ نجيب هنا على أكثر الأسئلة إلحاحاً فيما يخص تلك المادة النووية.
من أين يأتي عنصر اليورانيوم؟
اليورانيوم معدن شائع. يقول العالم الجيولوجي «دانا أولمر شول» من مكتب الجيولوجيا والموارد المعدنية في نيو مكسيكو في شرحه: «يمكن العثور على اليورانيوم بكمياتٍ صغيرة جداً في أغلب أنواع الصخور والتربة والمياه، لكن العثور على رواسب وكمياتٍ أكبر منه تستحق الاستثمار والتعدين أمرٌ بالغ الصعوبة».
يبدأ المهندسون باستخراج اليورانيوم بشكله الخام من الصخور الحاوية على مركباته عندما يكتشفون مخزوناتٍ كافيةٍ وواعدة في المنطقة، ويقول الفيزيائي «جيري بيترسون» من جامعة كولورادو: «لم يعد هناك حاجةٌ للحفر وتكسير الصخور، فاليوم يتم استخلاص اليورانيوم بترسيبه كيميائياً باستخدام محاليل حمضية بعض الشيء في معالجة الصخور، ثم يُضخ المحلول الناتج -الذي يحوي على مركبات اليورانيوم- ليخرج عبر الثقوب الصخرية القريبة، وبعدها يفصل اليورانيوم منه.
ما هي نظائر اليورانيوم المختلفة؟
يمتلك اليورانيوم عدة نظائر مشعة، أو لتبسيط الأمر- نكهاتٌ مختلفة لنفس المادة، والتي تختلف فيما بينها بالكتلة الذرية فقط (عدد النيوترونات). يمثل «يورانيوم-238»، وهو الأكثر شيوعاً، ما نسبته 99% من اليورانيوم الخام الموجود في الطبيعة، بينما يُعتبر «يورانيم - 234» أقلها انتشاراً وهو ناتج عن تحلل «يورانيوم - 238». كلا النظيرين السابقين غير قابلين للانشطار، أي أن ذراتها لا تنقسم بسهولة ولا يمكن أن يقوما بتفاعلٍ نووي انشطاري متسلسل.
أما النظير «يورانيم-235» فهو مميزٌ جداً بقدرته العالية على الانشطار. لذلك، ومع قليلٍ من التخصيب، يمكن استخدامه في تفاعل الانشطار النووي المتسلسل، ما يجعله مثالياً لمحطات الطاقة النووية وتصنيع الأسلحة النووية. سنتكلم عن ذلك بشيءٍ من التفصيل أكثر لاحقاً.
النظير «يورانيوم-233»، قابل للانشطار، لكن أصله مختلف تماماً؛ فهو يأتي من عنصر الثوريوم -وهو عنصر معدني موجود بوفرةٍ في الطبيعة أكثر من اليورانيوم، وقد اكتشف الفيزيائيون خلال تجاربهم أن «ثوريوم-232» يمكن أن يمتص نيوتروناً واحداً عند تعرضه لسيلٍ منهاً ليتحول إلى «ثوريوم-233»، ثم يتحلل مع الوقت إلى «يورانيوم-233».
ويمكن تحويل اليورانيوم إلى بلوتونيوم أيضاً، تماماً كما يتم تحويل الثوريوم إلى يورانيوم في عملية مشابهة بتفاصيلها. فيمتص «يورانيوم-238» نيوتروناً واحداً عند قذفه بسيلٍ من النيوترونات، ما يحيله إلى «يورانيوم-239»، والذي بدوره يتحلل في النهاية إلى «بلوتونيوم-239»، والذي يعتبر مادة قابلة للانشطار، ويستخدم في محطات الطاقة والأسلحة النووية. يتواجد اليورانيوم بوفرةٍ في الطبيعة، لكن البلوتونيوم لا نراه سوى في المختبرات على الرغم من تشكله طبيعياً إلى جانب اليورانيوم.
كيف نستخرج الوقود النووي من الصخور؟
في الواقع، لا يوجد دليل يشرح استخراج وتكرير المواد النووية بشكلٍ مفصّل، ربما بسبب سرية هذه المعلومات، لكن الفيزيائي بيترسون يُقارب الطريقة جداً بالقول: «بعد استخراج السائل الغني بأكاسيد اليورانيوم من الصخور، يقوم المهندسون الكيميائيون بفصل اليورانيوم عن المعادن الأخرى عبر عدة تفاعلات كيميائية، وبعد أن تجف أكاسيد اليورانيوم الناتجة؛ يتكون مسحوق لونه مثل لون طحين السميد. يطلق على هذا المسحوق المتوسط اسم «الكعكة الصفراء».
تشتري محطات الطاقة النووية هذه الكعكة الصفراء بسعرٍ يتراوح بين 20 - 30 دولاراً للرطل الواحد، وتقوم بخلط المسحوق مع حمض الهيدروفوليك. عندئذٍ يحدث تفاعل كيماوي ينتج عنه غاز. يتم توجيه هذا الغاز نحو جهاز الطرد المركزي ليقوم بفصل «يوانيوم-238» عن «يورانيوم-235». تسمى تلك العملية بـ«التخصيب». وبذلك نحصل على مزيج يورانيوم يحتوي ما نسبته 3 - 5% من «يورانيوم-235»، والذي تحتاجه محطات الطاقة النووية بدلاً من النسبة الموجودة طبيعياً البالغة 0.7%. تبلغ نسبة التخصيب اللازمة لاستخدام «يوارنيوم-235» في الأسلحة النووية نحو 90%.
بمجرد وصول المزيج إلى نسبة التخصيب المطلوبة، يقوم العاملون في محطة الطاقة بإضافة «مهدئ» للنشاط الاشعاعي، مثل الماء، الذي يؤدي إلى إبطاء النيوترونات في اليورانيوم، مما يساعد في إجراء تفاعلات نووية يمكن السيطرة عليها. يبدأ التفاعل المتسلسل عندما يقذف نيوترون واحد في نواة ذرة اليورانيوم ما يؤدي لانشطارها وإطلاق عدد نيوترونات بين 2 - 4 نيوترونات لتكمل التفاعل المتسلسل، وهكذا. أثناء ذلك تتحرر كميات هائلة من الطاقة.
ماذا عن الحقائق الممتعة للمواد النووية؟
يمكنك الإطلاع على عدد يناير/كانون الثاني من مجلةِ «بيولار ساينس» والذي يحمل عنوان «Danger»، حيث تحدث «ديفيد ماير»، العالم في المختبر الوطني شمال غرب المحيط الهادئ في الولايات المتحدة؛ عن عمله في إنشاء قاعدة بياناتٍ لمصادر البلوتونيوم. فقد تبين أن لكل منتجٍ للبلوتونيوم أصل وقصة مختلفين، حيث يقول: «سبب ذلك هو لأنه لا توجد طريقة واحدة لمعالجته. يوجد في الولايات المتحدة موقعين لإنتاج البلوتونيوم. ففي حين تنتج منشأة هانفورد في واشنطن -يقع هناك المختبر الوطني شمال غرب المحيط الهادئ- منتج البلوتونيوم الوسيط ذو اللون البني المصفر، بينما ينتج موقع «نهر السافانا» في آيكون جنوب كارولينا البلوتونيوم المميز باللون الأزرق. يأمل المسؤولون الأمنيون أن تساعد هذه الفروقات الدقيقة، والتي من الممكن أن تتوافق أيضاً مع تغييراتٍ في البصمة الكيميائية أو حجم الحبيبات أو شكل المادة، في تعقب النشاطات النووية المحظورة يوماً ما.
أو ربما يمكنك إبهار ضيوفك بسردٍ تاريخٍ قصير عن استخدام المواد المشعة في أدوات المائدة سابقاً. فقد بدأ تصنيع زجاج اليوانيوم، والذي يُطلق عليه أيضاً زجاج الكناري أو زجاج الفازلين، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. كانت الأصبغة باهظة الثمن قديماً ولا تستمر طويلاً، وذلك قبل أن يقوم الكيميائي البريطاني «ويليام هنري بيركين» بصنع أول الأصباغ العضوية الصناعية، حيث كان يُستخدم اليورانيوم على نطاقٍ واسع لإعطاء الأطباق والمزهريات والنظارات مسحةً صفراء داكنة أو لمعة خضراء. لكن عند وضع هذه الأشياء في ضوء الأشعة فوق البنفسجية، فإنها تتوهج بلونٍ أخضر مصفر فاقع. من حسن حظ محبو القطع الفنية والأنتيكا القديمة والتجّار أن زجاج اليورانيوم ومعظم هذه الأدوات ليست نشطةً إشعاعياً، ولا تشكل خطر على صحة الإنسان.
شيء أخير: نشرت المجلة الطبية «ذا لانست» في مقالةٍ عام 2002 عن الخطر المتعلق باستخدام اليورانيوم المنضب -بقايا النفايات بعد استخلاص «يورانيوم-235»- في الأسلحة الحديثة. صحيح أنها تزيد قدرة القذائف على اختراق أقوى التحصينات، لكن يمكنها أن تشكل خطراً إشعاعياً مميتاً على المدى الطويل، وخطراً على صحة الإنسان.