قبل 374 مليون سنة، كانت الأسماك والمفصليات ثلاثية الفصوص تسيطر على البحار والشعاب المرجانية والأمونيات. كان ذلك يجري تحت الماء، بينما كان كل شيء فوق اليابسة جافاً ومملاً.
بدأ عدد قليل من المفصليات يخطو على الأرض، ولكن بالنسبة للجزء الأكبر، كانت النباتات مسيطرة على الشواطئ. ولكن حتى النباتات لم تبدأ في النمو إلا مؤخراً، والغابات التي كانت معروفة في تلك الحقبة تختلف جذرياً عما هي عليه اليوم.
وكانت بعض الأشجار التي كانت تشكل الغابات الأولى أعضاء في مجموعة تسمى "كلادوكسيلوبسيدا" Cladoxylopsida، والتي كانت شاهقة الارتفاع، وخشبية، وكانت تملك مساحة فارغة حيث يفترض أن يكون قلبها الخشبي.
يقول كريس بيري، أستاذ علم النباتات القديمة في جامعة كارديف: "النسيج الخشبي هو في سلسلة من الخيوط التي تشكل حلقة حول الجزء الخارجي من الجذع. أما الجزء الداخلي فهو أكثر أو أقل تجوفاً. وإذا تمكنت من النظر إلى داخل الشجرة بالأشعة السينية فسترى شيئاً يشبه النسخة الدائرية من برج إيفل".
اليوم، تنمو الأشجار عادة في حلقات صلبة، لتضيف طبقات من الخشب مع تقدم الشجرة في العمر ، ولكن الأمور كانت أكثر صعوبة بكثير بالنسبة لأشجار كلادوكسيلوبسيدا.
يقول بيري: "حقاً لا ينبغي أن تكون هذه الأشجار قادرة على النمو، فأنت لا يمكنك أن تضغط برج إيفل وتتوقع أن يزداد قطره".
ولكنها كانت تنمو ليصل ارتفاعها إلى حوالي 12 متراً، لتبدو كشجرة نخيل ذات قمة تاجية كثيفة الأغصان تعلو جذعاً أضيق. ويملك بيري الآن تصوراً أفضل عن كيفية نمو هذه الأشجار، إن لم يكن عن سبب هذا النمو أيضاً.
وفي دراسة نشرت الأسبوع الماضي في دورية محاضر الأكاديمية الوطنية للعلوم، وصف بيري وهونج هي زو، المؤلف المشارك في الدراسة، وزملاؤهما عينات من الأشجار التي تم الحفاظ عليها بشكل مثير للدهشة في الرماد البركاني، حيث حلت السيليكا مكان الخلايا، ما أعطى الباحثين تفاصيل غير مسبوقة عن الشكل الذي كانت عليه الشجرة في لحظة موتها.
يقول بيري: "كل واحد من الخيوط ينمّي مجموعة من حلقات النمو الخاصة به حوله، مثل شجرة صغيرة داخل الشجرة". وبين الخيوط الخشبية -التي تشكل النظام الوعائي للنبات- توسعت الأنسجة الأكثر ليونة مع نمو شجرة، مما ساعد على ضغط الفروع . ولاستيعاب حالة الضغط، كانت تنفصل بعض الفروع، ما أدى إلى تمزق النبات ثم إصلاح هيكله بشكل فعال لاستيعاب جسمه النامي.
يقول بيري: "لم يقتصر الأمر على تمزق الأنسجة، بل قام النبات بإصلاح نفسه أثناء نموه طولياً. ويمكننا أن نرى كل التفاصيل في هذه الحفريات. لقد وجدنا مساراً جديداً لنمو الأشجار".
ويخطط بيري وزو لمواصلة عملهما، مع التركيز على الجذور بالإضافة إلى الجذوع، والبحث في أنواع أخرى من الأشجار المتحجرة. كما أنهما يخططان للبحث في حلقات النمو الأصغر في الخيوط لمعرفة ما إذا كانت سنوية (مثل الحلقات في الأشجار اليوم) أو كانت تعمل على نطاق زمني مختلف. وفي حين أن الأشجار الحديثة يمكن أن تسجل المناخ في حلقات نموها، فإن بيري وزملاءه ليسوا متأكدين بعد إذا كانت هذه الأشجار القديمة يمكن أن تفعل الشيء ذاته.
وللتأكد من هذه الفكرة سينظرون في الشجرة جيدة الحفظ ليروا عدد الحلقات التي تتناقص باتجاه الأعلى، وهو ما توقعوا حدوثه مع نمط معين من النمو. كما كانوا يريدون محاولة معرفة سبب كون بعض أقدم الأشجار في العالم هي الأكثر تعقيداً. وليس لديهم نظرية عمل بعد، ولكن بيري يعلم عن أي شيء سيبحث. سيبحث في وجود الضغوط البيئية في ذلك الوقت أو عدم وجودها.
يقول بيري: "لم تكن الكائنات الحية السابقة تواجه نفس الضغوط البيئية التي فرضت على النباتات والحيوانات الحديثة، لذا يمكن أن تفعل بعض الأشياء غير العادية. مثل ما حدث في الانفجار الكمبري، حيث كان هناك الكثير من أشكال الجسم الغريبة عند الحيوانات التي ظهرت في ذلك الوقت، وهي أشياء كنا سنعتبرها غريبة جداً اليوم. وهو على الأرجح ما كان يحدث مع النباتات. إن ما اكتشفناه هو شكل جيد من أجسام الأشجار".