على بعد حوالي 8000 سنة ضوئية من الأرض، يرقص نجمان، يقود أحدهما الرقصة وهو يدور بسرعة حول الآخر، بطاقة هائلة لدرجة أنه يمص المادة من شريكه، جاعلاً إياه يكشف عن باطنه. لكن النجم الثابت قوي أيضاً، فهو يمتلك من القوة ما يكفي لتجريد النجم الآخر من من طبقاته الخارجية. تدعى الأزواج النجمية العارية المشابهة لهذين النجمين «أنظمة وولفظ-رايت النجمية الثنائية»، وتستمر رقصاتها حتى تنهار النجوم على بعضها. الأسبوع الماضي، كشف فريق من الباحثين عن بعض من أكثر أسرار هذا الزوج عمقاً.
هذه هي أول مرة نرى فيها نظام وولف-رايت نجمي ثنائي سريع الدوران. يقول «ماثيو رينزو»، باحث في مركز الفيزياء الفلكية الحاسوبية في معهد فلاتيرون في مدينة نيويورك، وليس مشاركاً في الدراسة الجديدة: «هذه فكرة معروفة من 30 سنة، ولكننا لم نكن متأكدين أننا رصدنا واحداً حتى الآن».
منذ اكتشافه في 2018، فإن نظام «أبيب» كما يدعوه الباحثون، حيّر الفلكيين. ليس فقط لأنه غريب (إذ أننا لم نجد إلا بضعة مئات مثله في مجرتنا)، بل أيضاً لأنه يمتلك مزايا نادرة للغاية. هذا الزوج من النجوم حار وساطع بشكل هائل لدرجة أنه عند حركة النجوم، فإنها تولد رياحاً نجمية يمكن أن تصل سرعتها إلى 1% من سرعة الضوء. هذه الرياح هي السبب وراء تجريد النجوم من أغلفتها. وخلال هذه العملية، تخلق هذه الرياح هالة من الغبار تحيط بالزوج النجمي. يجب أن تتوسع هالة الغبار بنفس المعدل الذي تحركه بها الرياح النجمية، لكن عندما وجد الباحثون في جامعة سيدني نظام أبيب، لاحظوا أن الغبار حوله يتحرك بربع سرعة الرياح فقط. وهذا ليس منطقياً. هذا المكتشف تحدى المنطق نوعاً ما.
يقول «يينوو هان»، فلكي ومؤلف رئيسي للورقة العلمية: «المنطق كان ملتوياً تماماً». في الورقة التي نُشرت في دورية ذا «الإخطارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية»، يقترح فريق الباحثين نموذجاً رياضياً يفسّر الّلاتوافقات التي رأوها في صور نظام أبيب.
لتصميم هذا النموذج، كان على الباحثين أولاً تحليل آلاف الصور التي التقطت على مدار 3 سنوات عن طريق التلسكوب العظيم (الكبير جداً) في تشيلي، والخاص بالمرصد الأوروبي الجنوبي. يضيف هان: «ليس الأمر وكأننا استلمنا ملف صور بصيغة جاي بي إي جي. إذ تأتينا الصور بصيغ مبهمة لحد ما،». كانت مهمة هان الأولى هي «تنظيف» الصور، وإزالة أي ضوء مصدره النجوم والأجسام النجمية الأخرى، حتى يتمكن الباحثون من رؤية نظام أبيب بوضوح أكثر.
إن إزالة كل الضوء والشوائب سمحت للفريق بإلقاء نظرة مفصلة على النجمين. اكتشف الباحثون أن النجمين أكبر بـ 10 إلى 15 مرة من الشمس، وأسطع بأكثر من 100000 مرة. يحتاج النجمان إلى 125 سنة لإكمال دورة واحدة حول بعضهما، و يبعدان عن بعضهما مسافة تقارب قطر نظامنا الشمسي، وذلك وفقاً لبيان صحفي. حركة هذين النجمين ألهمت الفريق -الذي يقوده الفلكي «بيتر توتهل»- لتسمية النظام «أبيب» (أبوفيس»، نسبة لآلهة الظلام والفوضى في الميثولوجيا المصرية القديمة «أبيب»، يقول هان: «[تُمثَّل] أبيب كأفعى ملتوية تلاحق الضوء في الوسط. يجب أن تقاتل أبيب الإله رع، وهو الشمس، وهما يلاحقان بعضهما كل ليلة».
الأهم هو أن الباحثين كانوا قادرين على اكتشاف أننا نرى النجم المركزي من الأرض «من أعلاه»، لذلك فنحن لا نرى سوى واحد من أقطابه (مثل الأرض، النجوم لها أقطاب وخطوط استواء). وهذه المعلومة بالضبط هي التي سمحت للباحثين بتطوير نموذج رياضي قد يفسر الفرق المرصود في السرعات. قاس الباحثون سرعة الرياح النجمية القادمة من اتجاه القطب المقابل للأرض، لكن مصدر الغبار كان المنطقة الاستوائية من النجم. يقول هان: «هذا نجم مميز بحق، تكون سرعة الرياح الآتية من أقطابه أكبر من تلك الآتية من المنطقة الاستوائية».
كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ يشرح رينزو: «عندما يتحرك شيء بسرعة كبيرة، فسيكون هناك أثر للقوة النابذة على الجسم الذي يدور»، هذه القوة تغير شكل النجم، جاعلة إياه مسطحاً أكثر عند منطقة الأقطاب وأكثر تدويراً في وسطه، مما يجعل الرياح التي تأتي من الأقطاب أسرع من تلك التي تدفع الغبار خارجةً من المنطقة الاستوائية من النجم. وبما أن النجمين يرقصان في حركة دائرية، فالغبار لا يتوسع بشكل مستقيم، إنما يلتف بشكل حلزوني. يقول بيتر توتهل -مؤلف مشارك للورقة الجديدة- في منشور حول الاكتشاف الجديد: «أثناء دوران النجمين حول بعضهما، يلتف الغبار ويُنحَت ليشكل ذيلاً كبيراً سخامياً ومشعاً».
إذا كان النموذج الرياضي صحيحاً، ستنتهي رقصة نظام أبيب بأكبر انفجار سبق وعرفناه، وهو انفجار أشعة جاما. إذا كان النظام مقابل الأرض، قد يزيل انفجاره المستقبلي طبقة الأوزون الأرضية، مما سيعرّي كل الكائنات الحية أمام إشعاع الشمس فوق البنفسجي. لكن كما يشرح هان، فلحسن الحظ، النظام يشير لاتجاه آخر، كما أن وجود زوج من نجوم وولف-رايت في جوارنا سيعطينا معلومات قيمة حول تشكل انفجارات جاما أخرى.
يقول رينزو: «إن مجال دراسة تطور وانفجار النجوم العملاقة يزدهر الآن، لكن معظم التلسكوبات ترصد أنظمة بعيدة جداً، خارج مجرتنا. ولذلك من الصعب الحصول على كمية كبيرة من البيانات. هذا النظام هو نظام معقد للغاية وقريب جداً بنفس الوقت، لذلك يمكننا الحصول على الكثير من التفاصيل عنه. من الضروري جداً أن ندفع كلا الاتجاهين بهدف الوصول لفهم أفضل لحياة النجوم».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً