للمسكنات الأفيونية سلبيات كثيرة فهي تؤدي إلى الإدمان الشديد كما أن لها تأثيرات جانبية غير مرغوبة كالإمساك، ناهيك عن تلك التي تهدد الحياة كضيق التنفس.
ولكن المشكلة تكمن في أننا لا نستطيع الاستغناءعنها لأن المسكنات الأفيونية لها فعالية قوية في التحكم بالألم. ولسوء الحظ فإننا لا نستطيع أن نستفيد من تأثيرها كمسكن للألم بمعزل عن تأثيراتها الجانبية غير المرغوبة ولهذا فإننا نأخذها بخيرها وشرها.
يطور الباحثون حالياً نوعاً جديداً من المسكنات الأفيونية التي تستهدف بشكل انتقائي الأنسجة الملتهبة فقط. من الناحية النظرية، فإن مثل هذا العقار سيخفف الألم مثل المسكنات الأفيونية الأخرى ولكن دون أن يسبب تأثيرات جانبية أو يؤدي إلى الإدمان، وقد وجد الباحثون بالفعل مثل هذه النتيجة في الفئران. فإذا ثبتت إمكانية عمل هذا العقار عند البشر فإنه سيلبي الحاجة إلى تحسين طرق التحكم بالألم.
تعمل المسكنات الأفيونية من خلال تأثيرها على مستقبلات المواد الأفيونية الموجودة في مختلف أنحاء الجسم. وترتبط هذه المواد بالمستقبلات بطريقة القفل والمفتاح، وعندما يحصل الارتباط فإنها تقوم بإطلاق كميات كبيرة من الدوبامين الذي يوقف الإحساس بالألم، وتكون هذه الألية عظيمة التأثير في مناطق الالتهاب ولكنها لبيست كذلك في الأنسجة السليمة، فعندما ترتبط المسكنات الأفيونية بالمستقبلات الموجودة في الدماغ فإنها تتفاعل مع الأعصاب التي تتحكم بمعدل التنفس فتبطئه إلى مستويات منخفضة خطيرة، أما في الجهاز الهضمي فإنها تسبب الإمساك، كما أن إطلاق الدوبامين في الدماغ يسبب الإحساس بالنشوة والهدوء والذي قد يكون إحساساً إدمانياً شديداً يجعل الشخص يطلب الدواء بعد انتهاء الحاجة إليه.
ولكن ماذا لو كان بالإمكان إيجاد عقار يرتبط بمستقبلات المسكنات الأفيونية المحيطة بمنطقة الألم والالتهاب فقط؟
لمعرفة ذلك قام مجموعة من الباحثين بالتحري عن الاختلافات بين الأنسجة الملتهبة والأخرى السليمة، وتبين لهم أن الأنسجة الملتهبة أكثر حمضية، ولذلك فقد ابتكروا مسكناً أفيونياً برتبط فقط بمستقبلات المسكنات الأفيونية في الأوساط الحمضية.
يقول كريستوف شتاين أستاذ التخدير والعناية المركزة في الجامعة الحرة في برلين: "هذه الآلية تستبعد الكثير من الآثار الجانبية غير المرغوبة ومخاطر الإدمان لأن العقار لا يصل إلى مستقبلات المسكنات الأفيونية في الدماغ أو الجهاز الهضمي"
وقد وجد الباحثون عند اختبار هذا العقار- والذي أطلقوا عليه اسم NFEPP اختصاراً لصيغته الكيميائية- على الفئران أن الألم عندها قد تراجع بدون حدوث اضطرابات في الجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي. وبعد تجريبه عليها لمدة طويلة فإنها لم تظهر أي سلوك إدماني عند إيقاف تزويدها به، وهذا يعني أن الفئران لم تكن مدمنة عليه.
كما قارن الباحثون كفاءة العقار الجديد NFEPP في تسكين الألم مع العقار المعروف فنتانيل ووجدوا أن كفاءة العقارين متساويتان.
ولكن شتاين يذكّر: "علينا ألا نبالغ في حماسنا لهذا العقار لأن النتائج التي أظهرها على الفئران لا يمكن تطبيقها على البشر مباشرة، ولسنا متأكدين من أن البشر سوف يستجيبون لهذا العلاج بنفس الطريقة التي أظهرتها الفئران، ولذلك فإن الخطوة التالية هي البدء في اختباره على البشر".
وهو يأمل أن يبدأ هذه الخطوة قريباً بالرغم من أن الأمر قد يستغرق عدة سنوات لاستكمال مراحله المختلفة.
قد يكتب لهذا العقار - أو أي مسكن أفيوني آخر- أن يساعد في إيجاد نهاية لمعضلة علاج الألم الحالية ولكن يجب ألا نتوقع أن نرى هذا العقار على رفوف الصيدليات قريباً.