في عصر الاختبارات الجينية المتوافرة بسهولة، هناك الكثير من الأسئلة حول ما إذا كان الاختبار الشامل قد يساعد أو يؤذي صحة الجنين وبأي طريقة. إذ بحثت دراسة صغيرة لحديثي الولادة في المراكز الطبية في بوسطن ما يحدث عند إجراء تسلسل لجينوم الطفل والقيام بإخبار الوالدين ببعض النتائج على الأقل.
وتشمل فحوصات الأطفال حديثي الولادة اختبارات لعدد قليل من الأمراض، "كما أن معايير إدراج الأمراض صارمة جداً"، كما يقول آلان بيغز، المؤلف المشارك الرئيسي للدراسة وأستاذ طب الأطفال في كلية الطب بجامعة هارفارد. ويعود السبب المنطقي إلى أن إخبار العائلة بمعلومات أكثر من اللازم قد يتسبب بضرر جسيم، إما عن طريق إزعاجها دون داعٍ بسبب مخاطر قد لا تتحول أبداً إلى مرض فعلي أو من خلال التأثير على القرارات الطبية التي يتم اتخاذها في الأيام الأولى من حياة الطفل.
جاء المشاركون في الدراسة من مستشفيين في بوسطن واشتملوا على مجموعة من الأطفال الأصحاء والمرضى وعائلاتهم كذلك. ومن بين هؤلاء المشاركين، تم اختيار نصفهم (159) بشكل عشوائي لإجراء تسلسل للجينوم الخاص بهم. وقد تم إخبار الآباء -الذين تلقوا أيضاً المشورة الوراثية- ببعض المعلومات الناتجة، والتي هي في المقام الأول معلومات عن الأمراض الوراثية التي من المرجح أن تظهر قبل سن 18. بينما تلقت المجموعة الأخرى المشورة الوراثية والفحص التقليدي.
كانت هذه دراسة صغيرة، وكان المشاركون في الغالب من عائلات بيضاء غنية، ولا يمثلون البلد بأكمله، كما يعترف بيغز. ولكنها خطوة أولى مهمة في تحديد مقدار الفوائد والمضار المحتملة للفحوصات الجينية لحديثي الولادة في الحياة الواقعية، وهو أمر من المرجح أن يؤثر علينا جميعاً مع الوقت. وفيما يلي ما تحتاج إلى معرفته عن النتائج التي توصلوا إليها:
كان هناك شذوذات بشكل أكثر من المتوقع
تفاجأ الباحثون بعدد الاختلافات الجينية التي وجدوها في جينومات الأطفال. إذ كان لدى 15 مشاركاً من أصل 159 اختلافات جينية تشير إلى وجود خطر للإصابة بالأمراض الوراثية التي تظهر في مرحلة الطفولة. إن نسبة 9.4% هذه لخطر الإصابة هي أعلى مما كان يعتقد اعتماداً على الدراسات التي أجريت عند البالغين، كما يقول بيغز. وبالمثل، كان 88% من المواليد الجدد يحملون طفرات جينية يمكن أن تسبب المرض في ذريتهم، وهو عدد أكبر مما توقعه الباحثون.
وتقول سينثيا باول -طبيبة الأطفال والاختصاصية بعلم الوراثة في جامعة كارولينا الشمالية والتي لم تشارك في الدراسة الحالية: "إن النسبة المئوية للمرضى الذين لديهم نتائج مهمة تعتبر مثيرة للاهتمام. كما أن الحصول على بعض البيانات المُثبتة حول هذا الأمر في نهاية المطاف هو أمر بالغ الأهمية للمضي قدماً."
بعض النتائج كان لها آثار على الآباء كذلك
ركزت الفحوصات على الحالات التي تبدأ في مرحلة الطفولة. ويوضح بيغز: "لقد كانوا من الأطفال الرضع، وبالتالي فهم لا يقدمون الموافقة على الدراسة، وإنما يقوم آباؤهم بذلك". وكما كتبنا من قبل، عندما يتعلق الأمر بالمعلومات الجينية، فمن الممكن معرفة الكثير. ولهذا السبب، تعتبر الموافقة المستنيرة أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للقرارات الأخلاقية التي يتخذها الأطباء حول نوع المعلومات الجينية التي يتم إعطاؤها للأشخاص، وبالطبع لا يستطيع الطفل إعطاء موافقة مستنيرة. ولكن كان هناك بعض الحالات التي وجد فيها الباحثون أنفسهم يواجهون سؤالاً أخلاقياً حول ما إذا كان يجب الكشف عن أن الطفل لديه دليل جيني على مرض يصيب البالغين. ويقول بيغز: "هذا يوضح حقيقة أن العلاقة في علم الوراثة ليست مجرد علاقة فردية بين الطبيب والمريض".
ففي حالة المواليد الجدد الذين لديهم احتمال كبير للإصابة بسرطان الثدي -وهو شيء يكاد يكون من المؤكد ألا يظهر حتى سن البلوغ- يجد الباحثون أنفسهم في مأزق. فهل يجب أن يفصحوا عن ذلك للعائلة، علماً أن الأم لديها أيضاً هذا الخطر وقد لا تكون على علم بذلك؟ أو لا ينبغي عليهم ذلك، لأن المولود الجديد لا يمكنه الموافقة على الاختبار؟ (لا يستطيع المولود الجديد الموافقة على أي جزء من الاختبار بالطبع، ولكن الآباء يتخذون القرارات بالنيابة عن أطفالهم طوال الوقت، والفرق هنا هو أن الآباء سوف يستخدمون المعلومات التي لم يكن بإمكانهم أن يحصلوا عليها بغير هذه الطريقة حتى بلوغ أطفالهم سن الرشد، أي عندما يصبح من المرجّح أن يتخذ هؤلاء الأطفال القرارات بأنفسهم). وفي النهاية، سأل الباحثون الآباء عما إذا كانوا يريدون معرفة أمور مثل ارتفاع خطر الإصابة بسرطان الثدي. ثم قاموا بإرفاق الموافقة على ذلك في استماراتهم واستمروا إلى أن حصلوا على عدة حالات مماثلة. يقول بيغز: "كان من الواضح أن هذه المعلومات مزعجة للغاية"، ولكن الأسر تقدّر التحذير. وهو يشعر بأن المعرفة تمنع أيضاً الضرر المحتمل للمريض حديث الولادة بطريقة ما، وذلك من خلال منع فقدان أحد الوالدين.
لا يزال هناك الكثير من الأسئلة التي يجب طرحها
هذه الدراسة هي جزء من أحد مشاريع المعهد الوطني للصحة والذي يدعى إنسايت (NSIGHT)، والذي يتضمن حالياً أربعة مشاريع إجمالية تبحث في مختلف الآثار الأخلاقية والطبية والعملية للفحوصات الجينية لحديثي الولادة. ويتم تمويل مشروع بيغز من قبل المعهد الوطني للصحة حتى يبلغ عمر الأطفال سنة واحدة فقط، لكنه يسعى للحصول على الدعم لمواصلة الدراسة.
ويقول كل من بيغز وباول بأن هناك الكثير الذي يجب معرفته قبل أن نبدأ الحديث عن تغيير الاختبار التقليدي لحديثي الولادة. وهناك أدلة على أنه في حالة الأطفال المرضى، فيمكن للاختبارات الجينية مساعدة الأطباء على معرفة كيفية تحسين حالتهم، كما تقول باول، ولكن "الأطفال حديثي الولادة الأصحاء هو المجال الذي لا نزال فيه بحاجة للحصول على مزيد من المعلومات".
يقول بيغز بأن هناك الكثير من المخاطر المحتملة لإجراء تسلسل الجينوم. فمن ناحية، ليس من البسيط أبداً تفسير أهمية المعلومات في جينوم كل شخص، وما إذا كان من المحتمل أن تسبب هذه المعلومات المرض أم لا. ولكن هناك أيضاً بعض المخاوف مثل نفقات التدخلات الطبية السابقة لأوانها، والتوتر والقلق الناجمين عن معرفة الحالات المحتمل الإصابة بها قبل سنوات، والآثار الاجتماعية والاقتصادية المحتملة، مثل التمييز الجيني أو حتى تغيّر العلاقة بين الوالدين والأطفال.
ولكن على الرغم من ذلك، هناك الكثير من الإمكانات الجيدة أيضاً. فعلى سبيل المثال، استشهد بيغز بمولود جديد في الدراسة والذي كان لديه حالة حدّية من نقص البيوتينيداز، وهي حالة من المحتمل أن تكون خطيرة ويمكن أن تسبب الاختلال العقلي. ويقول بأن هذا الطفل بالذات ربما لم يكن لديه أي أعراض ملحوظة، وبالتالي لم يتم تشخيص حالته أبداً. ولكن لأن فريق بيغز كان قادراً على تحديد هذه الحالة الحدّية مبكراً، فقد اختارت أسرة المولود البدء بإعطائه مكمّلات بيوتين لتفادي الأضرار المحتملة للحالة.
ويقول بيغز: "أعتقد بأن الأمر واضح جداً بأنه يجب على مجموعة من الأطفال أن يخضعوا للتسلسل الجيني في أقرب وقت ممكن بعد الولادة". إن كيفية تحديد تلك المجموعة واتخاذ القرارات حول كيفية التعامل مع معلوماتهم الجينية تخضع للنقاش المستمر. وتقول باول: "من المهم أن يعرف الجمهور تحديات القيام بذلك".