النص التالي مقتطف من كتاب "فيزياء حرب النجوم: العلم الذي يقف وراء مجرة بعيدة للغاية" لمؤلفه باتريك جونسون، حقوق الطبع: 2017 آدامز ميديا، قسم من مؤسسة سيمون وشوستر.
هان سولو: "لقد خدع لاندو أحدهم وأقنعه بالخروج" (الحلقة الخامسة من سلسلة أفلام حرب النجوم)
الزمان: الحلقة الخامسة، مباشرة بعد الهروب من كوكب هوث
المكان: بيسبين، مدينة الغيوم
الشخصيات: لاندو كالريسيان، هان سولو، ليوك سكايووكر، الأميرة ليا أورجانا، الروبوت سي 3 بي أو، الروبوت أر 2 دي 2، تشيوباكا، دارث فيدر، لوبوت، بوبا فيت
المفاهيم الفيزيائية: مقاومة الهواء، المدارات
مقدمة قصيرة/ بعض المعلومات المسبقة
يتخيل مؤلفو الخيال العلمي مدن المستقبل وهي تحوم في السماء (مثل مسلسل ذا جيتسونز). وقد يعود هذا إلى المخاوف بأن الحياة على الأرض ستصبح مستحيلة يوماً ما. وفي المستقبل القريب، يمثل التغير المناخي أكبر مصدر للقلق لدينا، أما على المدى البعيد، فلدينا الكثير من الأسباب التي قد تدعونا لتغيير مكان إقامتنا. وبما أن الكواكب الأخرى أقل ألفة معنا من الأرض، فمن المنطقي أن نتخيل وجود بيئة مثالية ويمكن التحكم بها، مثل موطن يطوف في السماء. هل هذا ممكن؟
الخلفية الدرامية
رأينا في حرب النجوم مثالاً نموذجياً من الخيال العلمي عن مدينة طائرة: مدينة الغيوم. ولهذه المدينة تاريخ مميز. فقد تم تصميم هذه المدينة، والتي تحوم فوق سطح كوكب بيسبين، لاستخلاص غاز تيبانا بدلاً من توفير الإقامة للسكان المشردين. ويستخدم غاز تيبانا في العديد من التقنيات التي ظهرت في عالم أفلام حرب النجوم، مثل أسلحة الأشعة والنفاثات النبضية. وبما أن هذه المدينة تعتبر من المصادر القليلة لهذا الغاز، فهي تنعم بنجاح اقتصادي بفضل عمليات استخلاص الغاز فيها. هل من الممكن استخلاص الغاز من كوكب غازي عملاق؟ وماذا سيحدث إذا تم استخلاص كامل غازات الكوكب؟
فيزياء حرب النجوم
من الصعب للغاية بل والمكلف هو إبقاء مدينة كاملة في حالة تحليق دائم فوق كوكب ما. ومن المرجح أن أفضل طريقة لتحقيق هذا هي أن توجد المدينة في مدار منخفض للغاية فوق الكوكب. وللبقاء ضمن هذا المدار، يجب على المدينة أن تتحرك بسرعة كافية لمجاراة دوران الكوكب. وإذا تمكنت المدينة من الحركة بهذه السرعة، ستبقى ضمن هذا المدار ولن تقع باتجاه الكوكب. في الواقع، فإن أي جسم في المدار يعتبر في حالة وقوع دائمة، غير أنه يتحرك إلى الجانب بسرعة كافية للبقاء بعيداً عن سطح الكوكب.
لماذا يعتبر هذا الحل هو الأبسط؟ لنفكر بالصعوبات التي تواجه عملية التحليق في مكان ثابت فوق سطح الكوكب. ولنفترض، بهدف التسهيل، أن المدينة على شكل كرة شديدة التفلطح بعرض حوالي 20 كيلومتراً وارتفاع حوالي 5 كيلومتراً، وبهذا يمكن أن نأخذ فكرة تقريبية عن القوى المختلفة اللازمة للمحافظة على ارتفاع مدينة الغيوم. ولنفترض أيضاً أن طبقة الهواء التي تحلق مدينة الغيوم ضمنها تتمتع بنفس كثافة الهواء قرب سطح الأرض. وأخيراً، لنفترض أن قطر الكوكب يبلغ حوالي 118 ألف كيلومتر، كما يشار إليه في أغلب الأحيان ضمن الأفلام.
بأخذ هذه الافتراضات بعين الاعتبار، يجب أن تتحرك المدينة في مدارها حول الكوكب بسرعة 86904.5 كيلومتراً في الساعة. عادة ما تتحرك الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض بحوالي ثلث هذه السرعة، وبالتالي فهي سرعة عالية، ولكنها ليست خارقة للطبيعة. أما قوة مقاومة الهواء التي تؤثر على جسم بحجم مدينة الغيوم بهذه السرعة ضمن الهواء فتساوي تقريباً 29.98 مليار مليار نيوتن، أي حوالي سُبع قوة الجاذبية بين الأرض والقمر.
لنقارن هذا مع القوة المطلوبة لرفع مدينة الغيوم. إذا افترضنا أن المدينة مصنوعة بالكامل من الفولاذ (للحصول على مقادر تقريبي للقوة المطلوبة)، فإن القوة المطلوبة ستكون حوالي 170 مليون مليار مليار نيوتن، أو حوالي عشرة آلاف ضعف قوة الجاذبية ما بين الأرض والشمس.
على الرغم من أننا بسطنا المسألة إلى حد كبير، فإن قوة الرفع أكبر من قوة مقاومة الهواء بعشرة ملايين ضعف. ما يشير بوضوح إلى أن وضع المدينة في المدار أكثر سهولة من جعلها تطير في مكان واحد. بالطبع، فإن وضع مدينة في المدار يؤدي إلى ظهور مجموعة جديدة من المشاكل، مثل معرفة مكانها كلما رغبت بزيارتها.
إذا تجاهلنا صعوبات بناء المدينة ووضعها في المدار، ألن يؤدي استخلاص الغاز إلى مشكلة في نهاية المطاف؟ حيث أنه يؤدي إلى تناقص كتلة الكوكب شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت. والجواب المختصر هو نعم، يمكن أن نقوم باستخلاص كامل كتلة الغاز التي يتألف منها الكوكب.
مع استمرار عملية استخلاص الغاز، سينتج تناقص تدريجي في كتلة بيسبين ونصف قطره للحفاظ على كثافته بشكل تقريبي. وبسبب تناقص حجم الكوكب، تصبح قوة جاذبيته أضعف فأضعف. وبهذا، ستتناقص القوة اللازمة لرفع المدينة والقوة اللازمة لإبقائها في المدار. وفي المحصلة، ستصبح كتلة المدينة أكبر من كتلة الكوكب، وبهذا سيدور ما تبقى من غازاته حول المدينة، والتي ستبدأ بدورها بالدوران حول أقرب نجم.
الفيزياء في الحياة الواقعية
تبدو فكرة مدينة الغيوم بعيدة المنال بعض الشيء، ويوجد لهذا العديد من الأسباب الوجيهة. وحتى لحظة تأليف هذا الكتاب، لا توجد مدن طائرة حول الأرض، ولكن يوجد مأوى مصمم ليتسع لبضعة أشخاص في محطة الفضاء الدولية التي تدور حول الأرض. وكما في حالة محطة الفضاء، فلو كانت مدينة الغيوم في المدار فعلياً، فسوف يكون كل شيء فيها عديم الوزن، لأن كل شيء فيها يعتبر أيضاً في المدار. ولكن على عكس مدينة الغيوم، لا توجد جاذبية اصطناعية في محطة الفضاء الدولية، ولهذا فإن جميع الأشخاص والأشياء ضمنها في حالة انعدام الوزن. وهذا لأن كل شيء ضمن المحطة يتحرك في المدار مثل المحطة نفسها. أما المفاهيم الأخرى التي تتعلق ببنية المدينة فهي أقل بعداً عن الواقع.
قامت ناسا في الواقع بدراسة فكرة إنشاء منجم طائر فوق أحد الكواكب العملاقة الغازية لاستخلاص غازاته. وفي تقرير قدمته ناسا في 2015، يصف بريان بالاسيوسكي الأساليب ووسائل النقل التي يمكن استخدامها لاستخلاص الغاز من الكواكب البعيدة في النظام الشمسي. ويصف بشكل دقيق المركبات الطائرة غير المأهولة التي ستستخلص غاز الهيليوم من الغلاف الجوي لنبتون وأورانوس قبل العودة إلى السفن الرئيسية التي تدور حول الكواكب لتسليم حمولتها. ومن أكثر النواحي إثارة للاهتمام في هذا التقرير اقتراح أن تقوم المركبات باستخلاص الهيدروجين إضافة إلى الهيليوم، وذلك لاستخدام الهيدروجين في الصواريخ الاحتياطية لمركبة النقل. أي أن المركبات ستتمكن من إعادة تعبئة نفسها بالوقود أثناء العمل.
أجريت بعض عمليات الاستكشاف للكواكب البعيدة في النظام الشمسي لتحديد الجدوى الاقتصادية من استخلاص غازاتها. وحتى اليوم، لا نعرف الكثير عن الغلاف الجوي أو المكونات لهذه الكواكب، ولكننا أجرينا بعض القياسات المثيرة للاهتمام عن طريق مسبار جاليليو الذي أطلق في 1989. حيث التقط جاليليو، أثناء دورانه حول المشتري، بعض الصور والقياسات للسطح والغلاف الجوي للكوكب.
من أهم ما التقطه المسبار جاليليو أثر اصطدام المذنب شوميكر- ليفاي 9 مع المشتري في 1994. وقد بلغ قطر بعض أجزاء هذا المذنب حوالي كيلومترين، وقد ارتطمت بالمشتري بسرعة 215.652 ألف كيلومتراً في الساعة. ويعتبر هذا التصادم الحدث الأكثر كارثية في التاريخ المعروف للنظام الشمسي. لقد تسبب ارتطام الكتلة G من المذنب مع سطح الكوكب بإطلاق طاقة تساوي حوالي ستمائة ضعف من كامل مجموع الأسلحة النووية على الأرض في لحظة واحدة. وترك حفرة على سطح المشتري بعرض حوالي 12 ألف كيلومتراً، وما تزال مرئية حتى اليوم.