من منا لم يمارس فن الأوريجامي بصغره؟ يقوم هذا الفن على مبدأ استخدام الورق لصنع أشكال وتراكيب مختلفة، وهو مصدر سعادة لأي طفل أو لأي شخص يبحث عن صنع التشكيلات المعقدة باستخدام أبسط الأشياء. حتى فترة قريبة كانت قائمة الأشياء التي بوسع فناني الأوريجامي صناعتها مقتصرة على الأزهار والحيوانات والسلال البسيطة أو الأدوات التي لها أغراض تزيينية أكثر من كونها مفيدة عملياً. لكن عنصر جديد تمت صناعته من الورق قد بدأ يلمع في هذه القائمة، إنه مجهر ضوئي (ميكروسكوب) تقاس أبعاده بالسنتيمترات.
في شهر يونيو عام 2014 ظهر بحث في جامعة ستانفورد الأميركية، حمل توقيع كل من مانو براكاش وجيم سيبولسكي، وقد تضمن دراسة لإمكانية تصنيع مجهر ضوئي باستخدام الورق فقط. هذا البحث تحول بسرعة للمرحلة التطبيقية، حيث تم صناعة هذه الأداة عام 2015، كما تم بيع 50,000 قطعة في 135 دولة. لكن قبل الخوض في تفاصيل هذا الابتكار من المفيد إلقاء نظرة على الحاجة التي دعت لإيجاده.
أداة هامة لكن العدد كبير
لا يعتبر مرض الملاريا داء عضال يستعصي على الأطباء علاجه، بل يمكن القضاء عليه ما أن يكتشف. لكن المعضلة الكبرى هي أن حوالي نصف سكان الأرض مهددون بالإصابة به، وعام 2015 أصاب 212 مليون شخصاً تمكن من الفتك بـ 429,000 منهم. يمكن كشف هذا المرض في مختبرات التحليل، لكن في الدول الفقيرة لا توجد المعدات الكافية لتحليل الحالات الكثيرة التي ترد يومياً. مع العلم أن تكلفة المجهر الضوئي تتراوح بين 1000 إلى 10,000 دولار أميركي، وهو رقم يفوق استطاعة الكثير من الهيئات في تلك الدول، لهذا السبب قد يبقى المريض لعدة أشهر قبل أن يحصل على نتيجة التحليل، عندها ربما يكون قد سبق السيف العذل. لكن اليوم مع استخدام المجهر الورقي ستنخفض الكلفة إلى حوالي دولار أميركي واحد، مما سيحل هذه الأزمة بشكل جذري.
خطوات بسيطة للتركيب
ما الذي سيحصل عليه المشتري مقابل الدولار الذي سيدفعه؟ سيحصل على قطعة من الورق المقوى بقياس A4، وقد رسمت عليها قطع الميكروسكوب مع إمكانية انتزاعها ثم تركيبها مع وجود أسهم فقط دون وجود تعليمات بلغة محددة. يتم التركيب على ثلاث مراحل: المرحلة البصرية، مرحلة الإضاءة، ومرحلة الطي. ومع انتهاء عملية التركيب سنحصل على قطعتين منفصلتين: الأولى هي المجهر مع فتحة الرؤية والثانية هي القاعدة التي توضع عليها العينة المراد دراستها ثم يتم إدخالها تحت العدسة. أما العدسة فيمكن تحريكها على محاور ثلاثة: محوري X و Y لمسح العينة المدروسة، ومحور Z للضبط البؤري وتوضيح الصورة.
استخدامات متنوعة وانتشار كبير
الفرق الذي سيحدثه هذا المجهر بخصوص مرض الملاريا ليس هو الفائدة الوحيدة التي سيجنيها العلماء من ظهوره، حيث أنه قد استخدم لدراسة البيوض الميكروية للآفات الزراعية في الهند، وللبحث في تنوع المفصليات في تربة الأمازون عدا عن استخداماته في الكشف عن الأزهار السامة وفي كشف تزوير العملة.
بينما يخطط مختبر باراكاش الذي يقوم بتصنيع هذا المجهر لبيع مليون قطعة مع نهاية العام الحالي، يبدو أن العلم سيشهد نقلة نوعية مع هذه الاداة الجديدة التي يمكن لأي كان استخدامها بغض النظر عن خلفيته العلمية. فإذا كان ليفنهوك قد دخل التاريخ بوصفه مخترع المجهر فإن باراكاش وسيبولسكي سيذكران بوصفهما مبتكرا التقنية التي أدخلت المجهر إلى كل مكان في العالم إذا لم نقل إلى جيوب العالم (وبمتناول جيوبهم أيضاً).