على الرغم من أن الحساسية تؤثر على 50 مليون شخص أميركي تقريباً، إلا أنها ليست مفهومة بشكل جيد. ويمكن أن تتراوح العوامل المسبّبة للحساسية والتي تُثير الجهاز المناعي من أشعة الشمس إلى البصل، ويمكن أن تختلف أعراض النوبات بشكل كبير. ولهذا السبب، سوف نكتب لعدة أسابيع عن الحساسية، من حيث ما هيّتها وأعراضها ووسائل التخفيف منها. هذا هو رد فعل بوبيولار ساينس تجاه الحساسية.
في كل مرة تقوم فيها كاتبة المقال بشرب نبيذ التفاح البارد، فإنها تشعر بالغثيان. ولا يحدث ذلك على الفور، بل تعاني من الاحتقان أولاً، ثم تشعر بتشويش الذهن. وبعد ساعات، تعاني من مغص في معدتها. كل شخص تعرفه ألقى نوعاً من النكت (والتي كانت جميعها غير مضحكة) حول كونها غير قادر على تحمّل الكحول، لكن ابن عمها يعاني من نفس الحالة تماماً.
ولذلك، قامت بالبحث عن الأمر على الإنترنت. وكانت كل النتائج التي وجدتها تشير إلى بعض المعلومات المتداولة حول وجود نوع من عدم تحمّل الكحول أو الحساسية منه، وبصراحة، فقد ذهبت الكاتبة مباشرة إلى هذا التفسير دون الكثير من الأدلّة الحقيقية. كاختبار، أخذت دواءً مضاداً للهيستامين قبل أن تشرب في المرة القادمة، وبالفعل، لم يحدث أي رد فعل. ولكن هذا الأمر لا يعدّ دليلاً بمعيار قوي، وهي تعرف ذلك بصفتها صحفية في مجال العلوم. ولذلك قامت بما يقوم به كل كاتب جيد في مجال العلوم عندما يعاني من مشكلة صحية شخصية، وذلك بتحويلها إلى قصة. وإليكم قصتها.
أولاً، بعثت الكاتبة رسائل إلكترونية إلى بعض الخبراء لمعرفة رأيهم بشأن حساسية الكحول. ولكن الردود لم تكن قوية لدعم رد فعلها المفترض.
أوضح كليفورد باسيت -المدير الطبي لمركز العناية بالحساسية والربو في نيويورك- بأن "الحساسية الحقيقية للكحول -بما فيه النبيذ والمشروبات الروحية والبيرة وما إلى ذلك- ليست شائعة". وأشار إلى دراسة ألمانية قامت بإجراء استبيان وأظهرت بأن عدم تحمّل الكحول -وليس الحساسية- هو أكثر انتشاراً بكثير، وحدّدت بأن بعض مكونات النبيذ (السلفيت والتيرامين) قد تكون هي المسؤول الفعلي. ولا يبدو بأن هناك أي تأثير للإيثانول بحدّ ذاته. وبالمثل، قال باسيت بأنه عالج أشخاصاً كانوا بالفعل يعانون من حساسية الشعير أو الجنجل أو الملت بدلاً من البيرة، أو حساسية الفاكهة المخلوطة في العصائر بدلاً من الكحول بحدّ ذاته.
ووافقت سارينا سولاني -المدير الطبي لمركز الحساسية والربو في شيكاغو- على ذلك، وقالت بأن "أي رد فعل تحسسي لمشروب كحولي يحتاج حقاً لدراسة محتوى المشروب أولاً"، لأن معظم المشروبات تحتوي على العديد من المكونات الأخرى التي قد تسبب الحساسية للشخص. فالشيلم والجنجل والقمح والخميرة والعنب والشعير والغلوتين والسلفيت كلها مسبّبات شائعة إلى حدٍّ ما ويمكن أن تتواجد في المشروبات الكحولية، مما يسبب الوهم بأن رد الفعل التحسسي هو تجاه الإيثانول.
كما تميل الحساسية الحقيقية للكحول لأن تكون أكثر شدة من الاحتقان والغثيان الذي عانت منه الكاتبة، وتؤدي عموماً إلى حدوث الشري، أو حتى الحساسية المفرطة. ولذلك، فربما يكون ما وصفَته هو عدم تحمّل وليس حساسية. (في السنوات الأخيرة، أصبح الناس سيئين بشكل كبير في تمييز أحدهما عن الآخر).
ويُدعى عدم تحمّل الكحول في أكثر أشكاله شدّةً بالتوهّج الآسيوي، على الرغم من أنه يمكن أن يصيب الأشخاص من أي خلفية عرقية. ويعود السبب في ذلك إلى نسخة شاذة من إنزيم يُدعى نازع هيدروجين الألدهيد. عادةً ما يتم تفكيك الإيثانول الموجود في المشروب إلى ألدهيدات -وهي نوع آخر من الجزيئات العضوية- بواسطة إنزيم نازع هيدروجين الكحول ثم يتم تفكيك تلك الألدهيدات مرة أخرى بواسطة إنزيم نازع هيدروجين الألدهيد. إن الطفرات الجينية في كلا النوعين من الإنزيمات شائعة، ولكن الأشكال البطيئة من نازع هيدروجين الألدهيد هي التي تسبب التوّهج في الغالب. عندما لا تقوم الألدهيدات بعملها، فإنها تتراكم وتسبب أعراضاً مثل احمرار الوجه (ومن ثم التوهّج) والشري وانسداد الأنف والغثيان وانخفاض ضغط الدم. ويعدّ الأمر أكثر شيوعاً بين سكان آسيا بسبب الوراثة ببساطة، إذ ينتقل هذا الإنزيم الشاذ ضمن العائلات، ويصادف أنه قد انتقل كثيراً في المجتمعات الآسيوية. إذ يمتلكه حوالي ثلث الأشخاص ذوي الأصول الشرق آسيوية.
ولكن هناك عوامل أخرى تزيد من مخاطر التعرّض لعدم تحمّل الكحول. إذ يزيد احتمال أن يعاني منه المصابون بالربو أو حمّى القش، وكذلك أولئك الذين لديهم بالفعل حساسية من الحبوب أو الأطعمة الأخرى (والذين يعانون من ليمفوما هودجكين أيضاً).
ومن الممكن أيضاً أن يكون الاحتقان الذي عانت منه الكاتبة مجرد تأثير جانبي عادي للكحول، والذي أقنعت نفسها بأنه عدم تحمّل فعلي. ويشير باسيت إلى أن الكحول له تأثير طبيعي كموسّع للأوعية الدموية الموجودة في الجلد (وهذا هو السبب في الشعور بالدفء عند بدء الشرب)، ويمكن أن يؤدي ذلك أيضاً إلى احتقان الأنف قصير الأمد بسبب توسّع العديد من الأوعية الدموية في تجويف الأنف. وربما تكون الكاتبة تسيء تفسير الأدلة. ففي النهاية، فإن أعراض الحساسية تخضع لتأثير وهمي قوي. إذ تشير دراسات التهاب الأنف التحسسي (وهو رد فعل الأنف تجاه المواد المسبّبة للحساسية) بشكل مستمر إلى أن الأدوية الوهمية تعتبر فعالة بشكل جيد في علاج نسبة كبيرة من مرضى الحساسية. حتى أن إحدى الدراسات وجدت بأنه يمكن إعطاء المرضى علاجاً وهمياً وإخبارهم بأنه علاج وهمي، وسيستمر في التقليل من الأعراض.
وتجدر الإشارة إلى أن نجاح تأثير الدواء الوهمي لا يعني بأن الحساسية وهمية فقط. أو بالأحرى، حتى لو كان هذا الأمر يعني ذلك، فهو لا يعني بأن الحساسية ليست حقيقية أو ليس لها معنى. بل هو يعني فقط بأن الدماغ قوي، ويمكنه أن يقلل من الأعراض بمجرد الاعتقاد بأنه قادر على ذلك.
ما زالت الكاتبة لا تعرف فيما إذا كانت تعاني من عدم تحمّل الكحول، ولكنها مصابة فعلاً بحساسية غذائية نوعاً ما. فهي تعاني من الداء الزلاقي، والذي يعدّ أحد اضطرابات المناعة الذاتية ويسبب لها استجابة مفرطة لبروتينات الغلوتين. وتشير الأبحاث الأولية إلى أن أمراض المناعة الذاتية والحساسية تتشارك في نفس المسارات داخل الخلايا، ولذلك فقد يكون هذا هو الجواب لتساؤلاتها، وربما لا يكون كذلك. ولكن الأمر الذي تعرفه الكاتبة هي أنها عندما تتناول مضاداً للهيستامين قبل أن تشرب كأساً من النبيذ، فإنها تشعر بحال أفضل. قد يكون هذا هو تأثير الدواء الوهمي، وقد لا يكون كذلك. ولكنه لا يؤذيها وهي تعتقد بأنه فعّال. وهذا هو المغزى الكلي للتأثير الوهمي.