يرى بعض العلماء أن أحلامنا نوعٌ من إعادة رؤية الواقع الذي نراه خلال النهار في مراحل حياتنا المختلفة، وإنْ كان الأمر كذلك؛ فكيف يمكن للكفيف أن يحلُم؟
راود هذا السؤال الكثير من العلماء؛ فكيف يرى الأشخاص -الذين وُلدوا مكفوفين- الأشياء ويتخيلونها من دون صور؟ أما عن الذين فقدوا البصر في مرحلة لاحقة من حياتهم؛ فيُمكن أن نُخمِّن أنهم يستطيعون الرؤية في أحلامهم، وربما تقل تجربة الرؤية عندهم في الأحلام مع الزمن.
المكفوفون يجيبون في «ريديت»
تشارك أحد الأشخاص على موقع ريديت الاجتماعي الشهير تساؤله مع جمهور الموقع عن حُلم المكفوفين، وحصل على عدد من الإجابات. كان من أبرزها شخص كفيف مرَّ بهذه التجربة -ربما كتب نيابة عنه أحد أصدقائه أو أقربائه- يقول: «حين أحلم أرى، ولكن ليست الرؤية التي أعتقد أن الناس العاديين يرونها؛ إنها تُشبه تحديد الموقع بالصدى، مما جعلني لا أدرك كيف تبدو أحلامي؛ إذ تأتي الصور في موجات قصيرة مثل رؤية الخفافيش، وأسمع في أحلامي صدى صورة للأشياء من حولي... فعندما أتجول في منزلي مثلاً، لا أستطيع رؤية ما أمامي، لكنني أسمع تغييرات في الصوت تدلُّني على أشياء أقترب منها».
وشارك شخص آخر تجربة أحد أصدقائه المكفوفين فقال: «صديقي كفيف منذ الولادة، وهذا سؤال نصادفه كثيراً، يحلم عبر الصوت والرائحة واللمس، وقد تنتابه كوابيس أيضاً؛ فمثلاً يحلم بأنه مجبورٌ على قيادة سيارة وهو لا يرى لذلك يتعرض لحادث تلو الآخر، ولكنه لا يحلم بصور لأنه لم يرَ أياً منها».
كيف يبدو الحال عند المراهقين؟
ربما تختلف ماهيّة الأحلام لدى المراهقين بشكلٍ عام عن مراحل الحياة الأخرى، نظراً للتغييرات النفسية والفسيولوجية التي يمر بها الإنسان في هذه المرحلة، والانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ. لذا أجرى الباحث الأكاديمي محمد مكاوي[1] مجموعة من المقابلات في مدينة «تمارة» بمعهد محمد السادس للمكفوفين على فترات مختلفة لمدة أسبوعين؛ لمعرفة ماهيّة أحلام المراهقين الذين فقدوا البصر، وكانت النتيجة أن المكفوفين يحلمون كبقية الناس.
وركَّزَ البحث على المراهقين الذين فقدوا البصر منذ ولادتهم، وأضاف إليهم من عاشوا مبصرين لمدة زمنية لا تقل عن 5 سنوات، وكانت إجابتهم أنهم يحلمون كبقية الناس، ولكن لا توجد لديهم صور بصرية لديهم، إنما هو تصورات فقط، تمكنوا من تكوينها عن طريق استخدام الحواس الأخرى.
ووفقاً للبحث المذكور؛ فإن أحلام المراهقين المكفوفين ضمَّت نفس الخصائص المرتبطة بالمراهقة؛ مثل التمركز حول الجسم والاهتمام به، وبعض تعابير النمو الجنسي؛ وبالتالي لم يجد الباحث فروقاً بين أحلام المراهقين المكفوفين في مواضيع الأحلام.
المكفوفون أكثر عرضة للكوابيس
كشفتْ دراسة دنماركية نشرت في دورية «Sleep Medicine»؛ أن الأشخاص المكفوفين لديهم كوابيس أكثر بكثير من المبصرين، حيث تظهر الدراسة أن 25% من أحلام المكفوفين هي كوابيس، بينما تمثل الكوابيس 6% فقط من أحلام المبصرين.
وذكرت مؤلفة الدراسة «أماني معيدي»، أن الدراسة وضعت فرضية موجودة بالفعل؛ وهي أن كوابيس الناس ترتبط بالعواطف التي يواجهونها أثناء الاستيقاظ، وقالت أيضاً: «يبدو أن المكفوفين يواجهون مواقف خطرة خلال اليوم أكثر من الأشخاص ذوي الرؤية الطبيعية».
الأدب يعرف الإجابة أيضاً
وضع الكاتب الأميركي «ستيفن كوسيستو» -الذي فقد البصر مبكراً بسبب وجود اعتلال في شبكية العين ولد به- كتابين عن سيرته الذاتية، يروى فيهما تجاربه مع فقدان البصر، وناقش كيف يحلم فاقدو البصر. يقول: «لنَقُل إن حلمك يشبه فيلماً لمارتن سكورسيزي، وإن حُلم الكفيف يشبه لوحة للرسام مونيه: سيكون هناك أناس وأمكنة في الحلم، ولكنه سيكون تجريدياً أو انطباعياً؛ أي لن يكون نسخة فوتوغرافية عما يراه إنسان يملك بصراً سليماً».
وبين محاولات العلم للإجابة القاطعة، والأدب لتقريب الصورة الذهنية للإجابة؛ يبقى فاقدي البصر محرومين من أحلام تتناول رؤية واقعية مثل أصحاب البصر.
المصادر:
[1]: أحلام المراهقين والمراهقات المكفوفين خِلقياً