لديك الكثير لتعلمه لأحفادك، وهو ما قد يفسر سنّ اليأس

3 دقائق
بمساعدة جدتهم، ربما يحظى هؤلاء الأطفال بمزايا تطورية

ما هو المشترك بين البشر والحيتان القاتلة والحيتان المرشدة؟ المفاجئ هو أن الجواب هو سن اليأس. ولكن العلماء لم يحددوا بعد سبب وجود هذه الظاهرة. وإذا كان الغرض من التطور هو التأكد من أننا نتجاوز جيناتنا بالفعالية القصوى، فلماذا إذاً تتوقف النساء عن الإنجاب بعد سن معين.

وربما تُلقي دراسة جديدة نشرت في يوليو في مجلة "المجلة الشعبية للعلوم- علم الأحياء الحاسوبي" بعض الضوء على تطور سن اليأس عند البشر. وقد اكتشف الباحثون باستخدام نماذج حاسوبية، أن قدرة النساء الأكبر سناً على ممارسة دور الجدات -بمعنى تكريس خبراتهن لأحفادهن- واستخدام قدراتهن المعرفية في دعمهم قد تكون حاسمة في تطور سن اليأس.

وتشير الفرضيات الحالية إلى أن انقطاع الطمث يحمي البشر من الحمل الخطير في سن متقدمة (فرضية الأم)، أو قد يسمح للأمهات الأكبر سناً باستثمار طاقاتهن في دعم بقاء أحفادهن (فرضية الجدة). وقد اختبرت هذه الدراسة الفرضيتين، فضلاً عن نموذج رأس المال المجسَّد، الذي يشبه فرضية الجدة، إلا أنه يشير إلى أن الفائدة الرئيسية المقدمة للأحفاد هي فائدة معرفية، حيث يمكن للأجداد تعليم أحفادهم الخبرات التي ستساعدهم على البقاء.

تقول كلارا إيم المؤلفة الرئيسية للدراسة وزميلة ما بعد الدكتوراه في جامعة مونبيلييه: "العمليات المعرفية مهمة جداً في تطور سن اليأس. وهناك فائدة مباشرة لها، فعندما يستثمر المرء في التنمية العصبية في أي مرحلة من مراحل الحياة، فسوف يُراكم المزيد من الخبرات والتجارب بحيث تصبح أكثر إنتاجية من ناحية استخلاص الموارد من البيئة".

وقد استخدم الباحثون شبكة عصبية اصطناعية مكونة من منظومة حواسب تعمل مثل الأدمغة وتستطيع التعلّم. وبالنظر إلى أمثلة المدخلات والمخرجات، يمكنهم معرفة القاعدة التي تربط بين الاثنين. فكانوا -على سبيل المثال- يستخدمون أحياناً خاصية التعرف على الوجوه (كما يحدث أحياناً مع الفيسبوك الذي يشير إليك في إحدى الصور)، حيث يتعلمون إنشاء قوالب من ملامح الوجه الهامة على أساس أمثلة لوجوه مختلفة.

استخدمت إيم الشبكات العصبية لأنه من غير الممكن دراسة ظروف بروز سن اليأس عند البشر. ولا يمكنك مقارنة الحالات الفردية مع سن اليأس أو بدونه إذا كان كل شخص مصاباً به. ولكن الشبكات العصبية تعمل لأنها -مثل التطور- مصممة لاتخاذ أفضل قرار للبقاء على قيد الحياة.

تقول إيم: "إنها عملية اصطفاء طبيعي مع محاكاة الحاسوب. وبفضل هذه العملية أصبح بالإمكان مراقبة التطور".

وقد اهتمت شبكات إيم العصبية بالخصائص كالظروف المعرفية والجسمية للمرأة، وما إذا كان لديها أطفال وأحفاد أم لا. ومن هنا، فإن النموذج تنبأ بكيفية تغير الظروف الجسمية المعرفية للمرأة، وما إذا كانت ستكرس مواردها للإنجاب، والاعتناء بأطفالها، أو لمجرد البقاء. ولاختبار كل من الفرضيات الفردية، قام الباحثون بتعديل المتغيرات في الشبكة العصبية. على سبيل المثال، لاختبار ما إذا كان النموذج يدعم فرضية الجدة، أزالوا المتغيرات التي تسمح للمرأة بتقديم دعم إضافي للأولاد الذين لديهم المزيد من الأولاد تلقائياً.

ويبدو أن النتائج تشير أساساً إلى عمل الجدة والقدرة المعرفية كأسباب أساسية لسن اليأس، وهذا انتصار لنموذج رأس المال المجسد. وعندما منع نموذج الشبكة العصبية النساء من العناية بأحفادهن -أو لنقل إن الموارد المعرفية لم تؤثر بخبرات الأحفاد- فإن سن اليأس لم يتطور، واستمرت النساء في التكاثر في سن متأخر.

وترى لورينا مادريجال، الأستاذة في جامعة جنوب فلوريدا، والتي لم تشارك في الدراسة الجديدة أن النماذج من الناحية الحاسوبية سليمة. ولكنها ليست مقتنعة بمطالباتها التطورية والبيولوجية. وتقول: "أساليبها جيدة في الإجابة على سؤال مختلف".

وقد لاحظت أن النموذج الحاسوبي لا يأخذ بعين الاعتبار العوامل البيئية -التي تصف البيئة التي يحدث فيها التطور، أو الأنواع المعنية- وأن القيود على بعض العوامل قد لا تكون مناسبة في كل المجتمعات. فعلى سبيل المثال، تعمل مادريجال مع مجتمعات غير غربية حيث تقول إن المعتاد فيها هو إنجاب أطفال أكثر بكثير مما يسمح به نموذج إيم.

يقول مادريجال: "أود أن أرى المزيد من البحوث العابرة للثقافات والبحوث الأكثر حداثة"، مشيرة إلى أن النتائج المتباينة بين الدراسات قد تنبع من بيئات وفترات زمنية متباينة. وتضيف: "أود أيضاً أن أرى المزيد من الانفتاح على إمكانية أنه يجب عدم الاقتصار على فرضية الجدة أو فرضية الأم أو نموذج رأس المال المجسّد".

وتعترف إيم بأن هناك قصوراً في نموذج الشبكة العصبية الذي استخدمه فريق الدراسة. فهو على سبيل المثال، لا يحاكي إلا النساء. ولذلك فهي تأمل أن توسع الدراسات المستقبلية هذا النموذج ليشمل الرجال، وهو ما سيمكن الفريق من دراسة فرضيات أخرى تربط سن اليأس بعوامل عائلية خارج ذرية الأم. وتقول إنها تأمل أن تتابع الترويج للشبكات العصبية الاصطناعية كوسيلة للإجابة على أسئلة أخرى في علم الأحياء التطوري.

المحتوى محمي