إن مشاهدة تجمّد الجليد ممتعةٌ كمشاهدة الطلاء وهو يجف. لكن المدهش أكثر هو صنعه باستخدام أقوى الليزرات في العالم.
من خلال إطلاق أقوى شعاعٍ ليزريٍ في العالم (والذي يدعى: المصدر الضوئي المتماسك باستخدام مسرع الجزيئات LCLS) باتجاه قارورة ماء، وتصوير العملية عالية السرعة باستخدام ليزرٍ آخر، استطاع العلماء رؤية جزيئات الماء وهي تصطفّ لتشكل الحالة المعروفة باسم "جليد 7" (ice VII)، وهي حالة غير موجودة على سطح الأرض بشكلٍ طبيعي.
نشر العلماء نتائجهم في الأسبوع الماضي في مجلة "Physical Review Letters".
تقول كاتبة الدراسة، ويندي ماو، في تصريحٍ لها: "هناك عددٌ ضخمٌ من الدراسات حول الجليد، لأن الجميع يريد فهم سلوكه العجيب. إن دراستنا الجديدة تعرض إمكانية رؤية بنية الجليد خلال تشكله في الزمن الحقيقي، وهو أمرٌ لم يفعله أحدٌ من قبل".
في حالتنا، تعني عبارة "الزمن الحقيقي" 6 نانو ثانية فقط. هذا تجمّدٌ سريعٌ جداً.
سابقاً، قام علماء آخرون بتوليد جليد 7 في المختبر، لكنهم لم يتمكنوا من رؤية والتقاط العملية. يبدو أن هذه الحالة للجليد -التي يمكن ربطها بتصادم الكويكبات في الفضاء- تبدأ بالتشكّل على هيئة إبرٍ صغيرةٍ قبل تحوّلها إلى الجسم الصلب. تشير دراسةٌ سابقةٌ إلى أن الجليد يتكون في البداية على هيئة كرات.
تعطينا هذه الاكتشافات الجديدة لمحةً عن كل الطرق العجيبة التي يتحول فيها الماء إلى جليد، وعلى الرغم من عدم وجود الحالة جليد 7 على الأرض بشكلٍ طبيعي، إلا أن علماء جيولوجيا الكواكب يعتقدون بوجودها على قمر يوروبا والكواكب الخارجية الأخرى.
إن الجليد على سطح الأرض، بدءاً من الجليد التي تضعه في الشراب وحتى الصفائح الجليدية في جرينلاند، يتكوّن بالحالة نفسها: وهي الحالة المشهورة والمعروفة باسم "آيس ون إتش" (ice Ih). يرمز حرف "h" إلى الشكل السداسي لذرات الأوكسجين عند تحولها من الحالة الغازية أو السائلة إلى الحالة الصلبة.
طبعاً، ليس الشكل السداسي هو الوحيد الذي يمكن لجزيئات الماء الاصطفاف على هيئته. حيث يوجد حوالي 17 حالةٍ كريستاليةٍ للماء، تبعاً لدرجة الحرارة والضغط المناسبين. (قد توجد الحالة 18 على هيئةٍ غريبةٍ مربعة). لا تتغير درجات الحرارة والضغط على كوكب الأرض بشكلٍ كبير، وذلك عند مقارنتها مع ما يمكن تواجده في الفضاء الخارجي، لذا من الطبيعي ألا يظهر على كوكبنا سوى العنصر "آيس ون إتش".
الأمر مختلفٌ في الكواكب الأخرى، حيث يمكن أن ترتفع درجات الحرارة وينخفض الضغط بشكلٍ كبيرٍ مقارنةً بالأرض، وقد يستقر الماء السائل والبخار والجليد في حالاتٍ مختلفةٍ كلياً.
قام العلماء بتمثيل ذلك باستخدام مخطط الحالة، وهو عبارة عن خريطةٍ تمثل حالات المادة ضمن الشروط المختلفة (حالات المادة الأساسية هي: سائلة، غازية، صلبة).
هناك عددٌ من الطرق المختلفة التي تصطفّ بها جزئيات الماء في الحالة الصلبة، وهو السبب وراء الشكل المعقد لمخطط الحالة.
حسناً، في الحقيقة لا ينتمي فانيلا آيس إلى مخطط الحالة، فالمخطط الأصلي يحتوي على الأرقام الرومانية المنتشرة هنا وهناك.
يسيطر "آيس ون إتش" على مجال الضغط الواقع تحت 1 كيلو بار (أي ما يكافئ 1000 مرةٍ من الضغط الجوي عند سطح البحر) ومجال درجة الحرارة ما بين -200 و0 درجة مئوية. لكن خارج هذه الحدود، تصبح الأمور غريبة. حيث يمكن تواجد الجليد في درجات حرارةٍ عاليةٍ (مثل مئات الدرجات المئوية) ضمن الضغط المناسب.
من بين 17 حالةٍ للجليد، يظهر منها 11 حالة ضمن مخطط الحالة القياسي. أما الحالات 4، 9، 12، 14، 16، 17، فهي حالاتٌ غريبة. تعتبر الحالات الأربع الأولى مستقرةً بشكلٍ ظاهري ضمن الحالات الأخرى، أي أنه يمكن تواجدها لمدةٍ قصيرةٍ ضمن حدود البنى الجليدية الأخرى، ما دامت غير مضطربة. كما أن تغيير درجة الحرارة والضغط يؤدي إلى الانتقال إلى حالةٍ أخرى أكثر استقراراً. تم تشكيل الحالتين آيس 16 و17 تجريبياً من خلال مدّ الجليد ضمن ظروف الضغط المنخفض بشدة، حيث يصبح الحيز بين جزيئات الماء المتجمد ضيقاً جداً.
من المستبعد أن تجد أحد تلك الأشكال من الجليد في حياتك. لكن، أليس رائعاً أن تعلم بوجودها؟