كيف تُروّض دماغك على الالتزام بقرارات السنة الجديدة

6 دقائق
استغل نقاط ضعفك لمصلحتك

السنة الجديدة هي فرصة مثالية لتغيير حياتك والتخلي عن عادات سيئة، واتخاذ قرارات جديدة للتنفيذ. 

تعتمد الصالات الرياضية، مثل بلانيت فيتنيس، على انضمام الآلاف إليها في بداية العام، ومن ثم توقفهم عن ممارسة الرياضة لاحقاً. ويقوم المشرفون عليها بتسجيل حوالي 6,500 شخص في الصالة الواحدة، على الرغم من أنها لا تتسع إلا لحوالي 300 فقط، وذلك بالاعتماد على تخفيض كلفة الانتساب لإقناعك بألا تلغي الاشتراك الذي لا يتجاوز رسمه الشهري عشرة دولارات، لأنك ستبدأ بممارسة الرياضة في الأسبوع القادم حتماً.

غير أنك لن تفعل هذا على الأرجح. تعتبر اللياقة البدنية وتخفيض الوزن من أكثر قرارات السنة الجديدة شيوعاً، ويعتمد كلا الهدفين على إحداث تغييرات يومية في نظام حياتك. ما يعني تشويش عاداتك اليومية أو استبدالها بعادات جديدة. ومن سوء الحظ، فإننا فاشلون في كلتا الناحيتين.

من سخرية القدر أن صعوبة تغيير العادات يعود إلى براعة أدمغتنا في اكتسابها. نحن مبرمجون لتحويل عملياتنا المتكررة إلى شكل آلي التنفيذ. وهو السبب الذي يجعلك تجد نفسك في مكان عملك بدون أن تفكر في كيفية الوصول إليه، أو يجعلك تمد يدك إلى الحائط حيث مصباح الإضاءة في حمامك على الرغم من أنك في حمام الفندق. وهو أيضاً سبب فشل أغلبية الحميات الغذائية وخطط التمارين الرياضية الجديدة. وما أن نستقر على عادة ما، يصبح تغييرها أمراً بالغ الصعوبة. غير أنه يمكنك أن تسخّر نزعة الاعتياد هذه لصالحك. لنلق نظرة على بعض القرارات الشائعة، مثل تحسين اللياقة البدنية، ونتعلم خطوة خطوة كيف يمكن تحقيق هذا الهدف بتطبيق ما نعرفه عن الدماغ.

  • حول الهدف إلى شكل عددي ثم قم بتجزيئه

ما يجب فعله

الخطوة الأولى هي إعادة صياغة الهدف، وبدلاً من "تحسين اللياقة البدنية" يجب تحويله إلى صيغة محددة يمكن تجزيئها إلى أقسام أصغر وأسهل للتحقيق. اختر شيئاً محدداً ترغب بأن تصبح قادراً على فعله بحلول نهاية ديسمبر 2018، مثل الجري لخمسة أميال، أو تنفيذ عشرة رفعات بالسواعد على قضيب الرفع، أو تنفيذ تمرين القرفصاء (السكوات) مع أثقال تساوي وزن جسمك. يجب أن يكون الهدف طموحاً بدون شك، ولكن يجب أن يكون أيضاً قابلاً للتحقيق. بعد هذا، قم بتجزيء هذا الهدف.

لنأخذ تمرين القرفصاء كمثال. وبفرض أنك تعرف كيفية أدائه بشكل صحيح (وإلا يجب أن تستعين بمدرب شخصي، أو على الأقل تلجأ إلى يوتيوب)، يجب أن تذهب إلى الصالة الرياضية 3-4 مرات أسبوعياً لزيادة الأثقال تدريجياً والوصول إلى الوزن المطلوب، أي وزن جسمك. يجب أيضاً أن تستهلك من البروتين ما يكفي لنمو عضلاتك، أي ما يساوي تقريباً مقدار غرام واحد من البروتين لكل 0.454 كيلوغرام من وزنك، ويمكن أن نختصر هذه المسألة بشرب خليط بروتيني ببساطة. إن العادات اليومية هي الأسرع ترسّخاً، وبالتالي، يمكن أن نقول أنه يجب عليك في كل يوم من الأسبوع أن تشرب خليط البروتين، وتذهب إلى الصالة الرياضية أو تمشي لمسافة طويلة.

لم عليك أن تفعل ذلك؟

إن الأهداف المجردة أسوأ ما يمكن أن نفكر به كقرارات للعام الجديد. قد يبرع الدماغ بابتكارها، ولكنه لن يحسن تحقيقها. من السهل أن ننفذ الروتين اليومي بشكل غريزي بدون تفكير، وبالتالي يصبح من السهل أيضاً أن ننسى أهدافاً مثل "تعلّم شيء جديد" أو "التركيز على الغذاء الصحي". وحتى لو أجبرت نفسك على تنفيذ هذه الأهداف، فمن الصعب أن تشعر بأنك حققت شيئاً ما بشكل فعلي إذا كان الهدف مجرداً. وبدون الإحساس بالإنجاز، لن تشعر بالحافز الضروري لمتابعة تكرار هذا العمل.

حتى تشعر بهذا الحافز، يجب أن تشغّل وظيفة المكافأة في دماغك. تلعب الملاحظات الإيجابية على أدائك دوراً أشبه بالمخدر للعصبونات. وفي الواقع، فإن الملاحظات والآثار الإيجابية تعتبر السبب الأساسي للإدمان على أي شيء، حيث يشتهي الدماغ شيئاً ما يثير فيك إحساساً جيداً، وسيدفعك للبحث عن مصدر هذا الإحساس مراراً وتكراراً. لا يوجد جزء واحد منفرد في الدماغ مخصص لوظيفة المكافأة، حيث أن طريقة عمله أعقد من هذه الأساليب المبسطة، ولكن يمكن أن نقول إن مكافأة واحدة كفيلة بتحفيز عدة مناطق في الدماغ لإطلاق ناقلات عصبونية تؤثر إيجاباً على الدماغ.

للحصول على مكافأة من هدف صحي ما، يجب أن تحرص على الحصول على نتائج إيجابية منتظمة. يجب أن تشعر بشكل متكرر بهذه الإثارة الصغيرة التي تصيبك عندما تفعل شيئاً تفتخر به، شيئاً يمكن أن تعتبره بمثابة إنجاز. والطريقة الأفضل لتحقيق هذا هي أن تقوم بتقسيم هدفك إلى أجزاء أصغر. وكلما كانت هذه الأجزاء أصغر وأكثر تقارباً، كان الأمر أفضل، لأن الصلة تصبح أقوى بين الفعل والمكافأة مع التكرار، وبالتالي، فإن هذه التقوية المستمرة ستجعلك تصل إلى مرحلة الروتين بشكل أسرع.

  • قم بإيجاد صلة بين الهدف وشيء ما تفعله حالياً

ما يجب فعله

بفرض وجود فعلين يوميين جديدين ترغب بتعزيزهما (شرب الخليط البروتيني وممارسة الرياضة). لتحقيق هذا، يجب أن تخصص لهما جزءاً من روتينك اليومي. اختر أحداثاً متكررة تحدث يومياً لتلعب دور علامات تنبيه في نفس الوقت والمكان. قد يعني هذا مثلاً تناول الخليط البروتيني عند غسيل فنجان القهوة الصباحي، أو خلال إعداد البيض للفطور.

أما بالنسبة للتمارين، فيجب أولاً أن تحدد ما إذا كنت تحب الرياضة الصباحية أو المسائية، وهو ما قد يتطلب منك بعض المحاولة والخطأ، ومن ثم يجب أن تعثر على علامة تنبيه مناسبة لتوقيت جسدك. قد تكون لحظة نهوضك من السرير، أو بعد إيصال الأولاد إلى المدرسة، أو عند العودة إلى المنزل من العمل. انطلق إلى الصالة الرياضية، أو إلى نزهة المشي، بأسرع ما يمكن عند هذا التوقيت. لا تتكاسل وتجلس لقراءة الأخبار أو تقول لنفسك أنك ستشاهد حلقة إضافية واحدة فقط من هذا المسلسل الجديد. تحرك فورياً.

لم عليك أن تفعل ذلك؟

لديك عادات يومية راسخة ينفذها دماغك تلقائياً، ولا يحب تغييرها، لأنه يحب الروتين والرتابة، وهو مؤلف من ملايين العصبونات التي تنفذ مهامك اليومية، وتطلق إشاراتها بالتتابع من أجل هذا البرنامج المتكرر.

يعمل الدماغ بشكل أعقد من هذا إن شئنا الدقة، ولكنه ينشئ صلات بين مجموعات من العصبونات عند تكرار أداء فعلين محددين الواحد تلو الآخر. فإذا عملت المجموعة A لتنظيف أسنانك، ستعمل المجموعة B لإدخالك إلى الحمام، ومن ثم يبدأ تشكل وصلات حقيقية بين A و B. وكلما قمت بهذين الفعلين بهذا التتابع، كلما زاد الارتباط المادي بين عصبونات A وعصبونات B. وإذا كررت هذين الفعلين عدداً كافياً من المرات، يجب أن تمنع عصبونات B من العمل بشكل متعمد بعد عصبونات A إذا رغبت بكسر هذا الروتين. وهنا تكون قد وصلت إلى مرحلة الروتين الآلي، حيث يؤدي تكرار فعل معين إلى أن يصبح وظيفة آلية في دماغك.

يجب أن يكون هدفك تحويل العادات الجديدة إلى شكل آلي، ولفعل هذا، يجب أن تربطها مع حدث يومي. ويساعدك وجود علامة تنبيه محددة بشكل متكرر على تشكيل الصلات الجديدة بسرعة. قد تشعر في البداية بأن الذهاب إلى الصالة الرياضية حال وصولك إلى المنزل مهمة بالغة الصعوبة، ولكن في نهاية المطاف، ستجد نفسك ترتدي ثياب الرياضة بدون حتى أن تفكر بالأمر.

  • كافئ نفسك

ما يجب فعله

عندما تعود إلى المنزل من الصالة الرياضية، بغض النظر عن تقييمك لأدائك هناك أو غرابة شعورك، قدم لنفسك مكافأة ذهنية ما. قد تشعر بالسخافة إذا قلت لنفسك أنك فخور بما فعلت، ولكن هذا الأمر نافع حقاً. خذ بضعة دقائق، أثناء الاستحمام مثلاً، للتفكير بالشعور الجيد الذي يغمرك بعد تحقيق هذا الهدف اليومي. فكر بالمستقبل، وكم سيكون من الرائع أن تستمر على نفس المنوال. استمتع بهذا الشعور وستصبح بحاجة إليه، وسيؤدي هذا إلى تحفيزك للاستمرار بتحقيق هذه الأهداف الصغيرة المرحلية.

لم عليك أن تفعل ذلك؟

كلما ترسخت الصلة ما بين الفعل (الذهاب إلى الصالة الرياضية) والمكافأة (الإحساس بالفخر)، يصبح من الأسهل أن تحفز نفسك على تأدية الفعل. وكما في حالة تجربة بافلوف، يبدأ دماغك بتوقع الحصول على المكافأة فورياً بعد إشارة معينة. في هذه التجربة، كان لعاب الكلب يسيل لدى سماع الجرس، وبشكل مشابه، سيبدأ دماغك بإطلاق النواقل العصبونية الإيجابية ما أن تبدأ بالتدريب. وفي نهاية المطاف، تصبح الرياضة نفسها كافية للحصول على مكافأة، ولن تضطر حتى للثناء على نفسك بشكل مقصود.

  • تابع على نفس المنوال لمدة 66 يوماً

ما يجب فعله

يجب أن تتوقع فترة عصيبة ستدوم لشهرين. وبفرض أنك لا ترغب بالذهاب إلى الصالة الرياضية أو لا ترغب بإعداد الخليط البروتيني، قل لنفسك أنك ستحاول مقاومة هذا الإحساس. وإذا اضطررت، قل لنفسك أنك ستتوقف بعد شهرين إذا كنت ما تزال تكره ممارسة الرياضة. حاول بكل الوسائل ألا تكسر هذه العادة ضمن هذه الفترة، ومن المرجح أنك ستتعود على الروتين الجديد بحلول نهايتها.

لم عليك أن تفعل ذلك؟

يتطلب ترسيخ عادة جديدة لدى معظم الناس فترة وسطية تقدر بستة وستين يوماً تقريباً، ولكن هذا الرقم قد يتراوح بين 18 و 120 يوماً. وهي الفترة اللازمة لدماغك لتشكيل صلة قوية بما يكفي لتحويل هذه الأفعال إلى شكل آلي. نعود ونكرر أنك كإنسان غير قادر على التغير بشكل فوري، حيث أن تصميمك يقوم على تكرار نفس الأفعال التي حافظت على وجودك حتى اللحظة. ولإحداث التغير المتعمد، تحتاج إلى التزام طويل الأمد لإعادة برمجة دماغك. قد تكون من الأشخاص الذين يحتاجون إلى بضعة أسابيع فقط لترسيخ عادة جديدة، أو قد تحتاج إلى بضعة أشهر، ولكن كن على ثقة بأنك ستحقق هدفك في نهاية المطاف، لأن دماغك لا يختلف عن بقية الأدمغة التي تحب الروتين.

قد تبدو هذه المهمة صعبة، ولكن فترة شهرين ليست شيئاً يذكر ضمن سياق حياتك. وما أن تغير من عاداتك، سيصبح كسر العادات الجديدة بصعوبة اكتسابها.

المحتوى محمي