ينشر الناس كماً كبيراً من المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي حول أنشطتهم وأفكارهم، ويمررون بدورهم أفكار الملايين حول العالم. حجم المعلومات كبير جداً ومتناثر، لكنه يقدم فرصة للباحثين في مجال الصحة العامة -الذين بإمكانهم فرز هذه الكميات الهائلة من البيانات- لاستخلاص معلومات مهمة عن الصحة العامة.
يأمل الباحثون بأن تكون هذه البيانات أداة قيمة يمكنهم الاستفادة منها في رصد ودراسة بعض الظواهر مثل؛ سوء استخدام المواد الأفيونية. في دراسة حديثة؛ تم تحليل بيانات تغريدات تويتر وصُنفت بواسطة برنامج للتعلم الآلي، وخرجت النتائج بأن معدل التغريدات على تويتر التي تتناول موضوع المواد الأفيونية وإساءة استخدامها؛ مطابقة لمعدلات حالات الموت الناجمة عن تناول جرعات زائدة من هذه المواد في مقاطعات ولاية بنسلفانيا الأميركية، ومطابقة أيضاً مع معدل استخدام المواد الأفيونية، والتي اُستخلصت من خلال المسوحات الوطنية.
كتب «أوبيد سركر»، الأستاذ المساعد لمعلومات الطب الحيوي في كلية الطب بجامعة إيموري في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني إلى بوبيولار ساينس: «الهدف النهائي طبعاً هو أن نكون قادرين على التنبؤ بالأزمات المحتملة مثل؛ أزمة المواد الأفيونية واستخدامها. وهذا ما نعمل من أجله».
إلا أن آخرين قالوا أن هذه الأدوات ليس لها تطبيقات مفيدة بعد. يقول «لِيل أونغار»، أستاذ علوم الحاسوب والمعلومات في جامعة بنسلفانيا، والذي أجرى بعض الأبحاث في هذا المجال: «مثلاً، لا فائدة من أن نقول بأنه يمكننا أن نحدد متى أو أين ينبغي تركيز جهود التدخل للحدّ من مشكلةٍ ما».
في تفاصيل الدراسة، جُمعت التغريدات المنشورة في الفترة بين عامي 2012 - 2015 في ولاية بنسلفانيا، والتي أشار مضمونها بشكلٍ ما إلى المواد الأفيونية. استخدم الفريق لتحديد هذه التغريدات أكثر من 200 كلمة يمكن أن تشير إلى استخدام المواد الأفيونية، حيث شملت كلّ الكلمات الممكنة، وحتى تلك التي تحتوي أخطاء إملائية شائعة، وتُستخدم بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي. قام الفريق بمراجعة 16 ألف تغريدة لفهم سياق استخدام الكلمات الرئيسية، وصنّفوا 550 منشوراً منها في 4 فئاتٍ مختلفة كالآتي: إساءة استخدام المواد الأفيونية، مشاركة منشورات الآخرين، المنشورات التي لا صلة لها بالموضوع، والمنشورات بغير اللغة الإنجليزية. ثم بعد ذلك دربوا خوارزميات آلية ذاتية التعلّم بتغذيتها ببيانات هذه المنشورات، واستخدم في إحداها الشبكة العصبونية الاصطناعية. وكان أداء خوارزمية الشبكة العصبونية هو الأفضل، حيث قامت بتحديد التغريدات التي تُشير فعلاً إلى إساءة استخدام المواد الأفيونية آلياً وبنفس الدقة البشرية.
أشارت نتائج تحليل البيانات إلى أن هناك علاقة بين معدّل التغريدات التي تشير إلى إساءة تعاطي المواد الأفيونية في كل مقاطعة؛ وبين معدّل الوفيات الناجم عن تعاطي جرعاتٍ زائدةٍ منها في المقاطعة نفسها. كما يتوافق معدّل التغريدات مع بيانات المسوحات التي تجريها هيئة المسح الوطنية حول إساءة استخدام العقاقير، والتي تشمل معدلات الاستخدام غير الطبي للمواد الأفيونية على مستوى المقاطعة، ومع تعاطي المخدرات غير القانوني، وإساءة استخدام المواد الأفيونية.
في الواقع، أجريت في دراساتٍ سابقة عملية أتمتة عملية استخلاص البيانات المتعلّقة باستخدام المواد الأفيونية من منصّات وسائل التواصل الإجتماعي. يقول سركر: «نعتقد أن هذا النموذج أقوى من النماذج السابقة؛ نظراً لأنه أكثر دقة في استبعاد المنشورات غير ذات الصلة. على سبيل المثال، إذا توفي أحد المشاهير بسبب جرعة زائدة من المواد الأفيونية؛ ستظهر الكثير من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تتحدث حول الحادثة، لكّن ذلك لن يعني بالضرورة أن هناك زيادة في استخدام المواد الأفيونية على مستوى السكان».
عمل «مايكل شيري»، الحاصل على درجة الزمالة في علم السموم الطبي في مستشفى بوسطن للأطفال، على إحدى تلك الدراسات السابقة. ركّزت دراسته على معدلات استخدام المواد الأفيونية على مستوى الولاية. يقول شيري عن الدراسة الجديدة: «تزيد هذه الدراسة من الدقة الجغرافية للبيانات وصولاً إلى مستوى المقاطعة، وهو أمر مهم، لأننا نعلم من خلال الدراسات السابقة أن هناك أنماطاً مختلفة من إساءة استخدام المواد الأفيونية في المجتمعات الريفية والحضرية، مما يشير إلى أن السياسات المُتبعة لمعالجة تلك المشكلة قد تنجح في مكان، بينما تفشل في مكانٍ آخر».
وبالرغم من ذلك، فإن استخدام خوارزمية الشبكة العصبونية في هذه الدراسة؛ يجعل من الصعب علينا معرفة كيفية عمل النظام بالضبط في فرز وتصنيف التغريدات. يقول شيري: «هناك مشاكل تتعلق بمدى شفافية الشبكات العصبونية وعدم تحيّزها، هناك قصور في تلك العملية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الشبكات العصبونية الالتفافية العميقة -النمط المُستخدم منها في هذه الدراسة- تُستخدم عادةً في العمليات والتحاليل التي تُجرى على الصور، ولم تُستخدم إلا مؤخراً في مجال اللغة، لذلك، فإن استخدامها هنا في مجال الدراسة غامضٌ وغير شفّاف».
ويشير «سركر» إلى أن الجهود المبذولة لتحديد أفضل طرق التحليل يجب أن تُتبع مباشرةً ببحث يحدد أفضل الوسائل لاستخدام البيانات التي يكشفها التحليل. يقول: «نعتقد أننا وصلنا إلى مرحلةٍ يجب أن نتوقف فيها عن السؤال عن؛ هل بإمكاننا الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي لمساعدتنا فيما يتعلّق بمشاكل الصحة العامة أم لا. لقد أصبحت الأبحاث التي تتعاون فيها تخصصات علمية مختلفة هي سمة المستقبل، ويمكنها أن تساعد في معالجة الأزمات الحالية مثل أزمة المواد الأفيونية، ومنع حدوث الأزمات في المستقبل من خلال التنبؤ بها، أو اكتشفها في مراحلها الأولى». يعمل فريق ساركر -والمتخصص في المعلوماتية الطبية الحيوية حالياً- مع «جان ماري بيريون» المتخصص في علم السموم في جامعة بنسلفانيا ومشاركٌ في الدراسة؛ لتحديد الأساليب التي يمكن أن تساعد الخبراء الذين يعملون مباشرة مع المجموعات المتأثرة بمشكلة إساءة استخدام المواد الأفيونية.
لكن «شيري» أقل تفاؤلاً بأن تُستخدم هذه النماذج في مثل هذه التطبيقات قريباً. فهو يشير إلى أنه لا يزال علينا التحقق من جودة التغريدات ودقتها كمصدر للبيانات الطبية الوبائية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون التغريدات قادرة على إظهار قدرتها على التنبؤ بظهور مشاكل تتعلّق بإساءة استخدام المواد الأفيونية، وليس مجرّد إظهار وجود علاقة ما ببيانات المسح السابقة. يقول شيري: «التنبؤ بما سينتج عن بياناتٍ سابقة ليس مفيداً».
وبشكل عام، لا يمكن التمييز بين أنماط إساءة استخدام المواد الأفيونية، والتي تُعتبر معلومات مهمة يعتمد عليها الأطباء في تحديد أشكال التدخل المفترضة. يقول شيري: «يمكن الاستفادة من جمع كل أنواع البيانات مع بعضها لتشكّل صورة واحدة حول استخدام المواد الأفيونية».
ويشير «أونغار» أيضاً إلى أنه لا توجد إلا شريحة صغيرة من الناس على تويتر، وبعضهم فقط قد يرغب في التغريد حول تعاطيه المواد الأفيونية غير المشروعة. ويضيف: «ما سنحصل عليه في النهاية هي بيانات متحيّزة بشكلٍ غريبٍ أيضاً، فما نقيسه هو مقدار المخدرات التي يستخدمها السكّان، وكيفية حصولهم عليها. لذلك يمكننا التساؤل فعلاً عن مدى استعداد الناس لمشاركة هذه المعلومات لتكون عامة».
ويشير «أونغار» إلى أنّ المعلومات المأخوذة من تغريدات استخدام المواد الأفيونية قد تساعد الباحثين على إدراك كيفية تعاطي الناس مع قضية تعاطي المواد الأفيونية، أو سمات الأشخاص الذين يتعاطونها. ومع ذلك، فإنه من غير الواضح إلى أي مدى ستكون فائدة البيانات التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي.
يقول أونغار: «هناك فرق بين إيجاد تغريدات تتحدّث عن المواد الأفيونية، والقدرة على أن تكون قادراً على الاستفادة من البيانات المُستخلصة منها من أجل حلّ مشاكل الصحة العامة».