في 1903، حلق الأخوان أورفيل وويلبر رايت في أول طائرة في كيتي هوك في نورث كارولينا، وكانت طائرتهما مختلفة جذرياً عن الطائرات الحالية، فقد كانت مصنوعة من الخشب والقماش، ولم تكن هناك مقاعد ضمن قمرة قيادة، بل كان على الربان -وهو الشخص الوحيد على متن الطائرة- أن يستلقي منبطحاً على الجناح في العراء، وبالتالي فمن حسن الحظ أن هذه الطائرة لم تحلق لمسافة طويلة أو على ارتفاع كبير.
أما اليوم، فإن معظم الطائرات تُصنع من المعادن، ويجلس الركاب بأمان داخل قمرة مغلقة، وعادة ما تحلق الطائرات على ارتفاع 11 كيلومتراً تقريباً في السماء، ويمكن للطائرات الأضخم أن تقطع نصف المسافة حول العالم. وعلى الرغم من هذه الاختلافات الكبيرة بين الطائرة الأولى والطائرات العصرية، إلا أن جميعها يعتمد على نفس المبادئ العلمية للطيران. ونقدم إليك هنا شرحاً عن كيفية تحليق الطائرة.
يعتمد التحليق على مبدأين أساسيين في ديناميكا الهواء، أو دراسة حركة الهواء حول الأجسام، وهما: الدفع والرفع.
الدفع هو تحريك الجسم إلى الأمام بفعل قوة ما، وتستخدم الطائرات محركاتها النفاثة لتحقيق الدفع؛ حيث يقوم المحرك بشفط الهواء وضغطه ومزجه مع الوقود، ومن ثم إشعال المزيج للحصول على دفعة من الطاقة التي تخرج من المحرك الموجود في نهاية جسم الطائرة، مما يؤدي إلى دفعها للأمام. وتنتج المحركات النفاثة دفعاً قوياً للغاية، يسمح للطائرات بالتحليق بسرعات هائلة تصل إلى 965 كيلومتراً في الساعة، أي أسرع بكثير من السيارات التي تتراوح سرعاتها على الطرقات السريعة ما بين 88 و 120 كيلومتراً في الساعة.
أما الرفع فهو ما يوجه الطائرة نحو الأعلى ويحافظ على وجودها في الهواء. ولإنتاج الرفع فإن الطائرات تعتمد على أجنحتها التي تتمتع بشكل خاص يسمى بالمقطع الحامل، الذي يتميز بمقدمة مستديرة ملساء وقسم خلفي مستدق. وعندما يقوم الجناح باختراق الهواء، تندفع جزيئات الهواء فوقه أو تحته، وبفضل الانتفاخ الأمامي فإن الهواء فوق الجناح يتحرك بشكل أسرع من الهواء تحته. وتؤدي هذه السرعات لجزيئات الهواء إلى تخفيض الضغط الجوي فوق الجناح وزيادته تحته، وذلك وفق ما يسمى بمبدأ بيرنولي. وهذا الفرق في الضغوط هو الذي يؤدي إلى دفع الجناح نحو الأعلى، أي الرفع.
وهناك مبدآن آخران في ديناميكا الهواء في مواجهة دائمة مع الدفع والرفع، وهما: مقاومة الهواء والجاذبية.
تحدث مقاومة الهواء نتيجة إعاقة تدفقه من قِبل الأجسام المتحركة، مما يبطئ من حركتها. ويمكنك أن تشعر بمقاومة الهواء بمجرد مد يدك خارج نافذة سيارة متحركة، حيث تشعر بقوة تدفعها إلى الخلف مع مرور الهواء. وتحتاج الطائرات إلى ما يكفي من الدفع للتغلب على مقاومة الهواء التي تنتجها، ولهذا فهي مصمَّمة للسماح بتدفق الهواء حول الجسم بأقصى انسيابية ممكنة، ومن هنا أتت تسمية ديناميكا الهواء.
أما الجاذبية فهي -كما هو معروف- القوة التي تسحب كل الأجسام نحو الأسفل باتجاه الأرض، ويمكن للرفع أن يتغلب على الجاذبية إذا بلغ مقداراً كافياً، ويعتمد المهندسون الذين يصممون الطائرات على مجموعة من المعادلات لحساب الحجم المثالي للجناح وسرعة الطيران لتوليد المقدار المناسب من الرفع بناءً على وزن الطائرة.
وبوجود هذه القوى المتصارعة، يجب أن تحلق الطائرات بسرعات عالية حتى تبقى في الهواء، وهو أمرٌ جيد، بدلالة أنك إذا ركبت طائرة من قبل، فعلى الأرجح تمنيتَ أن تدوم رحلتك في الطائرة لوقت أطول بعض الشيء.