عندما نشر بيير بورديو كتابه "التلفزيون وآلية التلاعب بالعقول" سنة 1996، كان بمثابة ضربة قوية للقائمين على الإعلام المرئي وربما للعاملين بصناعة الإعلام بشكل عام. وربما عمل هذا الكتاب على تقليص شريحة الناس الذين يثقون بوسائل الإعلام كمصدر للحقائق. واليوم بعد أكثر من عشرين سنة على صدور الكتاب لا يزال الناس منقسمين بين مصدّق لما تتداوله القنوات الإعلامية وبين مشكك بمصداقيتها. ولو أن أحداً فكر بتأسيس صحيفة الكترونية مدفوعة فسيتمنى على الأرجح أن تكون شريحة المؤمنين أكبر من شريحة المشككين. لكن دراسة إسبانية ظهرت هذا الشهر لتفنّد هذه النظرية.
فقد أجرى باحثون من جامعتي نافارا وكارلوس 3 في مدريد دراسة على مستخدمي الإنترنت سعياً لتبيان مدى قابليتهم للدفع مقابل الحصول على الأخبار، وقد نشرت الدراسة بعنوان "احتمالية الدفع مقابل الأخبار الرقمية في إسبانيا" وكان من جملة ما توصل إليه الباحثون هو أن أولئك المستخدمين الذين لا يثقون بوسائل الإعلام هم الأكثر ميلاً للاشتراك بمواقع الأخبار المدفوعة. وقد تم تفسير هذه النتائج المفاجئة بكون الأشخاص الغير مؤمنين بالإعلام لديهم اهتمام بعدد قليل من وسائل الإعلام، وهو ما يجعلهم أكثر قابلية للدفع مقابل الاشتراك بهذه الوسائل.
وقد اعتمدت هذه الدراسة على "تقرير الأخبار الرقمية 2016" والذي تم إعداده من قبل مؤسسة يوجوف YouGov للأبحاث بالتعاون مع معهد رويترز للدراسات الصحفية بجامعة أوكسفورد. وقد اعتمد التقرير على عينة مؤلفة من 2100 مواطن إسباني. وإجمالاً فإن الدراسة قد توصلت إلى مايلي:
- الشباب هم أكثر قابليةً للدفع مقابل الأخبار الرقمية مقارنة بالأكبر سناً والذين يفضلون النسخ الورقية.
- الأشخاص الأكثر تعليماً ميالون أكثر من غيرهم للدفع للحصول على الأخبار الرقمية، نظراُ لكون أولئك الأشخاص يبحثون بشكل مستمر عن المعلومات التخصصية عالية الجودة. وقد اعتبر الباحثون أن مستوى التعليم هو أحد العوامل الأساسية التي تتعلق بقابلية الناس للدفع مقابل هذا النوع من الخدمات.
- يميل الناس إلى الاشتراك بالمواقع التي لا تتبع جهة سياسية ما، حيث تحظى المواقع المستقلة بثقة أكبر. وهذه الثقة ستتحول إلى مال مدفوع إذا كان الموقع يتطلب ذلك.
- الأشخاص الذين يعتمدون على تويتر للبقاء مطلعين على آخر الأخبار والمستجدات هم أكثر ممانعة للاشتراك بمواقع الأخبار المدفوعة، وقد تم اعتبار وجود تويتر من العوامل الأساسية التي تؤثر على قابلية الشخص للتوجه للمواقع التي تتطلب منه اشتراكاً.
وقد خلصت الدراسة أيضاً إلى أن مبيعات الصحف الورقية اليومية هي بانخفاض مستمر في إسبانيا، وقد يكون كذلك في الكثير من دول العالم، وهذا الأمر وإن كان غير مرحب به بالنسبة لأولئك الذين يتلذذون بملمس الورق ورائحته فإنه مصدر سعادة للمهتمين بشؤون البيئة. لأن هذا الأمر من شأنه تخفيف العبء عن الغابات التي تقدم أشجارها لمصانع الورق.