ماذا تعرف عن هجمات أسماك القرش؟ ربما ما تعرفه ليس كما تعتقد

4 دقائق

غايفين نايلور، عالمٌ بحري ومدير برنامج فلوريدا لأبحاث القرش، ومشرف على ملف هجمات سمك القرش الدولي، وهو سجل يحتوي على هجمات القرش المُسجلة عبر العالم منذ عام 1958.

تثير أسماك القرش الخوف دائماً رغم أن خطر التعرض لعضتها ضئيلٌ جداً. نحن نؤكد هنا على ندرة هجمات القرش ولا نرى مبرراً لهذا الذعر والخوف منها، فمثلاً، يزيد خطر احتمال إصابتك بالبرق بنسبة 30% بالمئة عن احتمال تعرضك لعضة القرش، واحتمال تعرضك لحادثٍ أثناء التقاطك صورة سيلفي وموتك، وحتى احتمال تعرضك لعضّةٍ من شخصٍ من نيويورك، أكبر من احتمال تعرضك لعضة القرش. عموماً، وتحسباً من الرعب الذي تحدثه برامج القرش الأسبوعية على قناة «ديسكفري»، إليك بعض الحقائق عن أسماك القرش، والتي يتجاهلونها دائماً.

في هذه الصورة، يقوم الدكتور «جريج سكومال» بوسم أسماك القرش لرصد حركتها.

https://www.instagram.com/p/Bz_foeEj4D0/

 

عائلةٌ كبيرة ومتنوعة

هناك أنواعٌ عديدة من أسماك القرش، وهي تختلف عن بعضها كثيراً. هناك بضع عشراتٍ فقط من أصل ما يقارب من 520 نوعاً، منها ما قد يشكل خطراً علينا، حتى الأنواع الثلاثة المعروفة بهجماتها المسببة لمعظم حوادث الوفاة وهم: القرش الأبيض، قرش النمر، والقرش الثور؛ تختلف عن بعضها اختلافاً جذرياً من الناحية السلوكية والتطورية.

يختلف قرش النمر وقرش الثور (يُعتبران من مجموعةٍ واحدة) عن بعضهما من الناحية الوراثية كاختلاف الكلب عن الأرنب. وكلا هذين النوعين يختلفان عن القرش الأبيض (ينتمي لمجموعةٍ أخرى) كما يختلف الكلب عن الكنغر. انقسمت السلالات التطورية المؤدية إلى تلك المجموعتين قبل 170 مليون سنة خلال عصر الديناصورات وعصر ما قبل الطيور، و110 مليون سنة قبل الرئيسيات.

تعد أسماك القرش الأبيض والنمر والثور أنواعاً فريدةً ومتباينةً جينياً، منذ عشرات الملايين من السنين.

مع ذلك، يفترض كثير من الناس أن جميع أسماك القرش متشابهة، وكلها من المرجح أنها ستعض البشر بالنسبة لهم. من الناحية العلمية، يعادل مصطلح «هجوم القرش» قولنا «هجوم الثدييات»، لكن لا أحد سيقوم بالمساواة بين عضة الكلب وعضة الهامستر مثلاً، ولكن هذا ما نفعله عندما يتعلق الأمر بالقرش.

لذلك، عندما يتصل بي مراسل أحد القنوات ليسألني عن رأيي بحادثة الوفاة الناجمة عن هجوم سمكة قرشٍ بيضاء على ساحل «كيب كود»، ويطلب مني النصيحة لرواد الشواطئ، فإنه في الأساس مثل سؤال: قُتل رجلٌ بعضة كلب في كيب كود، ما هي الاحتياطات الواجب اتخاذها عند التعامل مع الكنغر في ولاية كارولينا الشمالية؟

أنواع أسماك القرش

يُعد فهم سلوك أنواع أسماك القرش المحلية وعاداتها أفضل طريقة لتجنب عضاتها والبقاء في مأمنٍ منها. على سبيل المثال، جميع هجمات القرش التي تحدث قبالة ساحل «كيب كود» تقوم بها أسماك القرش الأبيض، وهي كبيرة الحجم وتفضل المياه الباردة، حيث تقضي معظم وقتها تتغذى منفردةً على الأسماك، لكنها تتجمع أيضاً بالقرب من مستعمرات الفقمة التي توفر لها مصدر غذاءٍ جيد في أوقاتٍ معينة من السنة.

بينما تُعد أسماك قرش الثور والنمر والقرش أسود الطرف -وهي من الأنواع التي تُفضل المياه الدافئة- هي المسؤولة عن الهجمات على سواحل كارولينا، ولكلّ من هذه الأنواع موائل وعادات غذائية مختلفة.

يتغذى القرش ذو الطرف الأسود (الذي نعتقد أنه مسؤول عن معظم العضات البسيطة على سواحل الولايات المتحدة الجنوبية الشرقية) على أسماك الطعوم مثل سمك «المنهادن». بالمقابل، يعيش سمك القرش الثور في المياه المالحة أو العذبة على حدٍ سواء، وغالباً ما يُشاهد عند مصبات الأنهار. تعد عضاتها أخطر نسبياً من عضة القرش ذو الطرف الأسود، لأنها أكبر حجماً وأكثر قوةً وعدوانيةً وأكثر عنفاً، حيث نُسبت العديد من حالات الوفاة إلى القرش الثور.

سمك قرش النمر كبيرة الحجم أيضاً، وهي مسؤولة عن قسمٍ كبير من حوادث الوفاة خصوصاً تلك المُسجلة قبالة سواحل الجزر البركانية مثل هاواي وريونيون، وتُعتبر حيواناتٍ استوائية، إلا أنها تغامر أحياناً وتسبح تجاه المياه الضحلة التي يرتادها السباحون، وراكبي الأمواج.

البشر ليسوا أهدافاً لهذه الحيوانات

أسماك القرش لا تصطاد الإنسان. فقد أظهرت بيانات ملف حوادث الهجوم الدولي، والذي تم تجميعه على مدى 60 عاماً الماضية، وجود ارتباطٍ قوي بين عضات سمك القرش وعدد الأشخاص المتواجدين في الماء عند حدوثها. أي أن عضات القرش تُعتبر سلوكاً دفاعياً لما يعتقد أنه هجوم محتمل عليه من أسماكٍ أخرى.

وهذا يؤكد حقيقة أن عضات سمك القرش دائماً ما تنجم عن خطأ في تحديد الهوية. فلو كان القرش يستهدف الإنسان تحديداً، لكانت هناك الكثير من الحوادث، لأن البشر تحديداً أهداف سهلة للغاية عندما يسبحون في موائل أسماك القرش الطبيعية.

قد يكون لبعض الظروف المحلية دورٌ أيضاً في مضاعفة احتمال حدوث هجمات القرش. فقد تغامر أسماك القرش بالاقتراب من الشواطئ التي يتواجد فيها الناس؛ متتبعين أسراب سمك الطّعم، أو حيوانات الفقمة التي تتغذى عليها.

أي يمكننا التنبؤ باحتمال وجود أسماك القرش من خلال التنبؤ بحركة أسماك الطعم نحو الخط الساحلي، باستخدام بعض المؤشرات البيئية كدرجة الحرارة أو المد والجزر وغيرها من عوامل الطقس. وهكذا، وخلال السنوات القليلة القادمة، سيعمل برنامج فلوريدا لأبحاث القرش مع شركاءٍ آخرين من جامعاتٍ أخرى على رصد تحركات أسماك القرش الموسومة في البحر وبالقرب من الشواطئ، حتى نتمكن من تكوين فكرةٍ أفضل عن الظروف التي تجعل القروش تقترب من الشواطئ.

ماذا بقي علينا أن نعلم؟

في الواقع، لا يزال هناك الكثير مما نجهله عن عالم أسماك القرش، خصوصاً الأنواع التي لا تهاجم الإنسان، والتي يبلغ عددها نحو 500 نوع، مثل قرش الجيب الذي يعيش في أعماق البحار الصغيرة، والذي يحمل جيباً غريباً وراء زعنفته الصدرية.

لم يُكتشف وجود هذا القرش إلا في مكانين؛ أحدهما قبالة ساحل شيلي قبل 30 عاماً، وفي خليج المكسيك. ونحن لسنا متأكدين من وظيفة هذا الجيب عندها، ولكن نعتقد في أنه يفرز السوائل المتوهجة لإبعاد خطر المفترسات المحتملة؛ كما تفعل أقاربها من سمك القرش ذو الذيل المضيء، والذي يُطلق السائل المتوهج من غدةٍ تقع على جانبه السفلي.

تختلف أسماك القرش في أشكالها أيضاً، فبعض أشكالها غريب مثل قرش العفريت الشائع في بحر اليابان. وبعضها ضخم جداً يقوم بابتلاع غذائه وفلترته مثل قرش الحوت. على الرغم من أن قرش الحوت هو أكبر الأسماك في العالم، إلا أننا لم نتمكن بعد من تحديد مواقع حضانة صغارها، والتي من المحتمل أنها تعج بالآلاف من صغارها الطويلة. كثيراً ما تُشاهد بعض أسماك القرش التي تعيش في الأعماق من الغواصات، مثل سمكة القرش القمّامة العملاقة التي تتغذى على الجيَف بشكلٍ رئيسي، لكنها تفترس حيواناتٍ أخرى في أعماق البحار.

تبدو أسماك القرش مألوفة لنا جميعاً تقريباً، لكننا لا نعرف عنها سوى القليل. بالكاد نعرف القليل عن حياتها، والقليل الذي نعرفه يشير إلى أنها مختلفة كلياً عن الفقاريات الأخرى. فتاريخها التطوري يمتد إلى 400 مليون سنة من التكيّف المستقل مع بيئتها، ومنطقي أن نتوقع أنها تحمل الكثير من الأسرار، خصوصاً فوق خياشيمها.

المحتوى محمي