تُغطَّى نوافذ الكثير من السيارات والمباني بطبقة سوداء رقيقة تحجب الإضاءة الشمسية الزائدة، وهذه الطبقة توفر الطاقة، حيث تساعد على تخفيض تكاليف التبريد. كما تتضمن بعض الأنواع الأخرى من النوافذ الصديقة للبيئة طبقةٌ من الخلايا الشمسية الشفافة التي تُحوِّل النوافذ إلى مولدات كهربائية صغيرة، ولكنك لن تجد في الغالب نافذة تتمتع بالميزتين معاً؛ أي العتامة وتوليد الطاقة، على الأقل ليس بعد.
ربما يتغير هذا الأمر؛ فقد اخترع علماء صينيون مادة جديدة يمكنها أن تحجب ضوء الشمس وتنتج الطاقة في نفس الوقت، ويتوقعون أن النوافذ -أو حتى الستائر- المزودة بهذه المادة قد تخفف في نهاية المطاف من استهلاك الكهرباء المنزلية بمقدار النصف.
يقول هين-لاب (أنجوس) إيب، (بروفسور علم وهندسة المواد في جامعة ساوث تشاينا التكنولوجية): "لقد جمعنا ما بين الابتكار في المواد وتصميم طبقة بصرية رقيقة؛ لتحقيق هدفَي توليد الطاقة الكهربائية والعزل الحراري في نفس الوقت، وبنفس الطبقة. وبهذا تمكنَّا من تحقيق فعالية مزدوجة في طاقة المنزل: توليد الكهرباء، وتوفيرها".
قام العلماء ببناء نموذج أولي قادر على توليد الكهرباء ومنع الحرارة الزائدة في نفس الوقت، ولهذا اضطروا -بما فيهم في هوانج (أيضاً من جامعة ساوث تشاينا)- إلى الموازنة ما بين استخلاص الكهرباء من الضوء وحجبه، وذلك بمزج ومزاوجة تراكيب عديدة من المواد والمركبات الكيميائية، للعثور على التركيبة الصحيحة بالضبط.
وقد تمكن العلماء في نهاية المطاف من تصميم منتج يسمح للفوتونات المرئية من ضوء الشمس بالمرور، ولكنه يحجب الأشعة تحت الحمراء، والتي تعد "من أكبر العوامل المساهمة في الحرارة" كما يقول إيب. ومن ثم قام الباحثون بتحويل المنطقة القريبة من الأشعة تحت الحمراء، والواقعة بينها وبين الضوء المرئي، إلى تيار كهربائي.
يقول إيب: "استخدمنا نصف ناقل بوليميري كمادة أساسية لتحويل ضوء الشمس إلى تيار كهربائي، من الممكن تصميم بنيته الكيميائية ومعايرة خصائص الامتصاص له. وتتمتع هذه المادة العضوية بخصائص امتصاص فريدة للغاية؛ حيث تمتص الضوء القريب من الأشعة تحت الحمراء بشكل انتقائي، وتسمح في نفس الوقت بمرور جزء كبير من الضوء المرئي، ما يجعلها مادة مثالية لتطبيقها على النوافذ الفولتية الضوئية نصف الشفافة".
تعتمد التقنيات الحالية للخلايا الشمسية على السيليكون أو غيره من أنصاف النواقل اللاعضوية، وهي ليست مناسبة لتطبيقها على النوافذ الفولتية الضوئية، كما يقول إيب، "لأنها عاتمة وذات مظهر باهت. وبدلاً من هذا، يمكننا أن نجعل المواد العضوية نصف الناقلة على شكل طبقة رقيقة شبه شفافة، وخفيفة، وملونة، ومثالية لتحويل النوافذ إلى مولدات كهربائية وعوازل حرارية في نفس الوقت".
نُشر بحث يتضمن تفاصيل هذا العمل في مجلة Joule.
يقول إيب إن المادة كانت مشابهة للصبغة المستخدمة في طباعة الصحف أو دهان السيارات، ولكنها "أكثر فائدة" كما يقول، ويضيف: "في الواقع، يمكننا تصنيع الخلية الشمسية البوليميرية على طبقة قاعدية مرنة، وذلك باستخدام الطباعة متعددة الأسطوانات، مثلما نطبع الصحف، وإذا قارنتَ هذه الطريقة مع العملية المطلوبة لإنتاج الخلايا الشمسية السيليكونية، ستجد أنها تستهلك مقداراً أقل من الطاقة، وأنها ذات أثر كربوني أخف".
وإن هناك العديد من التطبيقات المحتملة للمادة، ويعتقد إيب -نظراً لكونها طبقة رقيقة مرنة وقابلة للفِّ- أنها تشكل ستارة ممتازة للنوافذ، ويقول: "يتم حالياً التحكم في فتح الستائر وإغلاقها كهربائياً، وبما أن الطبقة الرقيقة الفولتية الضوئية ستولد الكهرباء، فيمكن استخدام نفس الدارات الكهربائية التي تتحكم في الستارة لسحب الكهرباء منها، ومن ثم استخدامها بشكل مباشر، أو تخزينها لاستخدامات لاحقة في المنزل".
يعتقد إيب أيضاً أن من الممكن استخدام هذه المادة في الدفيئات التي تولد الطاقة بنفسها. ويقول: "يتطلب الأمر فقط معايرة الخصائص البصرية للطبقة الفولتية الضوئية، نظراً لأن النباتات تمتص الضوءين الأزرق والأحمر بشكل أساسي، ولهذا هي خضراء، وبالتالي يجب زيادة ناقلية هذين الضوءين عند تصميم الطبقة لأجل هذا التطبيق، وهو أمر يمكن تحقيقه عن طريق إعادة تصميم المادة والهندسة البصرية".
يقدر العلماء أن تزويد النوافذ بخصائص مزدوجة لتوليد الكهرباء وعزل الحرارة يمكنه أن يقلل استهلاك المنزل للكهرباء من المصادر الخارجية بأكثر من 50%، على الرغم من أن هذا الرقم يَفترض تغطية كامل مساحات النوافذ بهذه المادة.
يشير إيب إلى أن الباحثين لم يستخدموا حتى "أفضل المواد الفولتية الضوئية المعروفة في هذا المجال" في هذا البحث، ويضيف: "إن فعالية الخلايا تتحسن بسرعة، ونتوقع أن نتمكن من تحسين أداء هذه الطبقة الموحدة للخلايا الشمسية للنوافذ. وإن تصنيع الخلايا الشمسية البوليميرية العازلة للحرارة ومتعددة الوظائف ونصف الشفافة هو البداية فحسب في عملية الدراسة الشاملة للتطبيقات الممكنة للمواد العضوية الفولتية الضوئية".
يقول إيب إنه سيكون من السهل تصنيع هذا المنتج على نطاق واسع، وعلى الرغم من أنه قد يبدو في البداية أكثر تكلفة من الطبقات العادية، إلا أنه سيُعوِّض تكلفة القيمة الزائدة بسرعة، يقول: "نعتقد أن الخلايا الشمسية المبنية على هذا البوليمير ستعوض قيمتها عن طريق الطاقة في وقت أسرع بكثير من الخلايا الشمسية اللاعضوية؛ لأنه يمكن تصنيعها باستخدام عملية طباعة ذات استهلاك منخفض للطاقة".
ويضيف: "بما أن بنية الطبقة مشابهة للطبقات العازلة الحالية ولكن مع بضعة إضافات، فإني أتوقع أنها ستكون أعلى كُلفة بقليل من الطبقات الحالية. ولكننا نعتقد -نظراً لتضاعف فعالية الطاقة- أن زمن تعويض التكلفة سيكون قصيراً جداً، ربما ثلاثة أو أربعة سنوات".
يتوقع إيب أن المادة قد تدخل حيز الاستخدام التجاري خلال خمس سنوات، قائلاً: "مضت 25 سنة منذ اكتشاف الخلايا الشمسية البوليميرية، ولقد حققنا الكثير من التقدم فيما يتعلق بتحسين فعالية واستقرار هذه الخلايا، وإذا تمكنَّا من تحديد أفضل المواد والعمليات اللازمة لإنتاج هذه التقنيات الفولتية الضوئية على نطاق واسع خلال السنوات القليلة المقبلة، فقد نتمكن من رؤيتها في كل مكان في عيد ميلادها الثلاثين".