في علم الوراثة، أحياناً يكون "1+1=0". فالجينات التي يجب أن تعمل عادة بالتنسيق فيما بينها، وكل جين يعزز من تأثير الآخر، قد يلغي بعضها أحياناً وجود الآخر. وقد بحثت دراسة جديدة نشرت في مايو 2017 في مجلة سيل بريس Cell Press في الطفرة الوراثية التي أنتجت لنا الطماطم المستأنسة الحديثة، ملقية بعض الضوء على كيفية حدوث هذه الإلغاءات، وكيفية استخدامها في الوصول إلى طماطم أكثر إنتاجية.
نتجت الطماطم الحديثة من طفرة نشأت على الأرجح مع انتشار الزارعة قبل حوالي 8-10 آلاف سنة. فقد كانت الطماطم القديمة أصغر وأكثر قتامة، وأكثر شبهاً بالتوت. وقد سمحت هذه الطفرة بتطور ثمار أكبر أدت إلى ظهور الطماطم الضخمة التي نعرفها اليوم. وتملك كل أنواع الطماطم -بما فيها الأصناف التي أصبحت جزءاً من الماضي- هذه الطفرة.
وفي الخمسينات من القرن الماضي، تم اكتشاف طفرة ثانية تدعى طفرة "الثمار سهلة القطف" في منتجات mmm mmm good fields التابعة لشركة Campbell’s Soup. وقد لفتت هذه المنتجات الناتجة عن هذه الطفرة الأنظار، لأنها أزالت الانحناء الذي يشبه مرفق اليد في الساق الذي يحمل ثمرة الطماطم. وكان لهذا الأمر فائدتان، الأولى هي أنه سيقلل من احتمال انفصال وسقوط الثمرة على الأرض وانخداشها وفسادها وجعلها غير صالحة للأكل، والثانية هي أنه سيسهل حصاد الطماطم بالقطافات الآلية. فإذا ما قام المنتجون بدمج الطماطم ذات طفرة الثمار سهلة القطف مع الطماطم الكبيرة والوفيرة، فسنحصل على طماطم أكثر إنتاجية. ولكن عندما دمج المنتجون هاتين الطفرتين لم يحصلوا على الطماطم الكبيرة والجميلة عديمة الساق كما كانوا يتوقعون. وبدلاً من ذلك، فإن هذا الدمج أدى للحصول على نبات عديم الساق ولكنه كثير الفروع والأزهار بدرجة أكبر بكثير من قدرة النبات على إنتاج الطاقة التي سيستخدمها في إنتاج الثمرة. ولذلك فقد كانت النتيجة النهائية هي طماطم أقل وفرة.
يقول زاكاري ليبمان، عالم الأحياء النباتية في مختبر كولد سبرينغ هاربور: "إن الجينات التي تحدد الصفات هي في كثير من الأحيان عناصر في العائلات الجينية التي تعمل معاً في النبات الطبيعي، وتتجه نحو تحديد صفاته". وإذا كان لديك طفرة في جين واحد تؤثر في نمو وتطور صفة ما، فقد تنشأ طفرة ثانية تساهم في نفس تلك الصفة بدلاً من تحسينها. وهي مع ذلك تجعل هذه السمة أسوأ. يُعرف تأثير الجينات بعضها في بعض باسم التفوق، وهو نوع من الإلغاء الذي يصفه ليبمان -الذي شهد عملية الدمج بين طفرة الطماطم سهلة القطف مع الطماطم الأصلية- بأنه تفوق سلبي. وهو لا يقتصر على الطماطم وحدها.
يقول ليبمان: "هناك أمثلة رائعة تعود إلى عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، حيث قام الناس بعمل تصالب بين نباتات التبغ للحصول على أصناف هجينة. ولكن الصنف الهجين، وبدلاً من أن يظهر تأثيراً قوياً كما تتوقعه وتأمل فيه عندما تقوم بالتهجين، يقوم فعلياً بعمل استجابة مناعية ذاتية. وستبدأ النباتات بالذبول وتموت كما لو كانت تتعرض لهجوم من بعض العوامل المرضية، رغم عدم وجود هذا الهجوم".
وبالرغم من أن المنتجين كانوا قادرين في النهاية على دمج الطفرتين، فإن القضية كانت عشوائية نسبياً. وبدراسة العلاقة الجينية الكامنة بين ظهور الفروع والإزهار، كان ليبمان وفريقه يأملون في التوصل إلى فهم أفضل لسبب حصول تأثير هذا الإلغاء. كما كانوا يأملون في إنتاج طماطم أكثر توازناً بقليل، تكون الفروع والأزهار فيها أقل، بحيث لا تكون عبئاً على النبات. وهو ما كانوا قادرين على فعله تماماً.
فكّر في الجين على أنه جرعة. فلكي تحصل على تفرع طبيعي، فأنت بحاجة إلى أربع جرعات من الجينين: جرعة لكل نسخة من الجين، حيث يوجد نسختان من كل جين في الحمض النووي للطماطم. ولكن إذا كان لديك طفرتان تعملان معاً فإنهما تلغيان هذه الجرعات، كما لو كان نبات الطماطم لا يملك أي نسخة من الجين. يقول ليبمان: "إذا فقدت كل الجرعات الأربع بسبب وجود الطفرات في الجينين، فسيحدث هذا التفوق السلبي، وسيكون هناك الكثير من الأزهار، وستواجه مشكلة في الخصوبة. ولكن إذا فقدت جرعة واحدة فقط، فسوف تحصل أيضاً على نبات مزهر متفرّع، ولكن ولأنه ما يزال لديك ثلاث جرعات من الجين، فلن يكون الأمر بالسوء الذي كان عليه عندما فقدت الجرعات الأربع".
يمكنك الحصول على الجرعات الثلاث من خلال عمل التصالب بين النباتات الطافرة، ولكن عليك أن تعرف مبادئ الوراثة الكامنة وكيف تعمل الجينات معاً. وأقرب تشبيه للأمر هو الطبخ: فإذا فهمت خصائص النكهة العامة للطعام، ستعرف ما هي النكهات التي تعمل معاً، وما هي النكهات التي تلغي النكهات الأخرى. وبفهم الوراثة الكامنة للطماطم، كان ليبمان قادراً على فهم خصائص الجينين الطافرين، وإنتاج طماطم ذات إنتاجية أعلى.
يعتقد ليبمان أن هذا النوع من التفوق السلبي لا يحدث فقط في الطماطم، وأننا كلما بحثنا في الأمر أكثر سنكتشف المزيد من الحالات المفاجئة. يقول ليبمان: "إن أكثر ما يثير الدهشة هو أن الطفرة التي تعود إلى ثمانية آلاف سنة كانت منتشرة على نطاق واسع في أصناف الطماطم الحديثة، بحيث أنه وعند اكتشاف الطفرة الثانية في الخمسينات والستينات، وعندما أراد المنتجون العمل عليها، واجهوا هذا العائق، وهو الطفرة القديمة. لقد كانت الطفرة القديمة أقرب الجينات صلة بالطفرة الحديثة. وتوضح هذه الحقيقة بجلاء كيفية عمل التطور والاستئناس والتناسل.