ما هي فوائد الاختبار الوراثي؟

5 دقائق
كل معلوماتك الوراثية في متناول اليد.

تحولت الاختبارات الوراثية بسرعة من اختبارات صعبة وباهظة التكلفة حتى على أكثر المختبرات المتقدمة تقنياً، إلى منتج استهلاكي رخيص وسهل. ولن يكلفك الأمر أكثر من عينة صغيرة من لعابك ومائتي دولار، حتى تستطيع اكتشاف كل المخاطر التي قد تواجهها، من التليف الكيسي إلى الحساسية للاكتوز.

ولكن من المهم أن تتذكر أنه ليست كل الاختبارات الوراثية على درجة واحدة، وحتى أفضل الاختبارات الوراثية السريرية التي تُجرى في المختبرات الطبية تحت إشراف الأطباء، قد تكون غير مثالية. والجينات في حد ذاتها مهمة، ولكنها لا تحدد مصيرك.

من الذي يتوجب عليه إجراء الاختبار الوراثي؟

الاختبارات الوراثية هي عبارة عن إجراء تشخيصي، ولذلك فإن أي شخص لديه فضول لمعرفة حالته الصحية يستطيع إجراء أحد هذه الاختبارات. ولكنها ستكون أكثر فائدة إذا كنت تعتقد أن لديك مخاطر للإصابة باضطراب وراثي ما.

وقد استخدمت الاختبارات الوراثية ذات الكفاءة العالية كأداة سريرية منذ حوالي نصف قرن، قبل أن تبدأ شركة 23andME وموقع Ancestry.com في عرض اختباراتها للزبائن مباشرة بمدة طويلة. لنفترض أن عدة نساء في عائلتك أصبن بسرطان الثدي، فبإمكانك أن تجري اختباراً وراثياً لتعرفي إذا كنت قد ورثت نسخة غير طبيعية من الجين BRCA المعروف بأنه يزيد من مخاطر الإصابة بسرطان الثدي.

هايدي ريهم، أستاذة مشاركة لعلم التشريح المرضي في كلية الطب بجامعة هارفارد، وهي مديرة مختبر الطب الجزيئي حيث يتم فحص المرضى للكشف عن الأمراض التي يمكن أن تعزى إلى جذور وراثية محددة، تقول إنه من الشائع عند الناس أن يجروا الاختبارات الوراثية عندما يشتبهون أو يكونون على علم بأن لديهم مرضاً وراثياً، وقد يكون هذا المرض قد أثر على عدة أشخاص في عائلتهم، أو قد تظهر عليهم أعراض مرض معروف على نطاق واسع بأنه وراثي، كفقر الدم المنجلي. وتوفر الاختبارات الوراثية لهؤلاء الأشخاص تفسيراً ضرورياً جداً للمرض، وتساعد الأطباء في تحديد أفضل مسار للعلاج. أما الأطفال فغالباً ما يتم إجراء الاختبارات الوراثية لهم إما وهم ما يزالون أجنة، أو بعد ولادتهم بمدة قصيرة.  

ويقوم أشخاص آخرون بإجراء الاختبارات الوراثية إذا كان لديهم ولدى أزواجهم تاريخ عائلي من الأمراض الموروثة، حتى لو لم يكونوا هم مصابين بهذه الأمراض. فعلى سبيل المثال، يرتبط التليف الكيسي بجين واحد معين، ولكن عليك أن ترث النسخة غير الطبيعية من الجين من كلا والديك للإصابة بهذا المرض. فإذا ورثت نسخة واحدة فقط، فربما لا تعرف أبداً إن كانت ستظهر عليك أية أعراض. ولكن إذا كنت أنت وشريكك تحملان نسخة واحدة من الجين الخاطئ، فإن طفلك تبقى لديه الفرصة أن يرث نسختين. ويمكن للاختبارات الوراثية أن تحذرك من هذا الاحتمال.
ولكن ريهم ترى أن هناك اتجاهاً ساد مؤخراً عند الأصحاء لإجراء هذه الاختبارات للتنبؤ بما إذا كانوا سيصابون بأمراض معينة. تقول ريهم: "أعتقد أن هناك ظروفاً يكون فيها الاختبار الوراثي التنبئي مهماً ومفيداً بشكل مذهل. فعلى سبيل المثال، تتيح لك معرفة إن كانت لديك مخاطر للإصابة بسرطان الثدي الفرصة للتدخل المبكر (تذكروا أن أنجيلينا جولي قامت بعمل استئصال ثدييها عندما اكتشفت أن جين BRCA لديها مصاب بطفرة).

ولكن ريهم تشير أيضاً إلى أن الاختبارات الوراثية ليست دقيقة كما تبدو. حيث يعتقد أن بعض الجينات، على سبيل المثال، تزيد من مخاطر الإصابة بمرض معين، ولكنك لا تصاب بهذا المرض إلا إذا كان لديك تاريخ عائلي للإصابة به، أو ربما تكون قادراً على الحد من هذه المخاطر من خلال تغييرات في نمط حياتك. فهناك عوامل أخرى تلعب دوراً في الإصابة بالأمراض.

هل يمكن للاختبارات الوراثية أن تتنبأ بمستقبلي الطبي؟
ليس تماماً، فنطاقها محدود، وليست كل الأمراض تسببها الجينات. وهناك الكثير من الظروف المرضية التي تنشأ عن البيئة ونمط الحياة. وهي قد تتفاعل مع الجينات، ولكن العوامل الخارجية تكون هي المسبب الحقيقي.
وحتى لو كان سبب المرض الوحيد هو تعليمات خاطئة في جيناتك، فلن تكون قادراً بالضرورة على اختبار ذلك، لأن الاختبارات الوراثية تستخدم بشكل أساسي للكشف عن أمراض "نافذة"، وهو مصطلح يستخدمه العلماء لوصف الارتباط القوي بين وجود جين معين (أو عدة جينات) وبين الإصابة بمرض ما.

تبدو الاختبارات الوراثية بسيطة جداً، فكل ما تحتاجه هو عينة خلوية صغيرة، كعينة دم أو لعاب (وهي لا تحتوي على الحمض النووي نفسه ، ولكنها تحمل معها خلايا من الفم، في طريقها خارج فمك). وترسل العينات إلى المختبر حيث تقوم أدوات فحص تسلسل الحمض النووي بمطابقة أجزاء صغيرة من حمض نووي صناعي مع الحمض النووي الخاص بك لتحديد التسلسل العام.
وحالما يتم التوصل إلى التسلسل الخاص بك، يستطيع علماء الوراثة مقارنته بالتسلسلات الطبيعية أو التسلسلات المسببة للأمراض. وفي النهاية يكون جوابهم لك: "نعم" أو "لا"، وأحياناً يحمل الجواب وجود احتمال للمدى الذي قد تزيد به جيناتك من مخاطر تطور مرض ما. ثم يعود الأمر إليك لتحديد تأثير هذه الجينات على صحتك (جنباً إلى جنب مع نمط حياتك، والتاريخ المرضي لعائلتك، وعوامل الخطر الأخرى).

ووفقاً لريهم، فإن وجود أمراض نافذة يعني قدرة عالية جداً لتفسير المرض. فعلى سبيل المثال، يمكن للجين BRCA1 المرتبط بسرطان الثدي أن يعطيك فرصة للإصابة بسرطان الثدي بنسبة 60 في المائة (وفي حالة إنجيلينا جولي، ومع وجود تاريخ مرضي لعائلتها، فإن خطر الإصابة كانت نسبته 87 في المائة).

وهذا ما يجعل الاختبارات الوراثية أفضل في اكتشاف ما يسمى "الأمراض النادرة"، ولكنها أقل فائدة عندما يتعلق الأمر بالأمراض الأقل شيوعاً، كأمراض القلب أو الداء السكري، وذلك وفقاً لستيفن شرودي، عالم الأبحاث المشارك في مركز علم الوراثة البشري التابع لمعهد مارشفيلد للأبحاث. وقد تزيد الجينات من احتمال إصابتك بهذه الأمراض، ولكن العلماء لا يعرفون تماماً إلى الآن ما هي نسبة هذا الاحتمال. ويرى شرودي أن جزءاً من المشكلة يرجع إلى عشرات أو مئات من الجينات المسؤولة عن هذه الأمراض.
يقول شرودي: "لدينا فهم غير مكتمل عن سبب إصابة الناس بالأمراض، ويتوقف جزء كبير منه على تعريفنا للأمراض. ولعل الأطباء قد قاموا عن غير قصد بدمج عدة أمراض معاً في كيان واحد".  

وترى ريهم أن الاختبارات الوراثية للزبائن -وهي التي تجرى عن طريق إرسال عينات من المنزل- تطالب أحياناً بفحص هذه الصفات الأكثر تعقيداً، ولكن يجب توخي الحذر بخصوص نتائجها التي ربما لا تكون ذات صلة وثيقة بالطب. فإذا أخبروك -مثلاً- بأن جيناتك تضاعف احتمال إصابتك بالداء السكري، فهذا يشكل زيادة هامشية لا تؤثر بشكل كبير على مخاطر إصابتك بهذا المرض، خاصة عندما تؤخذ عوامل نمط حياتك بالحسبان.

هل يمكن للاختبارات الوراثية أن تتنبأ بالعمر الذي سأعيشه؟

يبدو أن الجينات تلعب دوراً في تحديد العمر. ومع ذلك، فإن بعض العائلات يرتبط عمر أفرادها من الأجداد الغابرين وحتى الأطفال. وقد قام العلماء بدراسة حياة المئويين -وهم الأشخاص الذين بلغوا مائة عام من عمرهم- ووجدوا أن الأشخاص الذين يملكون نسخة معينة من الجينات المشاركة في إصلاح الحمض النووي يميلون للعيش عمراً أطول.
وهذا أمر منطقي، لأن الشيخوخة تترك بصماتها على الحمض النووي. ويمكن أن تتسبب العوامل البيئية بالضرر على الحمض النووي، وحتى العمل الروتيني في نسخ الخلايا قد يحدث فيه أخطاء، حيث يتم نسخ ثلاثة مليارات وحدة من الحمض النووي مراراً وتكراراً. ويملك الأشخاص المعمرون تسلسلاً مختلفاً من الحمض النووي، ربما يجعل خلاياهم تعمل بشكل أفضل في الحفاظ على الحمض النووي في حالة نشاط.

ولكن تحديد انتهاء عمر الإنسان أمر أكثر تعقيداً من مجرد اختبار بضع جينات، وذلك حسب رأي جان فيج، أستاذ علم الوراثة في كلية ألبرت أينشتاين الطبية.
يمكنك، من الناحية النظرية، تصميم اختبار ينظر في جينات محددة تقيس مخاطر إصابتك بمرض ألزهايمر أو أمراض أخرى مرتبطة بالشيخوخة، أو تقيس مخاطر إصابتك بالشيخوخة المبكرة. يقول فيج: "تستطيع المؤشرات الحيوية إلى حد ما إخبارك عن فرصك في أن تعيش حياة مديدة. ولكن هذا يمكن أن يحدث فقط إذا عشت حياة حذرة". وهذا يعني: عدم إصابتك بحادث أو عدوى أو سرطان.

كما أن الشيخوخة تؤثر أيضاً على النهايات المكشوفة للحمض النووي، المسماة "تيلوميرات". ويتم تخزين الحمض النووي كصبغيات، وهي التراكيب المعروفة التي تشبه حرف X. والأجزاء الأكثر حساسية من الصبغيات هي أطرافها التي تقصر مع التقدم في السن، لأنها لا تتضاعف بشكل صحيح. وفي حين قد يسمح لك طول التيلومير بمقارنة حمضك النووي الآن مع حمضك النووي قبل عقد من الزمن، فأنت لا تستطيع مقارنة تيلوميراتك مع تيلوميرات الناس الآخرين. ويرى فيج أن هناك الكثير من الاختلافات بين الأفراد.

وقد يكون اختبار المَثْيَلة -الذي ينظر في الطريقة التي يتغير من خلالها وجود مجموعات كيميائية صغيرة ترتبط بالحمض النووي الخاص بك كلما تقدمت في السن- خياراً أفضل. وأظهرت دراسة أجريت في جامعة كاليفورنيا-لوس أنجلوس أن التغيرات كانت أبطأ في الأشخاص الذين عاشوا لفترة أطول. لكن فيج متردد، وهو يقول : "لن أعلق آمالي على ذلك كعلامة للتنبؤ بالموعد الدقيق للوفاة".

في الوقت الراهن، استمتع بحياتك، لأنك لا تستطيع التنبؤ بموتك. وإذا قررت أن تكشف أسرار حمضك النووي باختبار منزلي، فلا تحمل نتائجه أكثر مما تستحق.

المحتوى محمي