شهد شهر فبراير الماضي صدور قرار للمعركة القانونية الشديدة بين جامعة كاليفورنيا في بيركلي ومعهد برود حول اكتشاف تقنية تعديل الجينات الجديدة والرخيصة وسهلة الاستخدام والمعروفة باسم كريسبر. وقد خسر المكتشفون الأصليون للتقنية - جنيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه من بيركلي - معركة براءة الاختراع لصالح فنغ تشانغ من معهد برود والذين كان أول من اكتشف إمكانية استخدام هذه التقنية لتعديل الحمض النووي عند الإنسان والحيوان، والذي يعدّ إنجازاً له إمكانيات هائلة لعلاج وشفاء الأمراض.
ولكن الأمور التي ما تزال عالقة - والتي تم تفصيلها في تقرير صدر حالياً عن مجلة ساينس العلمية – هي من سيُسمح له باستخدام هذه التقنية وبأي طريقة. وبغض النظر عن التنازع على براءة الاختراع لتقنية كريسبر في المحكمة، فقد انتهزت الشركات الخاصة الفرصة لاستخدام هذه التقنية في أبحاث علاج الأمراض، وبالتالي عقد اتفاقيات للترخيص مع المؤسسات البحثية لأخذ الحقوق الحصرية لاستخدام كريسبر بطريقة خاصة لعلاج الأمراض. وهذا يعني تعذَر إجراء أبحاث مماثلة من قبل أي شركة أخرى. فكيف يمكن أن يكون هذا؟
ويُذكر بأن هناك مجموعة من المبادئ التوجيهية من المعاهد الوطنية للصحة في عام 1999 بالإضافة إلى ما يسمى بـ "النقاط التسعة"، والتي تم الاتفاق عليها من قبل عدد من الجامعات (بما فيها جامعة كاليفورنيا في بيركلي وجامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا) في عام 2007، والتي تنصّ على أن أي أداة بحثية تخترعها إحدى الجامعات البحثية يجب أن تتوافر بشكل عام لأي باحث أو مؤسسة ترغب في استخدامها.
ويقول خورخي كونتريراس - وهو محامي الملكية الفكرية في جامعة يوتا وشارك في إعداد التقرير الحالي - بأن معظم الاكتشافات ليست أدوات بحثية في الواقع. فعلى سبيل المثال، إذا قام شخص ما في إحدى الجامعات البحثية باكتشاف جزيء جديد فعال تجاه أحد البروتينات بحيث يؤدي إلى طريقة جديدة لعلاج أحد الأمراض، فإن هذا يعدّ علاجاً ومن المناسب ترخيصه بشكل حصري.
فتحديد الخط الفاصل بين الأداة البحثية والعلاج أمر مهم للغاية. فعلى سبيل المثال، تم اكتشاف تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) في عام 1985، مما سمح للباحثين باختيار عينة صغيرة ومحددة من الحمض النووي، وتكرارها لمليارات المرات. وتساعد هذه التقنية علماء اليوم في دراسة البكتيريا والفيروسات والأمراض الوراثية، كما ساعدت على اكتشاف العديد من الابتكارات والعلاجات الحيوية. وتستخدم معظم المختبرات في العالم اليوم تقنية PCR، لأي سبب من الأسباب التي يريدونها، وهذا لأنها تعتبر أداة بحثية.
إذن ما هي تقنية كريسبر؟ إذ يقول كونتريراس بأن هذا هو السؤال الرئيسي الذي يحتاج إلى إجابة، خاصة أنها لا تعتبر أداة بحثية في الوقت الراهن. لذلك، عقدت الشركات الخاصة ما يسمى باتفاقات الترخيص البديلة مع كل من معهد برود (والذي هو نتيجة التعاون بين معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد) وجامعة كاليفورنيا في بيركلي. ويقول كونتريراس: "نعتقد بأن هذا هو مكان اجتياز تقنية كريسبر للخط الفاصل".
ويخشى كونتريراس من الذي قد يحدث إذا بقيت تقنية كريسبر على ما هي عليه. فعلى سبيل المثال، عقدت شركة جونو ثيرابيوتيكس الخاصة اتفاقات الترخيص البديلة مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومعهد برود لإجراء أبحاث باستخدام تقنية كريسبر والعلاج المناعي للسرطان الذي يدعى بالعلاج بمستقبلات المستضدات الوهمية للخلايا التائية (CAR T-cell). ويعتقد الكثيرون بأن هذا العلاج - الذي لا يزال قيد التجارب السريرية – قد يحدث ثورة في طريقة علاج السرطان، وقد تساعد تقنية كريسبر في ذلك بشكل كبير. ولكن يبدي كونتريراس قلقه من الذي قد يحدث إذا أغلقت شركة جونو أو تعرضت لدعاوى قضائية؟ إذ أن الحقوق التي يمكن أن تترتب عليها (أو على أي شركة أخرى) قد تمتد لعقود، مما يؤخر الأبحاث الحيوية. وفي حال تعرضت شركة جونو للإفلاس، فلن تتمكن أي جهة أخرى من استخدام تقنيتي كريسبر و(CAR T-cell) معاً لتطوير علاجات فعالة. ويقول كونتريراس: " يبدو ذلك بالنسبة لي على أنه عار حقيقي وخسارة للمجتمع." وعلاوة على ذلك، إذا طلبت الشركات الأخرى من هذه الشركة استخدام العلاج بتقنية كريسبر المرخصة لها، فيمكن للشركة أن تقرر عدم السماح لها، وخاصة إذا كانت من الشركات المنافسة أو إذا ظنت الشركة بأن هذه الشركات قد تقوم بإجراء الأبحاث التي تودّ أن تقوم بها في المستقبل.
ويقول كونتريراس بأنه طالما أن تقنية كريسبر لا تزال محدودة بشكل كبير في مرحلة الأبحاث (ولا تزال الأطراف تتنازع حول ملكية براءة الاختراع لهذه الاكتشافات)، فهذا هو الوقت المثالي لإعادة التفكير في كيفية اعتبار هذه التقنية. وأضاف: "يمكن أن يكون هناك نوع من إعادة التفاوض حول الترخيص الأساسي لتقنية كريسبر."
ويؤكد كونتريراس تقريباً بأنه سيتم استئناف قرار المحكمة الأخير. إلا أنه لا يعتقد بحدوث أي شيء هام حتى يتم الانتهاء من تلك القرارات الصادرة عن المحكمة. ولكن في الوقت نفسه، تقوم الشركات الخاصة التي ترغب بالتواجد في هذا السوق بتجهيز أنفسها، وتدفع الكثير من المال لبعض هذه التراخيص التي تعتقد بأنها ستحتاجها.
وللتأكد من أن كل من يريد القيام بأبحاث باستخدام تقنية كريسبر يمكنه ذلك، يقول كونتريراس بأنه يجب على المعاهد الوطنية للصحة أن تعيد التفكير بالسياسة القديمة لعام 1999 لضمان عدم وجود مناطق غير واضحة يمكن لتقنية كريسبر أن تتسرب من خلالها، وأن جميع منصات الأبحاث الواسعة -بما فيها التقنيات الشبيهة بتقنية كريسبر- يجب أن تكون مرخصة بشكل غير حصري. وأضاف: "لقد تخطت تقنية كريسبر الحدود بكل تأكيد، ويجب أن تعود إلى داخلها."