تتصدر عناوين الصحف هذه الأيام أخبار ولادة الطفلة إيما رين جيبسون والتي أنجبتها والدتها تينا جيبسون عن طريق الولادة الطبيعية في شهر نوفمبر الماضي بعد أن تم تجميدها وهي جنين لمدة 24 عاماً، وهي الفترة الأطول لعملية تجميد الجنين قبل أن يتحول إلى طفل، كما يقول الأطباء.
ولكن كيف يمكن للولادة أن تحدث بعد التجميد لهذه الفترة الطويلة؟ لتوضيح ذلك، لا بد من استعراض بعض المفاهيم الأساسية المتعلقة بالموضوع.
يتم تجميد الأجنة – وهي البويضات الملقحة بواسطة الحيوانات المنوية – بهدف حفظها ومنعها من النمو أو التقدم في العمر، حيث يتم الاحتفاظ بها بدرجات حرارة باردة جداً في النيتروجين السائل. بعد ذلك، يتم نقل هذه الأجنة ووضعها في رحم امرأة ترغب في الحمل. إذ تبدأ عملية نقل الأجنة عن طريق وضع منظار في المهبل لرؤية عنق الرحم، والذي يتم تطهيره بواسطة محلول ملحي أو غيره من الوسائط. ثم يتم تحميل قسطرة النقل بالأجنة وتسليمها إلى الطبيب بعد التأكد من هوية المريضة. بعد ذلك، يتم إدخال القسطرة من خلال قناة عنق الرحم ودفعها عبر تجويف الرحم، إلى أن يتم وضع الأجنة في مكانها.
وأثبتت الدراسات بأن هذه الطريقة لا تسبب حدوث نسبة أعلى من العيوب الوراثية أو الشذوذات الولادية، على الرغم من أن هناك العديد من العوامل التي تلعب دوراً في ولادة طفل سليم من الجنين المجمد، كالمرحلة التي تم فيها تجميد الجنين، والتقنية التي تم فيها التجميد، وعمر المرأة في الوقت الذي تم فيه التجميد.
أما عن الطريقة التي يتم فيها الحصول على الأجنة المجمدة، فهي تكون بالتبرع، والتي أصبحت شائعة خلال السنوات القليلة الماضية، حيث يمكن للزوجين التبرع بالجنين المجمد من أجل الأبحاث، أو لصالح زوجين غير قادرين على إنتاج الأجنة لأي سبب كان. وتشير الإحصاءات إلى أنه يتم التبرع بألف جنين تقريباً في الولايات المتحدة كل عام.
ويُذكر بأن الإخصاب التقليدي في المختبر (IVF) يتضمن استخراج البويضة أو البويضات وتلقيحها بالحيوانات المنوية في المختبر، ومن ثم تركها تنمو لمدة 2-6 أيام قبل نقلها إلى رحم نفس المرأة أو امرأة أخرى بهدف استكمال الحمل. ويطلق على هذا النوع مصطلح "الإخصاب الحديث" ولا يتم فيه تجميد الأجنة كما هو الحال في النوع الآخر. وقد أظهرت دراسة سكانية كبيرة في النرويج والدانمارك والسويد بأن الأجنة المجمدة لها نتائج أفضل من الإخصاب التقليدي في المختبر، وذلك وفقاً لبعض القياسات. إذ أن التجميد يكون أكثر أماناً لمعظم الأجنة، لأن الإخصاب التقليدي يتضمن نقل أكثر من جنين واحد في نفس الوقت، وهذا يؤدي إلى خطر أعلى بكثير على الحمل بالتوائم، والذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع معدل الولادة المبكرة وانخفاض الوزن عند الولادة وصغر حجم العمر الحملي والوفيات وغير ذلك من المخاطر على الأم. كما راجع الخبراء من جامعة أبردين بأسكتلندا 11 دراسة سابقة تتبعت 37 ألف حالة حمل من زرع إما بأجنة حديثة أو مجمدة حتى الولادة. فمع الأجنة المجمدة، انخفض خطر حدوث نزيف أثناء الحمل بنسبة 30%، وكان احتمال أن يولد الطفل ناقص الوزن أقل بنسبة 30 إلى 40%، وانخفض خطر أن يولد الطفل مبكراً بنسبة 20%، أما احتمال الوفاة عقب الولادة فكان أقل بنسبة 20%.
ومع وجود بعض الاختلافات في قوانين البلدان، فإن تقنية نقل الأجنة المجمدة تتوافر بأشكال مختلفة في العديد من الدول مثل الولايات المتحدة وجمهورية التشيك وإسبانيا وجنوب أفريقيا وروسيا وأوكرانيا واليونان وقبرص وغيرها من الدول. أما في الدول العربية، فلا تزال القوانين والخشية من اختلاط الأنساب والحاجة إلى ضوابط وشروط صارمة تحول دون إجراء تجميد الأجنة ونقلها. ومع ذلك، فقد تم في الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال إلغاء القانون السابق الذي يمنع تجميد الأجنة، ومن المتوقع أن يصدر قريباً قانون جديد يسمح بتجميد الأجنة لمدة خمس سنوات قابلة للتمديد في بعض الحالات، مع المراقبة الجيدة التي من شأنها أن تضمن حقوق جميع الأطراف بحيث لا يكون هناك أي احتمال لأي خطأ يذكر.
ومع تطور ممارسات وتقنيات الإخصاب، فإن نتائج الدراسات التي تبحث في هذا الأمر يمكن أن تؤدي يوماً ما إلى تحوّل في الممارسة السريرية لزيادة فرص الحمل عند الأشخاص غير القادرين على الإنجاب، وكذلك تحسين معدلات النجاح من المحاولة الأولى.