يوجد نوعان من الناس فيما يتعلق بيوم الجمعة السوداء (يوم الجمعة الذي يلي عيد الشكر في الولايات المتحدة، حيث تعلن المتاجر الكبرى عن تنزيلات بمناسبة بدء موسم التسوق لعيد الميلاد): من يقفون في الطابور في انتظار فتح الأبواب، ومن يعتقدون أن النوع الأول فاقد لعقله. إذا كنت من النوع الثاني، فقد تمضي صباح الجمعة وأنت تتفرج على الفوضى في الأخبار مستغرباً. لكن لا تتسرع في الحكم على هؤلاء الأشخاص.
تقول كيت يارو، أخصائية بعلم النفس في مجال الاستهلاك في جامعة جولدن جيت، ومستشارة نفسية للمتاجر التي تتعامل مع هذا النوع من المستهلكين: "ما يساء فهمه بخصوص الجمعة السوداء هو أن الناس يذهبون إلى التسوق لأسباب مختلفة". وتشرح يارو أننا نميل للافتراض أن الجميع يسعون ببساطة للحصول على عرض شراء جيد، لأن هذا الأمر هو القاسم المشترك في جميع نشاطات الجمعة السوداء. غير أنها تحدثت مع الزبائن المستعدين للانتظار في الطوابير لساعات طويلة، ووجدت أن بعضهم لا يفعل هذا من أجل الحسومات والعروض.
تقول يارو: "يتسوق الناس ببساطة لأن هذا ما نشأوا عليه، فالتسوق يعتبر إلى حد كبير أحد التقاليد السائدة في المجتمع، والتي يعتاد عليها الفرد منذ الصغر". وعلى غرار الذين يقفون خارج المتاجر في انتظار الحصول على حذاء نايكي الجديد، أو أحدث منتجات آبل، يقف متسوقو الجمعة السوداء طوعاً وبملء إرادتهم في الطابور خارج المتجر منذ الساعة الخامسة صباحاً. وبالنسبة للكثيرين، ليس التسوق بحد ذاته مهماً، بل يستمد أهميته من كونه نشاطاً عائلياً.
تقول يارو: "أثناء التسوق، يختلط الكثيرون مع آخرين من شرائح مختلفة عنهم في المجتمع. وقد يبدو الذهاب إلى التسوق الأمر الوحيد الذي يتفق عليه الجميع، ويمكن للجميع القيام به". وهو نفس السبب الذي يجعل مشاهدة الأفلام نشاطاً رائجاً يوم الجمعة السوداء. يقوم الناس بنفس النشاطات الأساسية كل سنة لأنها نشاطات تجمع كل أفراد العائلة. تتابع يارو: "إنه أقرب ما يكون لتقليد عائلي. وتشيع في الأجواء روح احتفالية تذكر بالتخييم، وتختفي هذه الروح مباشرة بعد اختفاء آخر نظام ألعاب إكس بوكس عن رفوف المتجر".
أما بالنسبة للبقية، الذين يسخرون من المنتظرين الذين استيقظوا قبل زقزقة العصافير للوقوف في الطوابير، فقد يسوء حالهم لاحقاً. لأن أغلبنا سيذهب إلى المجمعات التجارية في نهاية المطاف، عاجلاً أو آجلاً. لقد أتى الجمهور الصباحي إلى المتجر للمشاركة في نشاط مجتمعي، وتقليد مشترك، وأمضي الكثيرون منهم وقتاً ممتعاً. لقد جاءوا بكامل الاستعداد للتسوق، مع قوائم للمشتريات ومخطط لإمضاء النهار، وليس لديهم مشكلة مع الازدحام وكثرة المتسوقين. ما يزيد من الصعوبات التي يواجهها من يرغبون فعلاً بالتوفير والاستفادة من العروض.
تقول يارو: "إذا لم تكن قادراً على الاستمتاع بالحيوية التي ينبض بها المجمع التجاري، فأنت بدون شك أكثر عرضة للانقياد إلى العروض". وقد تجد نفسك محاصراً ما بين التوتر الذي تسببه كثرة الناس، واليافطات التي تعرض عليك قطعة مجانية مقابل كل قطعة تشتريها، وتفكيرك بأنك لا تعرف ما الهدية التي ستشتريها لوالدك بمناسبة عيد الميلاد. وفجأة، ستجد نفسك وقد اشتريت كنزة لست متأكداً حتى من أنها ستعجبه، لمجرد أنها خاضعة لحسم بقيمة 60%، وتجد نفسك بالنهاية تدفع مبلغاً يتجاوز 200 دولار كثمن لجميع مشترياتك، فقط من أجل الحصول على هذا الوشاح المجاني، وهو ما بدا لك حينها قراراً سديداً.
تم إعداد هذه العروض بعناية لتؤثر على قراراتنا، ويدرك خبراء البيع بالتجزئة أن مجرد ذكر كلمة (مجاني) يكفي لجذب المستهلكين فورياً. اشتر قطعة واحصل على قطعة مجاناً، احصل على هدية مجانية، الشحن مجاني إذا اشتريت على الأقل بمبلغ كذا. ما أن نرى هذه الكلمة، حتى نقع في فخ الشراء. ويبدو أن الناس مستعدون لإنفاق الكثير للحصول على شيء ما مجاناً. ولهذا، فإن كل متجر تقريباً سيعرض شيئاً مجانياً يوم الجمعة السوداء، كما تشرح يارو. هذا الأمر فعال ببساطة. تقول يارو: "سينفق المتسوقون مبلغ 50 دولار إضافياً لمجرد الحصول على شحن مجاني. بل يوجد من يشترون أحمر شفاه لا يعجبهم لمجرد الحصول على هدية لا يرغبون بها فعلياً".
نصل هنا إلى أهم نصيحة من يارو: قلل من مشترياتك. وستقوم يارو شخصياً، هذه السنة، بشطب نصف قائمة مشترياتها، وتلغي جميع الهدايا الرمزية التي كانت ترسلها لأشخاص لم تعد تتحدث معهم على الإطلاق. لا يعني هذا أنه يجب أن تهمل أقاربك ومعارفك تماماً، كما تقول يارو، حيث أنه يمكنك أن تعبر عن مودتك لأحد الأشخاص بالكثير من الطرق بدلاً من شراء هدية على عجل. وتعتقد يارو أن الكثيرين يشعرون بالراحة إذا تمكنوا من الخروج من الحلقة المفرغة لتبادل الهدايا، والاتفاق بدلاً من هذا على الاستمتاع بقضاء المزيد من الوقت مع بعضهم البعض. تقول يارو: "لقد سئمت، شأني شأن الكثيرين، من التفكير بالهدايا التي قد يرغب بها الآخرون، أريد أن أفكر بأفكار جديدة مغايرة".
تقول يارو أن العديد من المستهلكين الذين تحدثت معهم يشاركونها الإحساس نفسه، حيث تغرقهم جميع المتاجر بنفس المعروضات الرخيصة، ما يدفعهم في النهاية لشراء هدايا غير مرغوبة ممن سيتلقوها.
وعلى الرغم من أن يارو تسمع نفس الكلام باستمرار، فإنها تلاحظ أن هؤلاء الأشخاص يتسوقون سنوياً بنفس الطريقة على أي حال. وتقول: "يندفع الناس نحو العروض مدفوعين بحماسة اللحظة. جميعنا نبحث عن وسائل للتخفيف من التوتر الذي نعاني منه، ولهذا نشتري شيئاً جديداً لنسعد أنفسنا قليلاً".
يدفع التوتر بالناس إلى التسوق، ومن السهل أن نخفف عن أنفسنا بوشاح جديد أو مقلاة جميلة، ومع كل الضغوطات التي ترافق الزيارات العائلية والعروض الكبيرة، فمن السهل أن نقع في جميع الأفخاخ التي تنصب لنا في المتاجر.
إليكم الاستراتيجية التي تنصح بها هذه الأخصائية بعلم النفس: اصطحب معك قائمة. تقول يارو أن القوائم فائقة الأهمية، حدد ما تريد شراءه، وأضف شيئاً لنفسك أيضاً. يمتاز مسؤولو متاجر التجزئة بالذكاء، وسيضعون الكثير من الأغراض الجذابة والأشياء الجميلة التي ستفاجئك. إذا ذهبت إلى هناك معتقداً أنه لا يمكنك أن تشتري لنفسك شيئاً، ومن ثم استسلمت للمغريات، فسوف تفتح على نفسك باباً لا يمكنك إغلاقه. وما أن تشتري زجاجة العطر، ما الذي يمنعك من شراء بنطال جديد أيضاً؟ تشرح يارو: "إذا اخترت لنفسك هدية ووضعتها على القائمة، ستفكر بها جيداً". وبالتالي، ستجد نفسك مضطراً للاختيار بين تلك القفازات وهذه الأحذية.
العنصر الأساسي هنا هو إدراكك أنك في موضع السيطرة، وستكون معرضاً للإفراط في الإنفاق إذا شعرت أنك فقدت السيطرة على نفسك أو أنك غير قادر على تمالك دهشتك، كما لو أنك ترزح تحت وطأة كل هذه العروض. أما بوجود قائمة مشتريات وبوجود خطة واضحة، ستشعر أنك في موضع الاختيار. سيطر على نفسك في يوم الجمعة السوداء، واستفد من بعض العروض الجيدة أيضاً.