بعد عقدين أو ثلاثة من الآن، سيذكر أحد الشبان أنه ولد مرتين، مرة من رحم أمه ومرة أخرى بعدها بخمس سنوات، عندما تم انتزاع قلبه المريض واستبداله بآخر سليم، وسيذكر أنه دخل حينها التاريخ من حيث لا يدري. وحتى نهاية حياته سيذكر أنه مدين بهذا الإنجاز لعدة أشخاص.
في يوم 14 يونيو 2017 انتهت العملية الجراحية التي احتضنها مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، والتي تم خلالها زراعة قلب لطفل يبلغ من العمر خمس سنوات، وكان الجراح الرئيسي هو الدكتور عصام الراسي رئيس قسم جراحة القلب في المشفى وشارك بالعملية فريق طب قلب الأطفال، وأخصائيي العناية المركزة للأطفال، وأخصائيي تخدير القلب لدى الأطفال. وبعد عدة أيام تم فصل المريض بنجاح عن آلة التنفس. استطاع الطفل، وهو بصحة جيدة، أن يبتسم لوالدته، يشدّ على ذراعها ويطلب كوباً من الماء.
كان هذا التاريخ مميزاً لأنه سجل أول عملية ناجحة لزراعة قلب لطفل بلبنان، وبالتالي هو إنجاز يسجل للجامعة الأميركية في بيروت على مستوى الدولة أولاً، وعلى المستوى العالمي حيث ستعزز مكانتها كأحد مراكز زراعة القلب العالمية. لكن هناك عناصر أخرى لا يمكن إغفالها قد كان لها أيادٍ بيضاء على هذا الطفل.
فمن المعروف أن عامل نجاح غالبية العمليات الجراحية هو الفريق الطبي ومبضع الجراح الرئيسي، حيث يتحملون المسؤولية كاملة عن حياة المريض أو فشل العملية، لكن منذ منتصف القرن العشرين، عندما بدأت تجرى عمليات زراعة الأعضاء (تصادف هذه السنة الذكرى الخمسين لإجراء أول عملية زراعة قلب بالتاريخ) أصبحت الأمور أكثر تعقيداً، فقد أصبحت العملية تحتاج لثلاثة عوامل: جراح ذو خبرة عالية، شخص واهب للعضو يملك ذويه ثقافة العطاء وقرار شجاع من المريض أو ذويه. هذا في حال توافر العامل المادي أما في حال غيابه فسيضاف عامل رابع هو جهة تتبرع بأجرة هذه العملية المكلفة.
مرة أخرى يثبت جراحونا أنهم على قدر الثقة وأنهم يضاهون أمهر جراحي العالم ولا يقلون عنهم شأناً، وبإمكان القارئ التعرف على أنجح عملية زراعة قلب بالتاريخ والتي أجراها الطبيب المصري البريطاني السير مجدي يعقوب سنة 1982.